منتصف سبعينات القرن الماضي دخل لبنان في حرب أهلية استمرت لفترة طويلة معطلة مؤسسات الانتاج ومخلفة كلفة بشرية ومالية كبيرة, حيث قدرت الجمعية الاقتصادية اللبنانية الخسائر في البنى التحتية بأكثر من 30 مليار دولاراً, ورغم خروجه من الحرب بعد ما يقارب من عشرين عاماً بقيت لبنان ساحة للصراعات السياسية التي أضاعت على لبنان فرص بناء اقتصاد سليم حيث يقوم الاقتصاد على المحاصصة والطائفية والوراثة, لقد خرج لبنان من حربه بديون رسمية تقدر بـ 3.2 مليار دولار أميركي ليستمر المبلغ بالارتفاع رويداً رويداً في ظل المحاصصة السياسية و السعي لتحقيق مكاسب للأطراف المختلفة على حساب مؤسسات الدولة.
كما ساهم العجز المترتب على شركة كهرباء لبنان حيث دفعت الحكومة اللبنانية ما يزيد عن 11 مليار دولار أميركي منذ 1992 وحتى 2011 من أجل تغطية ديون شركة كهرباء لبنان وإذا اضيف للمبلغ فوائده فإن الإجمالي يكون أكثر من 18 مليار دولار دفعتها الحكومة اللبنانية لتقديم هذه الخدمة وهذه المبالغ مقترضة بالكامل، بالمحصلة وصل الدين العام اللبناني مطلع 2020 إلى أكثر من 90 مليار دولار أمريكي و هذا يساوي الناتج المحلي الإجمالي اللبناني مرة و نصف أي كل ما ينتجه اللبنانيون في سنة ونصف لسداد الدين، وهو أمر غير ممكن تحمله للبنانين.
وظل اقتصاد لبنان طيلة السنوات الأخيرة يعتمد على السياحة والخدمات بشكل رئيسي إضافة للهبات والتبرعات التي تعطى من المنح الدولية، ونتيجة للوضع السياسي والاقتصادي المعقد تراجعت بعض الدول عن دعمها للمؤسسات اللبنانية خاصة و أن حزب الله على سبيل المثال استخدم معدات للجيش اللبناني في قتال الثوار في سورية.
الحكومة اللبنانية حاولت فرض مجموعة إصلاحات أواخر 2019 وفرضت قانوناً جديداً للضرائب واجهته احتجاجات واسعة و عدم رضى من الشعب اللبناني الذي رأى أن القانون الجديد يهدد معيشته واشتعلت احتجاجات واسعة أدت لاضرابات ومظاهرات قتل و جرح فيها عدد من اللبنانيين لتستقيل على إثرها حكومة سعد الحريري، وفي ظل الفراغ والاحتجاجات و التعطل وارتفعت الأسعار و انخفضت أسعار الليرة اللبنانية لتتوقف البنوك اللبنانية عن منح العملات الأجنبية للبنانيين و بدأت معظم الأطراف بإخراج مدخراتها نحو الخارج بأساليب مختلفة، هكذا أعلن رئيس الحكومة الجديدة حسان دياب عدم قدرة بلاده على دفع التزاماته المترتبة على خدمة الدين وتخلف عن دفع 1.2 مليار دولار تقريباً.
في نفس الوقت بدأت ارقام كورونا تتضاعف في لبنان و أغلقت المحال والشركات أبوابها و انفجر مرفأ بيروت – الشريان الرئيسي للبنان- و استقالت الحكومة و بدأت الخلافات السياسية والاجتماعية تعود للواجهة بقوة، ليصف ميشيل عون -الرئيس اللبناني- الوضع بأنه "رايح على جهنم".
حاول لبنان استجماع الدعم الدولي و استنجد ببعض الدول والمؤسسات الدولية لإجراء عملية إصلاح اقتصادي و الحصول على الأمول لتخطي الأزمة ولكن أطراف داخلية على رأسها حزب الله رفضت المشروع ورأت في عملية الإصلاح تهديداً لها ولبياناتها المالية ومواردها، هكذا استمرت الأزمة في لبنان وتراكمت دون إيجاد توافق سياسي يفلح في تشكيل حكومة.
الوضع في لبنان لا يزال مجهولاً ولكن المؤشرات الاقتصادية تعطي دلالات مخيفة حيث أن تمويل السلع و الخدمات الرئيسية انخفض بشكل ملحوظ وقدرة الحكومة على دعم كهرباء لبنان باتت محدودة ويتوقع أن أمام لبنان شهرين على الأكثر للتوقف عن دعم كثير من السلع والخدمات بما فيها الكهرباء، وفي حال استمر الخلاف وعدم التوافق على خطوات اصلاح اقتصادي و سياسي فإن الرئيس اللبناني قد يصدق في تنبؤاته، و سيعاني اللبنانيون و السوريون المقيمون في لبنان من أزمات أكثر عمقاً.