نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
تولّى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية في السابع من شباط/ فبراير 1999، ولكنّ جلوسه على العرش تأخّر بعد ذلك حتى التاسع من حزيران/ يونيو 1999. ولتباعد المسافة بين تولّي السلطات الدستورية، والجلوس على العرش أربعة أشهر ويومين، أسباب عديدة، أجلّها وأكثرها وضوحاً، هو أن الملك عبد الله الثاني تولّى سلطاته في يوم حزين على الأردنيين أجمعين من شتى أصولهم ومنابتهم، إنه يوم رحيل والده الملك الراحل الحسين بن طلال طيّب الله ثراه، والمعروف أن فروقات شاسعة بين تولّي السلطات وما يعنيه هذا الاستحقاق من أبعاد دستورية وأمنية وسيادية، وبين الجلوس على العرش وما يتضمّنه من أبعاد احتفالية كرنفالية. وعليه اكْتُفيَ يوم الرحيل أن يؤدّي الملك الجديد القسم متولياً سلطاته الدستورية أمام مجلس الأمة بغرفتيْه التشريعيتيْنِ: النواب والأعيان، وبحضور الأمراء وأبناء المؤسسين أجمعين.
في المسافة بين القَسَم وتولّي السلطات، وبين الجلوس على العرش، تحوّلت الملكة رانيا العبد الله، خلال الأربعة أشهر تلك، من أميرةٍ إلى ملكة، كيف لا وهي زوجة ملك، ومن أصولٍ عربيةٍ إسلاميةٍ ناصعةِ البيان.
ومنذ ذلك اليوم أصبحت الملكة شريكة الملك، وأصبح لدينا ما اتفق على تسميته بمؤسسة العرش، وفي غضون سنوات، أصبح نجلهما الأكبر الحسين بن عبد الله الثاني وليّ عهد هذا العرش.
لم تكتفِ الملكة رانيا بالمنصب الاعتباريّ الفخريّ الجليل، بل عكفت من يومها، تتبنى المبادرات، وتشارك النساء مساعي إثبات الذات، وتزور القرى النائيات.
حضورٌ لافت لم تنسَ خلاله أسرتها الصغيرة داعمةً لها، فاتحةً أمامها آفاقاً لافتة؛ اقتصادية واجتماعية، موائِمَةً بعزيمةٍ حديديةٍ بين الأسرتيْن: الصغيرة والكبيرة.
واليوم، وبينما الأردنيون يحتفلون بعيد الجلوس الملكي على العرش الثالث والعشرين، وبينما هم عاقدين العزم على المُضي قدماً في مسيرة التحديث، وفق رؤى الملك عبدالله الثاني وتطلعاته، فإنها، في الوقت نفسه، هي رؤى مؤسسة العرش، حيث الملكة في قلب هذه المؤسسة، وفي صميم معناها وسيرورتها.
وفي العام 2022، ومع إطلالة مئوية الدولة الأردنية الثانية، وبينما يتقلّب الأردنيون بين الاحتفال بإنجازات الوطن والدولة، وبين الانكفاء نحو هموم العيش وإرهاقات الكفاف، فإن أحداً من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، لا يستطيع أن يتذكّر المناسبة، ويتذكر الجلوس على العرش، دون أن يتذكّر الاثنيْن معاً: الملك والملكة، ودون أن تمرّ في خاطره عبارة من مثل: مؤسسة العرش.
وبغض النظر عن شكل تناول هذه المناسبة، بفرحٍ أو بغصّة، وبغض النظر عن مكلومين عرّى الغلاء سترهم، فانشغلوا عن الكرنفال بِكُسَيْرَةِ خبز العِيال، ففي مختلف الأحوال هي ذكرى ثنائية (كبِل) على رأي العربيزي (العربي الإنجليزي)، وربما هذا ما ٨يفسّر (ولا يبرّر) استهداف كثير من شعارات الحِراك الأردني المُعارِض (خصوصاً الحِراك العشائري) الملكة وحدها بكثير من النيل والتهجّم وعبارات الغضب.
