ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: بول إيدون
إذا كان التقرير الأخير عن إطلاق صاروخ دفاع جوي سوري مُتقدم من طراز S-300 على طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي (IAF) للمرة الأولى دقيقاً بالفعل، فقد يكون هذا أمراً مهماً.
فقد أفادت أخبار القناة 13 الإسرائيلية في 16 أيار/ مايو أن صاروخ S-300 تم إطلاقه على طائرات إسرائيلية بعد أن هاجمت أهدافاً بالقرب من مدينة مصياف شمال غرب سورية ليلة 13 أيار/ مايو.
وقد تمّ إطلاق صاروخ من طراز S-300 أثناء عودة الطائرات إلى القاعدة. وبحسب التقرير، فإن رادار النظام لم يلتقط مرور أي من الطائرات الإسرائيلية، وبالتالي لم يشكل الصاروخ خطراً جسيماً عليها.
من المحتمل أن روسيا كانت تحاول إرسال إشارة إلى إسرائيل بأن النظام سيقوم بإطلاق صواريخ لأول مرة. إذا كان الأمر كذلك، فلن تكون هذه المحاولة الأولى لموسكو للإشارة إلى رغبتها في أن تحدّ إسرائيل من حملتها الجويّة على سورية.
سلّمت روسيا إلى النظام السوري صواريخ إس -300 لأول مرة في عام 2018 بعد وقت قصير من حادثة تورّطت فيها إسرائيل. في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام، أثناء غارة إسرائيلية في محافظة اللاذقية الغربية، أصابت طائرة سورية قديمة من طراز S-200 أطلقت على الطائرات الإسرائيلية طائرة روسية من طراز Il-20 بدلاً من ذلك، مما أسفر عن مقتل جميع أفراد طاقمها البالغ عددهم 15 فرداً.
ألقت موسكو باللوم على إسرائيل في الحادث، متهمةً الطائرات الإسرائيلية بأنها استخدمت الطائرة الروسية عن عمد كغطاء من الدفاعات الجوية التابعة للنظام، مما عرّض أفراد الخدمة الروسية على متنها للخطر.
ورداً على ذلك، سلّمت روسيا بطاريات S-300 إلى النظام لتحديث دفاعاته الجوية القديمة وتجديد نظامها الصاروخي.
ستُمكِّن هذه الصواريخ، من الناحية النظرية، نظام الأسد من ضرب أهداف على ارتفاعات عالية تزيد عن 100 ميل.
ومع ذلك، كان ذلك مجرّد خدعة. فلقد أشرف العسكريون الروس على أنظمة S-300 منذ ذلك الحين، وبكل المقاييس، يطلب النظام السوري إذناً من موسكو قبل أن تتمكن من إطلاقها.
من المُرجّح أن يكون الأفراد الروس قد أطلقوا الصاروخ في 13 أيار/ مايو لإبلاغ إسرائيل بأن هجومهاً ذهب بعيداً جداً أكثر مما هو متفق عليه من وجهة نظر موسكو. بعبارة أخرى، كان إطلاق الصاروخ عبارة عن تسديدة كلاسيكية تحذيرية.
من المحتمل أن ترغب روسيا في أن تحدّ من هجمات إسرائيل على الأقل في أجزاء مُعيّنة من البلاد، لا سيما المناطق التي يسيطر عليها النظام الغربي حيث يتركز الوجود العسكري الروسي والقواعد العسكرية الروسية في سورية بشكل أساسي. تقع مصياف، موقع الضربة التي حصلت في 13 أيار/ مايو، كما أشارت ستراتفور مسبقاً، “بالقرب من محافظة اللاذقية السورية، التي تستضيف القواعد الجوية والبحرية الروسية وعادة ما تكون محظورة على الضربات الإسرائيلية، مما يجعل الغارة الإسرائيلية قريبة من خطوط موسكو الحمراء السابقة”.
ولكن إذا نقلت روسيا القيادة والسيطرة الكاملة على أنظمة S-300 إلى قوات النظام السوري وسمحت لها باستخدامها لمحاولة منع إسرائيل من مهاجمة أهداف مرتبطة بإيران في البلاد، فستكون هذه قصة أخرى تماماً.
طلب نظام الأسد في الأصل أنظمة صواريخ S-300 في عام 2010. ومع ذلك، بعد اندلاع الثورة في سورية في العام التالي، تمّ تعليق عمليات التسليم، في نهاية المطاف حتى تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018.
وفي عام 2013، وسط تكهنات بأن موسكو كانت تمضي في التسليم وبعد وقت قصير من بدء الحملة الجوية الإسرائيلية على سورية، ألمحت إسرائيل إلى أنها ستتخذ إجراءات استباقية وتُدمّر الأنظمة قبل أن تتمكن قوات الأسد من تشغيلها. غالباً ما يوصف نظام S-300 بأنه نظام “يغير قواعد اللعبة” لأنه يمكنه، بالإضافة إلى إغلاق أجزاء كبيرة من المجال الجوي السوري، استهداف الطائرات الإسرائيلية التي تعمل فوق لبنان أو ربما حتى في المجال الجوي الإسرائيلي الشمالي.
