المصدر: نيولاينز
بقلم: مجدي حلبي
ترجمة: عبد الحميد فحام
غالباً ما يسمع سُكان الشرق الأوسط، المشار إليهم من قِبل الغرب بالعالم العربي، عن العديد من المبعوثين والمستشارين من الولايات المتحدة وأوروبا الذين يشاركون في شؤون المنطقة. ولكن مع ذلك، فإن العديد من الأشخاص في الشرق الأوسط يشككون في علاقة هذه التعريفات الواسعة والشاملة، مثل مصطلح “العالم العربي”، بتجاربهم وهُوِيّاتهم الخاصة.
من أجل مصلحة الخبراء وزعماء الدول في الغرب، من المهم ملاحظة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مناطق جغرافية لها تاريخ غني يعود إلى العصور القديمة. فلقد شهدت هذه المناطق صعود وسقوط إمبراطوريات وحضارات مختلفة على مرّ التاريخ، ومن الضروري مراعاة هذا السياق عند الانخراط ومحاولة فهم المنطقة وشعوبها.
إن سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متنوعون وغير متجانسين، ويتكونون من مجموعة من الثقافات الأصيلة والثقافات الفرعية والجنسيات والمجموعات العرقية التي يمكن أن تتعارض أحياناً مع بعضها البعض.
مصطلح العالم العربي، الذي تبنّاه الغرب بعد صعود القومية العربية في عهد جمال عبد الناصر وأنصاره، هو تعريف ناقص في الأساس، ولكن على الرغم من ذلك، فقد تم قبول ذلك التعريف على نطاق واسع في الغرب نظراً لتوافقه مع التحيّزات الموجودة مسبقاً وسهولة تصنيف المناطق والشعوب غير الغربية ومعاملتها ككيان واحد من أجل توفير الموارد والقوى العاملة في التحقيق فيها وفهمها.
وقد ارتكبت المعاهد البحثية ومراكز الفكر الغربية في الولايات المتحدة وأوروبا تاريخياً خطأ تعريف العالم العربي على أنه كيان مترابط ومحاولة معاملة جميع الأفراد داخل المنطقة على أنهم لديهم تطلعات موحّدة، إذ يمكن إرجاع هذا الاتجاه إلى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تم الترويج لفكرة “أمة عربية” واحدة دون تحقيق أو تحقُّق مناسبيْنِ. وكنتيجة لذلك، بنى الغرب فهماً ضيّقاً ومُضلّلاً لهذه المنطقة لا يعكس في واقع الأمر بدقة تنوعها وتعقيدها.
لقد حاول الغرب ولا يزال يحاول معاملة السعوديين كسوريين واللبنانيين كمغاربة واليمنيين كأردنيين، وليس من المستغرب، بل وللمفارقة أن هذا لم ينجح. ويتجلى ذلك في جهود الولايات المتحدة لفرض ديمقراطية على النمط الغربي على العراق، والتي تركت البلاد وشعبها يكافحون للعثور على مكانهم في العالم العربي كما يحدده الغرب.
ولقد تم قبول تصنيف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لأحداث عام 2011 في الدول العربية على أنها ربيع عربي على نطاق واسع من قِبل القادة الغربيين دون فحص نقدي، على الرغم من كونه ناقصاً بشكل أساسي ويفتقر إلى الفروق الدقيقة. وقد اتسمت هذه الأحداث بمجموعة متنوعة من الدوافع والأهداف، منها الرغبة في الديمقراطية في بعض الدول، وجهود الإخوان المسلمين للسيطرة على دول أخرى، والتسابق للحكم في تونس وليبيا، وكذلك رغبة تحرير الغالبية السنية في سورية من حكم الأقلّية العلويّة المتمثلة في صورة عائلة الأسد.
في الحقيقة، لا يوجد شيء اسمه عالم عربي، بل مجموعة دول عربية متميزة، فاللغة العربية ليست موحّدة وتظهر اختلافات كبيرة بين الدول المختلفة، فعلى سبيل المثال، قد يعاني الجزائري لفهم اللهجة القطرية، وتختلف لهجة الإمارات العربية المتحدة عن اللهجات التي يتحدثها العرب الفلسطينيون أو السوريون.
إن اللغة العربية الوحيدة التي يفهمها جميع المتحدثين باللغة العربية هي اللغة المستخدمة في القرآن، والتي تعتبرها العقيدة الإسلامية كلام الله. على الرغم من أن اللغة العربية المنطوقة في القرآن توحّد جميع المتحدثين باللغة العربية وجميع المسلمين غير العرب في العالم، إلا أنها لا تخلق بالضرورة أمة عربية واحدة أو عالماً عربياً موحداً.
