نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
يقرع تقريرٌ أمميٌّ مستقل نشرته قبل أيام منظمة اللاجئين الدولية (هي نفسها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)، ناقوس خطر حقيقي، من المرجح أن اللاجئين السوريين على وجه العموم، واللاجئين السوريين في الأردن على وجه الخصوص، في طريقهم إلى مواجهته وتحمل تبعاته واستحقاقاته.
التقرير، الصادر تحت عنوان “11 عاماً من الحرب: الأثر الإنساني للصراع المستمر في سورية”، سلّط الضوء على اللاجئين السوريين في مختلف البلدان ومنها الأردن حيث “أجريت أبحاث ميدانية داخل سورية والدول المجاورة المضيفة للاجئين”، مؤكداً أنّ العودة إلى سورية في المستقبل المنظور، أو إعادة التوطين في بلد ثالث، خيارات “لن تكون قابلة للتطبيق”.
ودعا التقرير الجهات المانحة والحكومات المستضيفة الى إدراك هذا الواقع واتخاذ تدابير هادفة لتعزيز الاكتفاء الذاتي والشمول، حيث وجد أنّه بالنسبة للعديد من السوريين إن لم يكن معظمهم في دول مثل تركيا والأردن ولبنان، سيكون الاندماج وإنهاء فكرة “المنفى” هو “الحل الأنسب والواقعي والكريم”. وأكد على ضرورة أن يكون ذلك مصحوباً بالتزامات أكثر طموحاً وطويلة المدى.
ووفقاً للتقرير، وحول ما يخصّ اللاجئين السوريين في الأردن منه، فإنّ الجار الجنوبيّ الشقيق للجمهورية السورية، يستضيف حالياً 670 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية، في حين أنّ الحكومة تشير الى وجود ما يقرب من 1.3 مليون لاجئ، وقد استقر الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في المجتمعات الحضرية والريفية، في حين ما يقرب من 130 ألف سوري يعيشون في المخيمات.
وفي ظل النقص الحاد بالتمويل الذي يواجهه نظام الدعم النقدي لبرنامج الغذاء العالمي، فإن الخطوة الأولى التي اتخذتها الوكالات الإنسانية والأممية المعنية، مضطرة، هو خفض الدعم الغذائي للمستفيدين المعرضين للخطر، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي منتصف العام الماضي أن 21 ألف لاجئ لن يتلقوا مساعدات نقدية بعد الآن بسبب نقص الأموال، وأن 250 ألف لاجئ آخر قد يشهدون انخفاضاً في المساعدات الغذائية.
ومع ارتفاع الأسعار الموسمي الخاص بشهر رمضان، والارتفاع الطاري الذي تسببت به الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن أوضاع معظم اللاجئين السوريين في الأردن، تمر بمنعطف صعب، في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن دمج، أو إدماج، أو ذوبان في المجتمعات المستضيفة.
النوع وليس الكم
ويبدو أن المسألة لم تعد تتعلق بعدد تصاريح العمل التي من شأن الأردن أن يصدرها ليستفيد منها اللاجئون السوريون الذين يقطنون خارج مخيمات اللجوء، وهم بالمناسبة يمثلون العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في الأردن، مع تراجع عدد المقيمين منهم داخل مخيميّ الزعتري والأزرق إلى ما هو أقل من 100 ألف لاجئ، في حين أن العدد الإجمالي للاجئين السوريين في الأردن، وخارج الإحصائيات الرسمية، يكاد يقترب من مليونيّ لاجئ.
ولكن بنوعية العمل الذي يمكن أن يحصل عليه اللاجئ السوري، وفق إمكانياته، وحاجاته، وكفاف يوم أسرته. فها هو اللاجئ السوري يوسف الحلبي، يقضي 12 ساعة من يومه بالعمل في مطعم للوجبات السريعة بالعاصمة الأردنية عمّان، ويحصل على أجر شهري مقداره 460 ديناراً (648 دولاراً) يعيل به أسرته المكونة من سبعة أفراد. في حين لا يزيد راتب اللاجئ السوري مصطفى الحوراني الشهري على (300) دينار أردني (أي ما يصل إلى زهاء 425 دولاراً)، رغم عمله في قطاع حيوي هو قطاع الغزل والنسيج!.