حتى وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا)، لم تكتف بمنجزات الملك، بل استعرضت في سياق خبرها عن عيد الجلوس منجزات الملكة، وبعد أن مرّ الخبر على إنجازات العاهل الأردني على الصعيدين الداخلي والخارجي، والإشارة بإشادة إلى الدور المحوري التوفيقي الذي يحاول الأردن الرسمي التقوقع داخل معطياته واشتراطاته، وبعد تأكيد الوكالة على أهمية الوصاية الهاشمية في القدس، وإيلاء الملك أهمية كبرى للقوات المسلحة الأردنية/ الجيش العربي، ومساعيه الجادة لتحديث المنظومات: الاقتصادية والسياسية والإدارية، بعد كل هذا وذاك، يشرع خبر (وكالة بترا) بالحديث عن منجزات مشتركة للملك والملكة، أو منجزات خاصة بها وحدها: “ولأن دور الملك وجهوده الكبيرة تحظى باهتمام وتقدير عالمي، تسلّم الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا العبدالله، في دولة الإمارات العربية المتحدة، جائزة زايد للأخوة الإنسانية في نسختها لعام 2022، تقديراً لجهود (جلالتيهما) في تعزيز الأخوة الإنسانية واحترام التنوع والتعايش السلمي”.
ثم يواصل الخبر بالقول: “كما تسلّم الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا العبدالله، في العاشر من أيار الماضي في نيويورك، جائزة “الطريق إلى السلام”، التي تُمنح من قبل مؤسسة الطريق إلى السلام التابعة لبعثة الفاتيكان في الأمم المتحدة، تقديراً لدورهما في تعزيز الحوار والوئام بين الأديان، وفرص تحقيق السلام، وجهود الأردن الإنسانية في استضافة اللاجئين”. إلى أن يصل الخبر إلى منجزات الملكة وحدها قائلاً: “إلى جانب الملك عبدالله الثاني، تعمل الملكة رانيا العبدالله ضمن المبادرات والمؤسسات التي أطلقتها في مجالات التعليم والتنمية، على إحداث التغيير المتوافق مع أولويات التنمية الوطنية والاحتياجات التعليمية، من خلال مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية، ومؤسسة نهر الأردن”.
ويقول الخبر: “كما تحرص الملكة رانيا على زيارة القرى والبوادي والتواصل مع المواطنين في مختلف مناطق المملكة، وتقوم بزيارة مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات المجتمعية ودعمها بما يتوافق مع أولويات المناطق. وتبني جسور التعاون بين مؤسسات دولية خارج الأردن ومثيلاتها في داخل الأردن، مما يساعد في تحقيق الكثير من الأهداف التنموية”.
وهكذا لا يترك خبر وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) شاردة، أو واردة، من منجزات الملكة إلا يفصّل فيها ويستوفيها مقاصدها: إطلاقها لِمبادرات مثل منصة “إدراك” التي أطلقت في أيار من العام 2014، كـ”أول منصة مجانية باللغة العربية للمساقات الجماعية الإلكترونية مفتوحة المصادر”.
أو تقديرها للمعلمين، مذكّراً الخبر بإطلاقها في العام 2005، هي والملك، بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم، جائزة سنوية للمعلم تحت اسم “جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي”، انبثقت عنها أيضاً جائزة المدير المتميز، وجائزة المرشد التربويّ المتميز.
كما يعرّج الخبر على إنشائها في العام 2006 صندوق الأمان لمستقبل الأيتام الذي ترأس الملكة رانيا نفسها مجلس أمنائه. وهو، بحسب الخبر، صندوق “يستهدف الأيتام فوق سن 18 عاماً، ومدّ يد العون لهم بعد مغادرتهم دور رعاية الأيتام، لتمكينهم من الاعتماد على أنفسهم والمساهمة بالمجتمع”.
خبر (وكالة بترا) يُختتم بتفصيلةٍ تخص الملكة وحدها: “ولزيادة الوعي الصحي وتمكين المجتمع المحلي بجميع شرائحه من اتباع أنماط حياة وسلوكيات صحية، أسّست الملكة في عام 2005، الجمعية الملكية للتوعية الصحية، كما أنشأت (جلالتها) أول متحف تفاعلي للأطفال في الأردن، بهدف إيجاد بيئة تعليمية تفاعلية تشجّع وتعزّز التعلّم للأطفال حتى عمر 14 عاماً”!