نداء بوست- محمد جميل خضر
العناد المثابر في أقصى وأقسى تجلياته، يجد له في الفيلم النيوزيلندي الروائي الطويل The Justice of Bunny King “عدالة بوني كنغ” إخراج Gaysorn Thavat جايسورن ثافات، شواهد ضاربة في العمق.
المرأة التي فقدت الحقّ بحضانة أولادها بعد قتلها زوجها المتحرّش بابنتها الصغيرة من زوج قبله، لم تفقد، بعد خروجها من السجن، الأمل باستعادتهما. وضعت المؤسسة التي تتابع شؤونهما، وتنقلهما بشكل محزن من بيت إلى آخر، عليها شروطاً صعبة إنْ كانت مصرّة على عودتهما إلى حضنها، وهي بدورها، وبدون هوادة، تعمل ساعاتٍ طوالاً في مسح زجاج السيارات لتحويش ما يمكن أن يحقق لها ما عزمت عليه.
فيلم عن الأمومة في أكثر لحظاتها نزعاً للروح. عمّا يمكن أن تُقدِم عليه المرأة دفاعاً عن عالمها وأطفالها وحقوقها المدنية. عن بؤس البيروقراطية حين تنزع عنها المؤسسة غلاف الإنسانية الرقيق. عن غياب روح القانون، وبؤس الأيام، وصدق بسطاء الناس شركائها في مسح زجاج السيارات، ممن يتهمهم كثير ممن يحاولون مسح سياراتهم، أنهم يمارسون التسوّل المقنّع، في ظل وجود مسّاحات تتحرك بكبسة زر في كل السيارات. عن الخيارات الصعبة، فها هي باني (إيسي ديفيس) لا تتردد ولا لحظة عندما تكتشف أن زوج شقيقتها يتحرش بابنة شقيقتها، تهاجمه وتردعه وتوسعه ضرباً، رغم أنها فقدت -بردّة فعلها هذه- المأوى المجاني الذي كان يتيح لها تحويش الملاليم القليلة التي تجنيها من مسح السيارات. مؤلم فيلم العدالة الضائعة إلى أبعد الحدود. ينتزع الدمع شِئْتَ أم أبيتَ. فعندما ترتبط العدالة باسم موظفة في مؤسسة تحكمها الأوراق المنتزعة من خشب الغابة، فالغابة قد تتمدد، لحظتها، لتسعنا جميعنا.
مدة الفيلم (101) دقيقة، وهو من إنتاج 2021، منطلقاً في شهر تموز/ يوليو الماضي بداية من بولندا.