في حين يقول اللاجئ السوري، محمد أبو العبد، الذي شمله توقف المساعدات الغذائية منذ نحو ستة أشهر: “الوضع المادي أصبح في غاية الصعوبة بعد انقطاع المساعدات، وازداد الأمر صعوبة مع ارتفاع الأسعار منذ الشهر الماضي”.
أبو العبد، وبحسب تقرير نشره الزميل إياد محمد مظهر في موقع “تلفزيون سوريا”، يضيف قائلاً إن “كلفة الوجبة الجاهزة أصبحت أقل من كلفة الطبخة التي نعدها في المنزل بسبب ارتفاع أسعار معظم المواد الغذائية التي تتكون منها الطبخة وعلى رأسها أسعار الزيوت”.
تحديات الاندماج
إلى ذلك، يتعرض اللاجئون السوريون في الأردن، بحسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة أعلاه، لتحديات متعلقة بالمناخ (زيادة التصحر على وجه الخصوص) وندرة المياه، إضافة إلى أن التحديات الاقتصادية في المملكة وارتفاع معدلات البطالة، أدّت إلى خلق تحديات محلية للأردنيين العاديين، فكيف هو الحال مع الاجئين الذين يشعرون بضغوطها أكثر من المواطنين، خصوصاً وقد أصبح يتعيّن عليهم التنافس على الوظائف؟.
وزارة العمل الأردنية تقول إنها قدمت 283 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين للعمل بالسوق المحلي منذ عام 2016 وحتى نهاية العام الماضي 2021، حيث يحصل اللاجئ السوري على تصريح العمل برسم رمزي يبلغ 10 دنانير (14 دولاراً)، مقارنة بالعمالة الوافدة من الجنسيات الأخرى.
وبحسب مراقبين، شهد العام الماضي ارتفاعاً مضطرداً في عدد التصاريح الممنوحة للاجئين السوريين؛ إذ بلغ 62 ألف تصريح، وهو رقم قياسي لعدد التصاريح المقدمة لهم منذ السماح لهم بالعمل في السوق المحلي، مرتفعاً عن العام الذي قبله 2020 الذي سجل 38 ألف تصريح، وفق تقارير المراقبين وإحصائيات وزارة العمل.
ما الحل؟
فما هو الحل إذاً؟ من الواضح أن جملة من الصعوبات التي يتعرض لها اللاجئ السوري في الأردن، هي صعوبات تتعلق بالوضع العام داخل المملكة، فارتفاع الأسعار حين ترتفع، لا يستثني أحداً، ومما لم يعد سراً أن أسعار الخضروات واللحوم والدجاج وكثير من السلع الأساسية وغير الأساسية، شهدت في الأردن، في الأيام الخمسة الأولى من شهر رمضان، ارتفاعاً غير مسبوق من سنوات طويلة ماضية (وصول سعر كيلو البندورة على سبيل المثال إلى زهاء دولارين). ومن الجليّ، بالتالي، أن زوال هذا الوضع، وعودة الأسعار إلى رحمتها بالعباد، هو مطلب سوري أردني إنساني، طالما أننا نتحدث عن اندماج، أم أن الاندماج هو في الأضرار فقط؟.
تقرير المفوضية يدق ناقوس خطر حقيقي، ويضع المعنيين أمام مسؤولياتهم، فالاندماج ليس مجرد كلمة تقال، ولا، فقط، عنوان ننشره في مختلف الجهات، إنه مشروع ضخم يحتاج نوايا صادقة، وخطط ناصعة، وقدرات استثنائية على تقبل بعضنا بعضاً، ومد جسور الأمل، والوصول إلى اقتصاديات كبرى، قادرة على خدمة الجميع، وتشغيل كل المقيمين على أرض المملكة.