من المهم بالنسبة لأولئك الذين يأتون ليعلمونا عن أنفسنا وطرق حكمنا هنا أن يدركوا أنهم يأتون بأحمالهم الثقافية والاجتماعية وأن هذه الأشياء مختلفة تماماً عن تلك الموجودة هنا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في الشرق الأوسط، هناك مجموعة متنوعة من الثقافات والديناميكيات الاجتماعية التي يمكن أن تكون معقدة بل ومتناقضة في بعض الحالات، وهذا يمكن أن يجعل من الصعب على الغربيين فهم صراعات معينة، مثل الحرب المستمرة في اليمن بين الحوثيين الذين هم من العرب والمستعدين بطريقة أو بأخرى للتحالف مع الإيرانيين الفارسيين ضد السعوديين العرب أيضاً.
إذا علم هؤلاء الباحثون الغربيون ومن يُسمّون بالمهنيين أن سبب هذا الصراع هو أن اليمنيين يعتقدون أنهم مصدر العروبة في شِبه الجزيرة العربية، بينما يعارض الجانب السعودي هذا الادعاء ويؤكد أن ثقافته هي أصول العروبة، ثم قد يكتسبون أفكاراً حول سبب عدم انتهاء النزاع في اليمن وتسجيل عدد كبير جداً من الضحايا.
إذا كان أولئك الذين يعتبرون أنفسهم على دراية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد اقتربوا من المنطقة بفهم الاختلافات بين مختلف الثقافات والتقاليد والجماعات العرقية، فقد يكونون قادرين على فهم المنافسات المعقدة والصراعات القائمة بين مختلف البلدان بشكل أفضل والقبائل في المنطقة. على سبيل المثال، فهم الاختلافات الثقافية والتاريخية بين القبائل في سلطنة عمان وجيرانهم في الإمارات العربية المتحدة، أو التنافس بين قطر والبحرين، أو الكراهية طويلة الأمد بين المغرب والجزائر، أو التوتر بين ليبيا ومصر- التي تحمل أقدم ثقافة في المنطقة – يمكن أن يوفر نظرة ثاقبة للأسباب الجذرية لهذه الصراعات.
يتطلب تنوُّع الملابس والعادات بين المجموعات المختلفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحثاً متعمقاً وفهماً دقيقاً، بدلاً من التبسيط المفرط للمنطقة كعالم عربي متجانس بخصائص دينية وشفوية وتقليدية مُوحّدة، ومن المهم التعامل مع دراسة هذه الثقافات بتوازن ودقّة.
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مناطق متنوعة ومُعقّدة لا يمكن تعريفها ببساطة على أنها عالم عربي بناءً على حقيقة أن العديد من السكان يتحدثون العربية، إذ تتكون هذه المناطق من مجموعة متنوعة من الثقافات والتقاليد والأعراق المختلفة، ويمكن أن تتّحد في بعض القضايا، ولكنها منقسمة وحتى معادية لبعضها البعض في البعض الآخر. إن جامعة الدول العربية لا تحدد أو تخلق مفهوم العالم العربي، ومن المهم أن ندرك أن الدول العربية يمكن أن تكون أعداء مع بعضها البعض، مثل العراق وسورية في عهد صدام حسين. كما أنه حتى الدول العربية التي هي جزء من مجلس التعاون الخليجي قد لا يكون لها دائماً موقف مُوحّد من القضايا.
لقد حان الوقت للدول الغربية لتتجاوز الصور النمطية والأحكام المسبقة عند التفاعل مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن تتعامل مع كل مكان في المنطقة بفهم ثقافته وتاريخه الفريد. لا يتمتع الغرب بميزة متفوقة على هذه المنطقة من حيث أساليب الحكم أو الممارسات الثقافية أو الإنجازات التاريخية، كما أنه غير مؤهل لإملاء كيف ينبغي على شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن يعيشوا أو يحكموا أو يديروا ثقافتهم ويديروا طرق عيشهم السياسية.
إن مفتاح التفاعلات الناجحة مع المنطقة هو أن يفهم الغرب تاريخ وثقافات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن يتعامل مع هذه التفاعلات باحترام وبدون تعالٍ، بدلاً من التعامل مع جميع الدول العربية ككيان مُوحّد. من المُرجّح أن يكون هذا النهج أكثر فائدة من النهج الحالي عند محاولة إقامة علاقات مع دول المنطقة.