نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
في ساحات مخيم "الزعتري" ومحيطه الرمليّ الممتد، واصل الفتيان محمود وفوزي اللذان وصلا مع أهلهما المخيم وهما بعمر 16 عاماً (محمود) و17 عاماً (فوزي) شغفهما بلعبة كرة القدم.
شغف كان يمكن أن يظل حبيس الإهمال الذي تعاني منه مخيمات العالم جميعها، لولا ابتسامة القدر التي ضحكت لهما عندما جاءت "أكاديمية إسباير القطرية الرياضية" لاختيار مجموعة من المواهب لتشكيل فريق "أحلام سورية" الذي نقلهما نحو خارج المخيم باتجاه العاصمة الأردنية عمّان، ومنها إلى قطر للمشاركة في بطولة كبيرة تذاع مبارياتها على الشاشات التلفزيونية ويراهما أهلهما في "الزعتري".
هذه التفاصيل وغيرها يتناولها الفيلم الوثائقي "كباتن الزعتري" حيث يلقي –وهو من إخراج المصري علي العربي- ضوءاً محبّاً على قصة نجاح محمود وفوزي.
سبعة أعوام متواصلة والعربي يعمل على فيلمه، ويراكم تفاصيله واحدةً فوق أختها. بصبرٍ وأناةٍ واصل العربي مع الشابيْن الماهريْن في اللعبة الأكثر شعبية على مستوى العالم. رحلة طويلة أبحر داخل أمواجها العربي، إلى أن رأى فيلمه الوثائقي الطويل الأول يشارك بمهرجانات سينمائية كبيرة. الفيلم في هذا السياق، لم يقدم على الشاشة حلم المخرج فحسب، بل أحلام آلاف اللاجئين بمخيم "الزعتري" في الأردن، وباقي مخيمات اللجوء السوري، ممن يبحثون عن حياة أفضل.
والآن وبعد أن نال فيلم "كباتن الزعتري" عدداً من الجوائز العالمية، وبعد أن أُدرج ضِمن القائمة الطويلة للأفلام المرشحة للأوسكار، فإن السؤال الجوهريّ هو إلى أي قدر يمكن أن يشكّل النجاح -أي نجاح- حافزاً لباقي أطفال مخيم "الزعتري"، وباقي مخيمات اللجوء؟.
في هذا السياق يقول محمود خلال مؤتمر صحافي أُقيم قبل إحدى المباريات: "أعطوا جميع اللاجئين فرصة.. فرصة للتعليم، فرصة للرعاية الصحية، فرصة للرياضة، كل ما يحتاجه اللاجئ هو فرصة وليس الشفقة".
عادا؛ محمود وفوزي إلى المخيم وقد تجاوَز الأول عمر الـ 23 عاماً، والآخر عمر الـ 22، وفَوْر عودتهما، شرعا بنقل الخبرات القليلة التي اكتسباها خلال رحلتهما، إلى جيل أصغر من أطفال المخيم ربما يكون حظّه أفضل في العيش يوماً خارج أسوار "الزعتري" وإيجاد فرصة احتراف بأندية كبيرة.
جهات عديدة أسهمت أن يرى الفيلم البالغة مدته 75 دقيقة النورَ.
صحيح أن مدته 75 دقيقة، ولكن مدة تصويره سبع سنوات متواصلة. وممّن دعم الفيلم وسنده ومهّد له مُمكِنات التحقق: "منصة الجونة" السينمائية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
يقول المخرج علي العربي عقب عرض الفيلم بمهرجان الجونة: "قبل البدء في التصوير ركّزنا على كسر الحاجز بيننا وبين بطلَي الفيلم، فعكفنا على توطيد علاقتنا بهما لمدة عام تقريباً حتى أصبحنا أصدقاء وزالت عنهما رهبة الكاميرا".
"البداية لم تكن سهلة" يقول العربي، ويضيف أن مخيم الزعتري "مليء بالحكايات المُفعَمة بالأمل والطموح والتي تستحق السرد مثل قصة محمود وفوزي، لذلك فهو يعتبر فيلمه نقطة ضوء على قضية يتمنى أن تجذب المزيد من الاهتمام نحوها، وألا يتحوّل الأمر إلى "موضة" لأفلام اللاجئين تظهر لبعض الوقت ثم تختفي".
عُرِضَ الفيلم أول مرة في دورة العام الماضي من مهرجان "صندانس السينمائي" وتم اختياره ليكون ثاني أفضل فيلم في المهرجان.
المفوضية بدورها تؤكد أن الأفلام المصنوعة من أجل التأثير الاجتماعي هي أداة إيجابية مهمة. وترحب على لسان الناطقين باسمها بمفهوم "سينما من الإنسانية".
في هذا السياق قال بابلو ماتيو، ممثل المفوضية في مصر: "كباتن الزعتري هي قصة قوية تتحدى التصورات النمطية عن اللاجئين، وتلمس قلوب الجمهور، مما يساعد الناس على النظر إلى اللاجئين بطريقة جديدة".
رغم أنهما كانا محبوسيْن في مساحة لا مرافق فيها ولا أفق فسيح، إلا أن محمود وفوزي ظلا مُصِرّين على ممارسة ما يعشقان في أكثر المساحات ضِيقاً والأفق انغلاقاً، إلى أن حلَّقا، أخيراً، بنجاحٍ ينعش مجسّات التفاؤل، ويعيد الدم إلى عروق الحياة. إنها ثنائية التحدّي والأمل في واحدةٍ من تجلّياتها المُشرِقة.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية