نداء بوست-محمد جميل خضر-عمان
في الفيلم الأرجنتيني الروائي الطويل The Wrath of God “غضب الله”، المأخوذ، من إخراج سابستيان شيندل، عن رواية للكاتب غاليرمو مارتينيز، تحمل عنوان “الموت البطيء لـ لوسياناب “، لا تواجه الشابة التي تتكسب رزقها من طباعة أعمال الكتّاب غير المتحمسين للجلوس على الحاسوب وطباعة إبداعاتهم، مفاعيل الموت البطيء فقط، بل الموت الكثير، أيضاً، اللحوح، الضاغط على موجبات وجودها. كل أفراد عائلتها يموتون تباعاً (يُقتلون من زاوية رؤيتها)، والقاتل هو، بحسب اعتقادها الكاتب الشهير الذي علمت لديه زمناً تطبع له رواياته البوليسية المركّبة، إلى أن تجرأ مرّة، وكانا وحدهما في بيته، وحاول تقبيلها، فنفرت الصبية المنحدرة من أسرة متدينة، وغادرت بيته وعملها معه إلى غير عودة، محاولة أن تنسى ما جرى إلى أن شجّعتها والدتها ومحامية من طراز والدتها وعمرها، على رفع قضية ضده، تجني من ورائها مبلغاً كبيراً يتناسب مع مدى شهرته الواسعة في الأرجنتين.
وبالتالي، هي تعتقد أن كلوستر الروائي الجلف الغامض (أدى دوره دييغو بيريتي) ينتقم منها بقتل أسرتها واحداً تلو الآخر، خصوصاً أن زوجته وابنته الصغيرة توفيتا في يوم واحد، عندما وقعت زوجته مصادفة على ورقة الإنذار المرسلة من محامية لوسيانا (هذا اسم الشابة التي أدت دورها الممثلة ماكارينا أتشاغو)، متضمنة نوع التهمة:
التحرش الجنسي، فعاد إليها اكتئابها المرضيّ الذي عانت منه زمناً، وأدى عاصفة الاكتئاب أن لا تتحمّل صراخ ابنتها وهي تقوم بتحميمها فأبقتها تحت ماء الحوض إلى أن فارقت الصغيرة الحياة، صدمة أيقظت بعض صحوها وعقلها، فزادت كآبتها، ودفعها الحزن والندم إلى الانتحار بتناولها علبة كاملة من حبوب الاكتئاب. لوسيانا متيقنة أن وراء الظروف الغامضة لرحيل أهلها على مدار عشر سنوات تقريباً، هو كلوستر الذي يكبرها بعشرين سنة على الأقل.
تحاول إقناع غيرها بهذا الأمر، لكن كل محاولاتها تبوء بالفشل، حتى الصحفي الذي صدق روايتها في البداية، عاد وتراجع، بعد تعرضه لضغوط من رئيس تحريره.
بقيت تتبنى سرديتها وحدها، ووحدها ذهبت له خلال حفل توقيعه رواية جديدة، طالبة منه وعداً ألا يؤذي (فالن) شقيقتها الأصغر منها، ومن بقي لها من كل أسرتها، وبعدما وعدها ألقت نفسها من الطابق الثالث في قاعة توقيع الرواية، لينسكب دمها على أغلفة نسخ روايته الجديدة.
في واحد من أهم حوارات فيلم La Ira de Dios باللغة الإسبانية، المنتج عام 2022، يتطرق كلوستر خلال مواجهة بينه وبين استيفان ري (جوان مينوجن) الصحفي الوحيد الذي تابع شكوك لوسيانا فترة من الزمن، إلى “شريعة حمورابي”، قائلاً له “العين بالعين.. والسن بالسن”، مؤكداً لستيفان (وهو اللاأردي) أن انتقام السماء حقيقة واردة، جارّاً له نحو لعبة الاحتمالات الممكنة، وخاتماً بالقول “إن كان الخيال يحيي، فإن بإمكانه أن يميت”، ويزيد “أمران كاملان فقط ومثاليان: العدالة والانتقام السماويّ”.
خلال دقائقه الـ 97، يتقلّب الشريط بين التشويق البوليسي المباشر، وبين التحليل النفسيّ العميق، ويذهب بنا نحو فكرة خطيرة تتعلق بإمكانية أن يتقمص كاتبٌ ما وقائع قصة كتبها من وحي الخيال، كما لو أنه يريد أن نستنتج أن لا حدود واضحة بين الخيال والواقع.