لقد أدارت روسيا وإسرائيل تقليدياً علاقة متوترة ولكنّها محسوبة بشأن الحرب في سورية، ومع ذلك فتلك العلاقة واجهت مؤخراً ربما أسوأ منعطف لها حتى الآن، وسط الضربات الإسرائيلية المستمرة لأهداف وكلاء إيران في سورية. فمن الواضح أن موسكو أشارت إلى أنها لن تتحمل بعد الآن الهجمات الإسرائيلية داخل أراضي حليفتها الوثيقة في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، مع اشتداد التوترات بين إسرائيل وإيران واجهت قدرة روسيا على الحفاظ على العلاقات مع الخصمين الإقليميين تحدّيات جديدة. ففي 19 تموز/يوليو، أطلقت طائرات إسرائيلية ثمانية صواريخ موجّهة على حزب الله وأهداف تابعة لإيران في محافظة حلب السورية. ورداً على ذلك، ورد أن موسكو لم تتسامح مع هذه الضربات ولم تقدم استنكاراً نموذجياً. وبدلاً من ذلك، ادعى الأدميرال فاديم كوليت -نائب رئيس المركز الروسي لـ"المصالحة" في سورية- أن أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية استُخدمت لإسقاط سبعة من الصواريخ الثمانية. وأضاف مسؤول سوري إلى هذا الادعاء بالقول: إن الدفاعات الجوية السورية أسقطت معظم الصواريخ في الهجوم، دون الخوض في تفاصيل أكثر من نظيره الروسي. بعد أيام قليلة، أكّد كوليت أن أسلحة روسية الصنع اعترضت أربعة صواريخ موجّهة أُطلقت من طائرتين إسرائيليتين من طراز F-16 من الأجواء اللبنانية، على أهداف في محافظة حمص السورية. وقال: "دُمِّرَت جميع الصواريخ الأربعة من قِبل منشآت الدفاع الجوي السورية، باستخدام أنظمة Buk-2ME الروسية الصنع". علاوة على ذلك، نقل تقرير من صحيفة "الشرق الأوسط" التي تتخذ من لندن مقراً لها عن مصدر روسي "مطّلع" لم يذكر اسمه، زعم أنه بعد القمة الأولى بين فلاديمير بوتين وجو بايدن في حزيران/يونيو، أكدت واشنطن لموسكو "أنها لا تُرَحِّب بالغارات الإسرائيلية المستمرة في سورية". أثارت مثل هذه المزاعم مزيداً من التكهّنات بشأن نهج روسيا الحالي تجاه إسرائيل، إذ منحت الولايات المتحدة على ما يبدو إيماءة لروسيا للعمل بحزم أكبر ضد الضربات الإسرائيلية، وَفقاً للمصدر نفسه. وبحسب ما ورد، أعربت روسيا عن إحباطها من "تجاهل إسرائيل لـ قواعد اللعبة" في سورية. ويأتي ذلك في الوقت الذي تُعَدّ فيه إدارة جو بايدن أقلّ تماسكاً في العلاقات مع إسرائيل، مقارنة بسلفه دونالد ترامب. تجّنب الاصطدام ما يُضفي مزيداً من الأهمية على المزاعم الأخيرة هو حقيقة أنه في أعقاب قمة بايدن وبوتين في حزيران/يونيو، تبنّت روسيا نبرة انتقادية تجاه تصرفات إسرائيل في سورية. ففي 25 حزيران/يونيو، شجب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، الضربات الجوية الإسرائيلية في سورية، قائلاً: إنها "تُعَقّد الجهود الرامية إلى استقرار الوضع في سورية والمنطقة"، لأنها "تتكرر أكثر فأكثر". من المهم أن نلاحظ أنه منذ تدخل روسيا في سوريا في (أيلول/سبتمبر من عام 2015م)، لم تحمِ نظام بشار الأسد المتحالف معها فحسب، بل مكّنت مشاركتها إيران أيضاً من تأمين موطئ قدم لها في البلاد. على أي حال، وسّعت طهران وجودها في سورية منذ تدخلها في عام 2013، لمساعدة الأسد في محاربة قوات المعارضة. في هذه الأثناء، أرادت روسيا في المقام الأول الاستفادة من نظام الأسد، لتعزيز نفوذها العام في الشرق الأوسط، ومع ذلك فقد اضطرت إلى استرضاء كلّ من حلفائها الإقليميين -إيران وإسرائيل- في عملية توصف كأنها (ألعاب خفّة وشعوذة) حَذِرة. مع ذلك، تخوض إسرائيل وإيران منذ فترة طويلة "حرب الظلّ"، وقد تُحدِث المزيد من التصعيد للسياسات المُتَّبعة. في الواقع، ألقت إسرائيل إلى جانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة باللّوم على إيران في هجوم على ناقلة النفط ميرسرستريت قُبالة الساحل العُماني في 31 تموز/يوليو، مما يشير إلى أن مثل هذه الاحتكاكات قد تتزايد. كانت الناقلة مملوكة لشركة "زودايك مارتايم"، ومقرّها لندن، والتي يديرها قطب الشحن الإسرائيلي إيال عوفر، وادّعت إسرائيل أن لديها "أدّلة دامغة" على إصابة إيران للسفينة. على الرغم من أن إيران نفت أي تورّط، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب مؤخراً، نفتالي بينيت، اعتبر الهجوم الإيراني المزعوم "خطأ فادحاً"، وحذّر "نحن نعرف كيفية إرسال رسالة إلى إيران بطريقتنا الخاصة". وقال وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، بيني غانتس: إن الجيش الإسرائيلي مستعدّ للعمل ضد إيران لردعها عن شن هجمات في المستقبل. ومع انتخاب إيران مؤخراً لرئيسها المتشدد إبراهيم رئيسي، من المرجح بالفعل أن تستمر التوترات.
لعبة القوّة الروسية بدلاً من مواجهة إسرائيل، قد يكون التركيز الأساسي لروسيا على إبقاء إيران في صفّها، لا سيّما بالنظر إلى حالة عدم اليقين بشأن القيادة المستقبلية للبلاد. إلى جانب تقييم الآثار المترتبة على انتخاب رئيسي في حزيران/يونيو، قد يكون لدى موسكو أيضاً مخاوف بشأن مستقبل المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي. وقد أظهر خامنئي، البالغ من العمر 82 عاماً والمرشد الأعلى منذ عام 1989، استعداداً للتعاون مع روسيا، على الرغم من فشل موسكو إلى حدّ كبير في منع الهجمات الإسرائيلية على القوات الإيرانية وقوات حزب الله في سورية حتى الآن. وقد تشعر روسيا بالقلق من أن أي خليفة محتمل قد يغير سياسة إيران الخارجية، مما يجبر موسكو على التعامل مع الجمهورية الإسلامية. وقال الدكتور مارك كاتس، الأستاذ في جامعة جورج ميسون: "من وجهة نظري، ربما تتصرف موسكو ليس لأنها منزعجة من الإسرائيليين، ولكن لأنها قد تخشى فقدان نفوذها مع إيران ما لم ترَ طهران أنها تتخذ نوعاً من الإجراءات لكبح جماح إسرائيل". لكن إذا كان خامنئي على وشك الموت، أو يعتقد الروس أنه كذلك، فقد يخشَون من أنّ عدم رضا إيران عن روسيا قد يؤثّر في اختيار المرشد الأعلى القادم وسياساته. وأضاف كاتس أن اختيار شخص أكثر تشكّكاً في روسيا من خامنئي قد يعقّد سياسة موسكو في الشرق الأوسط. كما أظهرت روسيا في كثير من الأحيان في الماضي، مثل تعاملها مع حماس خلال القصف الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني في أيار/مايو، فهي حريصة على لعب عملية توازن، من أجل تعزيز نفوذها كوسيط قوة إقليمي. لذلك ستحاول الحفاظ على نهج مماثل في تعاملها مع إيران وإسرائيل. وبالتالي، فحتى لو كانت المزاعم الأخيرة بشأن الإحباط الروسي المتزايد بشأن الضربات الإسرائيلية في سورية صحيحة، فقد تسعى موسكو فقط للتأثير في المراقبين الخارجيين. ففي الماضي، روّجت وسائل الإعلام الروسية لفكرة الخلاف مع إسرائيل -وكلّها كانت موجهة إلى الجماهير الغربية- في محاولة لتقديم صورة لمدى الحزم الروسي في الشرق الأوسط. في النهاية، على الرغم من التكهّنات حول علاقة متغيّرة، قد تكون روسيا مستعدّة لتقديم تنازلات مع إسرائيل. على الرغم من أنّ هذا يعتمد على بقاء الوضع الراهن بين إسرائيل وإيران على حاله. فإذا كان هناك تغيير نهائي في القيادة داخل اإيران، أو إذا تصاعدت التوترات بين إسرائيل وإيران إلى ما بعد المستويات الحالية، فستواجه موسكو معضلة جديدة، وقد تضطر إلى تكييف سياساتها المدروسة بين الخصمَين.
المصدر: انسايد أرابيا / ترجمة: عبد الحميد فحام