نداء بوست- محمد جميل خضر
يصعّب الفيلم الألمانيّ الروائيّ الطويل Luzifer “إبليس” (أو الشيطان) تأليف وإخراج بيتر برونر Peter Brunner، على نفسه وعلينا، ممكنات التعاطف مع حدوتته.
يسوقنا من كلاليب فضولنا إلى غابة طلاسمه، وزواريب طقوسه، ووحشية تفاصيله، وانزوائها في الزاوية الضيقة لدلالات الشيطان والرحمن في وجدان أمٍّ وابنها الأقرب لشخص من ذوي الإعاقة، أو هكذا فعلت به سنون الغابة المسكونة بالطواطم والذاكرة الأليمة والغضب الإنسانيّ المريض من التعاليم، ومن مدوّنات الكتب المقدّسة.
يسوقنا إلى عرج الإيمان البرّي، واختلال التعاطي المنفلت من عقاله مع التعاليم، ومتى نتطهر من دنس، ومتى نتوقف عن ممكنات الغرق فيه حتى الثمالة.
رجل بعقل طفل، مطلوب منه أن ينقذ أمّه من أوهامها، واعتلالاتها، وغضبها من زوج تركها رغم أنها مَن قتلته استجابة لإبليسها المقدس. هذا الرجل، وبقدراته العقلية تلك، يصبح، رغم إرادته، إلهاً وشيطاناً في الوقت نفسه.
فيلم عن اكتشاف الإيمان وتحسس أطيافه من خلال السينما، وموسيقى البداءة الأولى. عن الوساطة المظلمة، والحماسة الدينية، والعزلة، وسوء معاملة الطبيعة. الأداء تشرّب مختلف تعقيدات الحالة التي تمثلها الشخصيتان الرئيسيتان داخل أحداث الفيلم. عبّر عن الإثم، وموبقات الجسد، والإرث الثقيل من المحافظة على شجر الغابة، وفي الوقت نفسه، المحافظة على رماد الراحلين، وفق أدائية طقسية تجلّى فيها التفاني لحظة التمثيل. هذا ما أجاده الابن جوهانيس (أدى الدور فرانز روغويسكي Franz Rogowski)، وما تفوّقت به على نفسها الأم ماريا (سوزانا جينسن Susanne Jensen).
الموسيقى لم تبتعد كثيراً عن فكرة الطقوس، وعن أجواء الفيلم على وجه العموم. الإضاءة معتمة معظم الوقت. الألوان متلاطمة داخل سديم الهيولا الغائمة في بحر من الأحجيات والأسئلة والخوف والشك، وكذلك داخل موجبات الإيمان، ولكن ليس الإيمان اليقينيّ، بل المثقل بالشك والوحدة والعزلة والفوضى الجوّانية العارمة.