“نداء بوست”- عواد علي- بغداد
على الرغم من تنوُّع تركيبة المجتمع العراقي، والتبايُن النسبي في العادات والتقاليد بين سكان الشمال والوسط والجنوب والمنطقة الغربية، فإن تحضيرات الأُسر العراقية لعيد الفطر تكاد تكون متشابهة، وهي تبدأ في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، وذلك بإجراء ربات البيوت حملات تنظيف شاملة للمنازل ليجعلن كل شيء زاهياً لاستقبال العيد، إضافةً إلى الذهاب إلى الأسواق لشراء مستلزمات العيد من ثياب وحُلي، خاصةً ملابس الأطفال والصبيان، ومواد غذائية كالفاصوليا المجففة، و”الطرشانة” أو “القيسي” (المشمش المجفف)، والجوز واللوز وِ”الكشمش” (العنب المجفف)، والبرقوق المجفّف (الخَوخ أو العنجاص أو القَراصيا)، التي تُطبخ كحساء مع كرات اللحم، وتُؤكل مع الرز في أول أيام العيد في بعض مناطق بغداد وشمال العراق، إلى جانب حساء الفاصوليا والبامية أحياناً، وهي تشبه إلى حد كبير طبق “طاجين” الفواكه المغربي.
وفي مناطق أخرى من العراق تفضّل بعض الأُسر تجهيز طبخات أخرى للعيد، كرأس الخروف (الباجة)، أو “المعلاق” (كبدة الخروف)، في حين تفضل أُسر أُخرى تناول “الكاهي” والقيمر”، وهما من أشهر وجبات الفطور لدى العراقيين، تتألف الأولى من طبقات مرققة من العجين المشوي، وتكون مقرمشةً من الخارج، ويُضاف إليها العسل أو شراب السكّر اللزج (القَطر).
أما القيمر فهو أشبه بالقشطة يُعدّ من حليب الجاموس الدسم.
أما في جنوب العراق، فإن أكلة العيد المفضلة هي “المسموطة” (حساء السمك المجفف)، التي يُعتقد أنها ترجع إلى العهود الأولى من حضارة ما بين النهرين القديمة في منطقة الأهوار، حيث يتم تجفيف السمك المملح لمدة عشرة أيام قبل طهيه كحساء. وتُضاف إليه بهارات خاصة و”نومي بصرة، وفلفل أخضر وفلفل حار، وبصل. ويُعدّ ملح البحر الخشن مكوناً أساسياً في هذه الأكلة، التي تُصنع من أنواع مختلفة من الأسماك. ويُعزى ذلك إلى الاعتقاد بأنه يعوض الصائم عن الأملاح التي فقدها خلال شهر رمضان.
كذلك تشتري النساء المكسّرات، والـ”جكليت”، و”المسقول”، ومواد للحلويات التي يُحضّرنها، وفي مقدمتها “الكليجة”، وهي عجينة تُحشى بالجوز والسكر أو التمر أو السمسم، أو الهيل، أو الحلقوم، أو جوز الهند، إضافةً إلى “الحوايج” التي تعطيها نكهةً مميزةً، وتُشكّل باليد أو بقوالب خشبية أو معدنية بأحجام وأشكال مختلفة، وتوضع على صينيّة كبيرة، وتُدهن بصفار البيض بواسطة فرشاة كبيرة، ثم تُحمل إلى أحد أفران الخبز في الحي الذي تقيم فيه الأسرة لتُشوى، بحيث يصبح لونها ذهبياً، وأحياناً توضع على صوانٍ صغيرة وتُشوى في الفرن المنزلي. وعادةً ما تُقدَّم للضيوف أو المعايدين مع الشاي.
ومن أصناف الحلويات الأخرى: حلوى “الغريبة” (البسكويت الأبيض) التي تُعد من الدقيق والفانيلّا والزبدة والهيل ومربى الفراولة وقليل من المكسّرات، وحلوى “الداطلي” (بلح الشام) التي تُعدّ من الدقيق والنشا والسكر والزيت النباتي وشراب السكّر اللزج (القَطر)، وحلوى “الخفيفي”، وهي أقراص عجين دائرية مسطحة محشوّة بالتمر، تحتوي على نسبة قليلة من السكر، وتُدهن بصفار البيض أيضاً، وتُشوى بالفرن.
غالباً ما تقوم الأُسر بشراء مستلزمات العيد أثناء الليل، حيث تُفتح المحلات أبوابها خلال رمضان حتى الفجر. كما تشرع المحلات المتخصصة ببيع أصناف من الحلويات الخاصة بالعيد، كـ”البيتي فور”، والبسكويت، و”الكوكيز”، و”المعمول”، ومَن السما، والحلويات المكونة من فواكه مجففة (تُعرف بالفاكهة الزجاجية، أو “التنجولو”)، أو الطرية المغلفة، كالمشمش والتين والليمون والزبيب والبرقوق والموز والكيوي والفراولة.
ومن تحضيرات العيد، أيضاً، توجُّه الشبّان إلى محلات الحلاقة في اليوم الأخير من أيام الصيام لحلاقة رؤوسهم، وعادةً ما تزدحم هذه المحلات بالزبائن في هذه المناسبة، ويستمر عملها إلى صباح العيد، على الرغم من رفع أسعارها، ويضطر بعضهم إلى حجز موعد لدى الحلاّق.
وإلى سنين قليلة ماضية كان ذهاب الرجال إلى الحمام الشعبي طقساً لا بدّ منه لاستقبال العيد، لكن هذا الطقس انحسر الآن إلى حد ما، وصارت الحمّامات المنزلية تعوّض عن ذلك. وما يُقال عن طقس الحمّام الشعبي يُقال أيضاً عن طقس الحنّاء الذي كانت تزيّن النساء به راحات أيديهن، فهو يندُر وجوده الآن، ما عدا في بعض القرى.