نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
من جديد، يرتكب صانع الأفلام (الإسرائيلي) الهولندي هاني أبو أسعد، إساءات ترتقي إلى درجة الجريمة، بحق الشعب الفلسطيني ونضاله الممتدّ من أجل تحرير أرضه وإنسانه، وانتزاع حقوقه، وتكريس سيادته على أرض أجداده، ونَيْله حريته كاملة غير منقوصة.
هذا الشعب الذي من المفروض أن (أبو أسعد) ينتمي إليه، لكن مواصلته تحقيق أجندات أعداء شعبه الفلسطيني، تجعلني أرجّح تفضيله الجنسية الإسرائيلية التي يحملها واحدٌ من جوازات سفره، بوصفه لم يعد مجرّد جواز سفر يُعينه على السفر والتنقل من بلد إلى آخر، بل بات يمثّل هُوِيَّة وجدانية للمقيم في واشنطن، والقرائن على الأرض تؤكد ذلك.
لم يكتفِ بحجم الإساءات التي تضمنتها أفلامه السابقة مخرجاً وكاتبَ نصوصٍ: “الجنة الآن”، “عمر” وغيرها. ولم تكْفِهِ الإساءة التي تورّط بها من خلال إسهامه بإنتاج فيلم “أميرة” الذي طعن قيمة الأسير الفلسطيني وفكرة النُّطْفة المحررة في مقتل، إضافة لإساءته للشعب، كل الشعب الفلسطيني، فالإساءات (الفراطة) مثل تضمين أفلام تتعلق بقضية شعب واقع تحت الاحتلال، مشاهد فاضحة، أو التلميح لمسائل قد تفيد في أفلام أخرى، مثل الخيانة الزوجية والمثلية، وبؤس دوافع النضال، وبؤس العلاقات الإنسانية الاجتماعية بين أبناء شعب يعاني على امتداد قرن مضى من أبشع احتلال وإحلال عرفه تاريخ الكرة الأرضية، باتت تحصيل حاصل في أفلام صاحب فكرة الفيلم وكاتب السيناريو له ومخرجه ومنتجه مروّجاً من خلال كل ذلك، صورة كاذبة، غير حقيقية، مسيئة إلى أبعد الحدود، لأبناء الشعب الفلسطيني في مختلف محافل السينما العالمية.
إن حجم الإساءات التي يقترفها صاحب الجنسية الإسرائيلية في كل فيلم من أفلامه، قد يتردد باقترافها الصهاينة أنفسهم.
لن أخوض في أحداث الفيلم، ولن أروّج، بدوري، لا له (للفيلم) ولا لكل مَن اقترف جريمة المشاركة فيه، ممثلاً، أو مصوراً، أو في أي مرحلة من مراحل إنتاجه، وهو متاح لمن رغب مشاهدته ومقارنة محتواه مع كلامي عنه، وسأكتفي بالقول: إن الفيلم على صعيد الشكل ساقط سينمائياً يكاد يخلو تقريباً من أي مفردة جمالية، دون أن أتطرّق للتمثيل الركيك عند معظم المشاركين فيه، والإخراج اللئيم الذي انشغل بالأجندات ونسي ألف باء الإخراج، وعين الكاميرا الفقيرة البائسة، وخلطة الألوان الخائضة بغياب أي دلالة أو قيمة أو هدف، وضياع الحبكة داخل أحابيل التردد، والترصد، كأفعى تنتظر بث سمومها.
آراء حول الفيلم
الناشطة رحمة عوينة كتبت على صفحتها الفيسبوكية قائلة:
“مَن يملك صناعة السينما هو مَن يستطيع إنتاج ثقافة عامة حول المنتج، وعليه فإن (التعري) الذي ترفضه ثقافة معينة قد تتقبله ثقافة أخرى دون أدنى إثارة أو ضجة.
فيلم “صالون هدى” الذي تضمن مشهداً تتعرى فيه إحدى ضحايا التجنيد لدى العدو الصهيوني بعد تنويمها، لم يكن على المستوى المأمول من وراء تسخير السينما لصالح القضية الفلسطينية.
والمشهد الذي أثار حفيظة المتلقي العربي لم يكن هو الأخطر في هذا الفيلم، فالتعرّي بحد ذاته لم يخدم قضية الفيلم، بل كان لإثارة الجمهور وفضوله المتجه نحو ذمّ المنحرف عن قِيَم المجتمع حتى وهو يحرص على مشاهدة اللقطة الخادشة لحيائه.
المشكلة أن الفيلم لم يُظهِر وحشية العدو الصهيوني أو قسوته أو اضطهاده للمرأة الفلسطينية، بل أظهر بالمجمل مجموعة من العُقَد الاجتماعية التي تبرر اللجوء للخيانة والارتماء في حضن العدو باعتباره المعادل الموضوعي للانتصار على عيوب المجتمع وظلمه للمرأة؛ فبحسب (هدى) التي تقوم بالإيقاع بالفتيات فإنها تحرص على اختيارهن ممن يعانين من مشاكل زوجية، وهي تحاول أن تُزجي لهنّ خدمة: كيف يصبحن قويات وقادرات على مواجهة الأزواج (الظالمين)!.
ليس هذا وحسبُ، بل إن فعل المقاومة الذي تبنّاه المقاوم المحقّق وهو يجيب قناصة الفتيات (هدى) عن سؤالها حول سبب انتسابه للمقاومة، بأنه ما هو إلا فعل تطهيري يقوم من خلاله بالتكفير عن ذنب وشاية قديمة بحق صديقه الذي قتله العدو، بينما كان هو مَن رشق دورية الجيش بالحجارة، وهذا يدفع المتلقي غير العربي على الأقل لطرح فرضية ترى في المقاومة فعلاً تخريبياً عدوانياً يستهدف جنوداً مسالمين في ساعات خدمتهم اليومية، ولا يصور المُحتلّ على أنه سارق للأرض!”.
جهاد زروال الناشط في حركة المقاطعة العالمية، يعلّق قائلاً:
“يفسّر الفيلم رضوخ الفتيات للابتزاز لخوفهنَّ من المجتمع. فهل من المُنصِف أن نقارن خوف الفتيات من المحتلّ بخوفهنّ من مجتمعهنّ؟ أليس في مجرد عرض الفكرة تقزيم لجرائم الاحتلال في التحكُّم في أصغر الأمور الحياتيَّة؟ في التشويه الذي يتعرض له مجتمعنا، وفي الضياع الذي يواجهه شباننا وفتياتنا بسبب الاحتلال وعدم الاستقرار والقَلَق الدائم من المستقبل”.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية