نداء بوست- محمد جميل خضر
يعتمد الفيلم الألماني الروائي الطويل The Girl and the Spider “الصبية والعنكبوت” تأليف وإخراج مشترك لِرومان زُرخير Ramon Zürcher وسيلفان زُرخير Silvan Zürcher، على لغة الوجوه وتعابيرها. إنه فيلم عن الصمت المضمّخ بالكلام، المثقل بالمشاعر والرغبات الدفينة منها، والمجنَّحة الجريئة المباشرة. لا أحد بريء، ولا أحد يبحث عن البراءة بوصفها قيمة اجتماعية، بل ينشغل أبطال الفيلم (مفردة أبطال هنا غير دقيقة على الإطلاق، فلا بطولة لا داخل سردية الفيلم، ولا داخل متن أحداثه)، ينشغل شخوص الفيلم بنقل مشاعرهم مستخدمين ملامح وجوههم ومجسات عيونهم، نحو شتى الاتجاهات والاحتمالات.
متخذاً من حيلة نقل أثاث، ومشروع انتقال من شقة إلى أخرى، يرصد الفيلم المنتَج عام 2021، على امتداد (94 دقيقة عرض)، شكل العلاقات بين سكان بنايةٍ ما، بعد أن أصبح سكّان أي بناية ألمانية، حتماً، متعددي الأعراق ومختلفي بلاد المنشأ.
قطار رغبات لا يتوقف هو الفيلم المرصود لعدد من الجوائز، الحاصل على ست منها بالفعل، منها جائزة أفضل إخراج في مهرجان برلين في دورته الأخيرة، وكذلك جائزة جمعية نقاد السينما الألمانية 2022، قصيدة شعرية عن التغيير والوقت.
جملة واحدة تقول كل شيء: “لا يحدث الكثير ولا يزال هناك شيء ما يحدث دائماً”، مثقلة بالتناقض، لا تحتاج شرحاً، ولكنها تحتاج إسهاباً في تحديد وجهات المشاعر، ومنصة أهدافها، ودقة نبضها.
لا أحد في بلاد الحرية المحلّقة يواصل الارتباط، المطلقون يملؤون كل حيّز مفتوح. الكل يراقب، والكل يتراقب. العزلة مجازية. العمل الجماعي هل يحيّد العزلة أم يعززها؟ والعمل الجماعيّ هنا هو المساعدة بإعادة تركيب الأثاث في الشقة التي جرى الانتقال إليها. ثمة قوة سلبية سرعان ما تطفو فوق السطح. فجأة يحجم هذا، أو تمتنع تلك، عن المساعدة في حفلة العمل الجماعي.
تفاصيل صغيرة ولكنها عنيدة. لا صراخ، ولا إغلاق أبواب، ولا أواني خزفية مكسورة، مجرد تشويه لفظي للعلاقات المتبادلة دون كسر الأشياء حقاً.
من الوارد، جدّاً، أن لا يجد المشاهد نفسه (خصوصاً المشاهد العاديّ) داخل الحمل الثقيل للشريط من جهة بُطْء مشاهده، ومحدوديّة الأحداث فيه. العجوز التي ضُبطت تشتري طعام قطط من المتجر القريب كشفت بفعلتها هذه أنها هي التي خطفت قط الجيران ليوم واحد (تورية جنسية لعلها غير لائقة). بعض المشاهدين كتبوا في التغذية الراجعة حوله، أنهم ظلوا حائرين حول سبب التوصية التي تقول إن الفيلم مناسب للعائلة والأصدقاء والجيران (بعض المشاهد الجريئة وجدت لها مكاناً فيه).
مَن كان يبحث عن تطوُّرات دراماتيكية، فهو حتماً لن يستمتع بـ”الصبية والعنكبوت” وهو العنوان الذي لم يُعبَّر عنه إلا بمرور عنكبوت لِثانية داخل الشريط.
الكل داخل حركية الفيلم يصطدم بالكل، والأثر الأهم الذي يتركه هو التأمُّل.