لقد لاحظ المحللون العسكريون في ذلك الوقت أن إسرائيل يمكن أن تهزم بلا شك أنظمة S-300 السورية، لكنهم أشاروا أيضاً إلى أن النظام سيكون بالتأكيد الأكثر رُعباً من أي مرحلة واجهتها على الإطلاق.
فقد حصلت إسرائيل، بالطبع، على أسطول من الجيل الخامس من طائرات إف-35 (الشبحLightning II) في السنوات اللاحقة، مما يزيد من احتمالات نجاحها في تدمير الأنظمة السورية إذا اختارت ذلك.
إذا منحت روسيا سيطرة كاملة على أنظمة S-300 لنظام الأسد، فقد يكون ذلك بمثابة مقامرة خطيرة. كان أحد الأسباب المحتملة للسيطرة الروسية على الأنظمة منذ عام 2018 هو التأكد من أن السوريين لن يطلقوا النار على الطائرات الحربية الإسرائيلية والتسبب في انتقام مدمر.
إنّ رؤية تلك البطاريات وهي تُطلق صواريخ بعد أن قامت روسيا بتسليم النظام الصاروخي لنظام الأسد والذي هلّل له الجميع فسيكون ذلك مصدر إحراج لموسكو، خاصة بعد أن واجه جيشها هزائم وخسائر متكررة في أوكرانيا.
علاوة على ذلك، إذا تمكن النظام من إسقاط طائرة إسرائيلية، فستطلق إسرائيل بلا شك انتقاماً ساحقاً من المرجح أن يستهدف جميع أنظمة الصواريخ من طراز S-300، جنباً إلى جنب مع أنظمة بانتسير (Pantsir-S1) وأنظمة (Buk-M2). بعد أن أسقط صاروخ S-200 أطلقته قوات النظام السوري طائرة إسرائيلية من طراز F-16 عند دخولها المجال الجوي الإسرائيلي بعد غارة في شهر شباط/ فبراير 2018، قامت إسرائيل بشنّ سلسلة مُدمّرة من الضربات الانتقامية. ففي الفترة الواقعة بين 2018-20 قامت إسرائيل بتدمير ما لا يقل عن ثلث الدفاعات الجوية السورية.
من بين 844 صاروخ “أرض – جو” سوري تم إطلاقه على الطائرات الحربية الإسرائيلية، أسقط صاروخ S-200 طائرة واحدة فقط.
وحتى في تلك الحادثة النادرة، أرجعت إسرائيل خسارة مقاتلة F-16 إلى “خطأ مهني” من جانب الطيار والملاح.
ستخوض روسيا أيضاً مقامرة ضخمة إذا كانت تحسب أن إسرائيل لن تدمر أنظمة S-300 السورية لتجنب قتل المشغلين الروس، خاصة إذا أدّى إطلاق صاروخ من طراز S-300 “سوري” إلى إسقاط طائرة إسرائيلية وقتل أي طيار. في حين أن إسرائيل لا تريد بلا شك مواجهة عسكرية مع روسيا في سورية، فإن موسكو بالتأكيد لا تستطيع تحمُّل ذلك، خاصة في وقت كانت قدرتها على إعادة إمداد قواتها في سورية مُقيّدة بشدة بعد أن لجأت تركيا إلى اتفاقية “مونترو” في أعقاب غزو أوكرانيا حيث لم تمرّ سوى سفينتين فقط من البحر الأسود عَبْر المضيق التركي لإمداد الجيش الروسي في سورية في نيسان/ إبريل الماضي، وهو ما يُمثّل انخفاضاً كبيراً مقارنة بعدد السفن التي كانت تمرّ عبر 4-5 سفن في المتوسط أسبوعياً قبل الغزو. علاوة على ذلك، أغلقت تركيا أيضاً مجالها الجوي في وجه جميع الطائرات العسكرية والمدنية الروسية التي تجلب القوات الروسية إلى سورية.
لا يمكن القول: إنه لا يمكن أن يكون هناك وقت أسوأ من الوقت الحاضر لروسيا للمجازفة بالاشتباك مع إسرائيل في سورية – ولا يعني ذلك أنه كان هناك أي وقت “جيد” للقيام بذلك. في الوقت نفسه، من خلال إطلاق صاروخ S-300 المزعوم، يمكن لروسيا أن تشير إلى إسرائيل بأنها، مع ذلك، لا ينبغي لها أن تستنتج أن موسكو منشغلة جداً بأوكرانيا بحيث لا يمكنها إلا أن تقف مكتوفة الأيدي إذا وسّعت إسرائيل حملتها الجوية في سورية.