المصدر: بي بي سي
ترجمة: عبدالحميد فحّام
بقلم: فيكاس باندي (صحفي ومحرر هندي)
تثير زيارات الرؤساء الروس للهند دائمًا إحساسًا بالحنين إلى الماضي لأن العلاقة بين موسكو ودلهي تعود إلى حقبة الحرب الباردة وهي قوية منذ ذلك الحين.
إن هذه الشراكة "في جميع الأحوال" هي واحدة من قصص نجاح الدبلوماسية العالمية، و نتيجة جيدة تم إحرازها من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للارتقاء إلى مستوى اللقاء الذي يجمعهما في دلهي يوم الإثنين.
ولكن إلى جانب الصفقات الدفاعية الكبيرة، والإعلانات عن الصفقات التجارية، والمصافحات، والعناق بين مودي وبوتين، سيتعين على البلدين أيضًا التغلب على تحديات خطيرة.
وهذا يرجع إلى حد كبير إلى الخيارات الجيوسياسية المختلفة التي اتخذها البلدان في الأشهر والسنوات الأخيرة حيث ستؤثر كيفية حل هذه القضايا على السياسات الإقليمية والعالمية.
العلاقات الهندية الأمريكية وعامل الصين
العلاقات الهندية الأمريكية المتنامية هي أحد العوامل المزعجة التي تلوح في الأفق بشكل كبير في مقابل العلاقات بين دلهي وموسكو، وبشكل أكبر في العقد الماضي وخاصة عندما قام مودي بتنظيم حشد كبير لاستقبال دونالد ترامب في عام 2020 عندما زار الهند وكان ذلك عرضًا جيداً لدعم واشنطن.
وقد تجاهلت موسكو إلى حد كبير مثل هذه المضايقات على الرغم من تدهور علاقاتها مع واشنطن بشكل مطرد في السنوات الأخيرة. لكن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اختار التحدث بصراحة عندما انضمت الهند إلى المجموعة الرباعية – وهو تحالف يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. وقد قالت المجموعة إن الرباعية كانت تحالفًا غير عسكري ولم تكن تستهدف دولة معينة، لكن يبدو أن لافروف لم يوافق على هذا الطرح.
وقال: إن الغرب "يحاول إشراك الهند في ألاعيب مناهضة للصين من خلال الترويج لإستراتيجيات منطقة المحيطين الهندي والهادئ". ويقول الدبلوماسي الهندي السابق أنيل تريغونايات، الذي خدم في موسكو: إن الرباعية هي خط أحمر لروسيا وسيكون هذا بالتأكيد جزءًا من المناقشات بين الزعيمين. ويضيف الدبلوماسي الهندي أنه يمكن فَهْم مخاوف موسكو بشأن الرباعية من علاقاتها المتنامية مع بكين في السنوات الأخيرة. ويضيف أن روسيا اضطرت إلى إقامة علاقات أوثق مع الصين لتأمين مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في آسيا حيث يسعى الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة أيضًا إلى الهيمنة على المنطقة كما يبدو أيضًا أن العلاقات المتدهورة بين الصين والولايات المتحدة دفعت بكين وموسكو إلى التقارب.
ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن العلاقات الهندية الصينية كانت متوترة مؤخرًا – فقد خاضت القوات من البلدين اشتباكًا مميتًا في وادي جالوان في لاداك بالهراوات والحجارة، مما أسفر عن مقتل 20 جنديًا هنديًا. وقد أقرّت الصين في وقت لاحق أن بعض جنودها كانوا قد قتلوا أيضًا في الاشتباكات.
ويقول مايكل كوغلمان، نائب مدير مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن، إن الحقائق الجيوسياسية الجديدة تشكل "تهديدًا محتملاً للعلاقة بين الهند وروسيا".
وفي هذا السياق، تعتبر زيارة بوتين مهمة لدعم العلاقة الخاصة بين البلدين. ويضيف كوغلمان: "أعتقد بالنسبة لروسيا، الهدف في هذه الحالة، هو تعزيز أهمية علاقات موسكو مع نيودلهي، حتى كما تشير المعالم الجيوسياسية إلى خلاف ذلك".
لكن المحللين، بمن فيهم السيد كوغلمان والسيد تريغونات، يشعرون أن أسس العلاقة بين البلدين قوية بما يكفي لمعالجة مخاوف بعضهما البعض.
فالبلدان لديهما العديد من المجالات حيث يمكنهما وسيتطلعان للتعاون – وأفغانستان هي واحدة من هذه المجالات.
ستكون أفغانستان بالتأكيد جزءًا من المناقشة حيث تحاول دلهي البقاء على صلة بأفغانستان حيث إن باكستان، جارة الهند وخصمها اللدود، تتمتع بعمق إستراتيجي أفضل الآن في أفغانستان حيث يبدو أنها شكّلت تحالفاً غير رسمي مع روسيا وإيران والصين.
ويمكن لموسكو مساعدة دلهي على استعادة ما فقدته في أفغانستان حيث تبادل الاثنان مخاوف بشأن مستقبل البلاد.
ويقول ديريك غروسمان وهو محلل دفاعي كبير في مؤسسة أبحاث راند ومقرها الولايات المتحدة: "كل من روسيا والهند حذرة من حركة طالبان وشبكة حقاني، وإمكانية خروج الإرهاب من أفغانستان والتأثير على بلدانهما، لذا، فإن أفغانستان حقًا هي مجال لعقد اتفاقيات قوية بين نيودلهي وموسكو".
الهند وروسيا شركاء بالفعل في العديد من المنتديات متعددة الجنسيات مثل بريكس (التي تشمل أيضًا البرازيل والصين وجنوب إفريقيا)، ومنظمة شنغهاي للتعاون (تضم أيضًا الصين وباكستان ودول آسيا الوسطى) وRIC (وهي تضم روسيا والهند والصين).
وتتيح هذه المنتديات فرصة لموسكو ودلهي للعمل معًا بشكل وثيق في كل من القضايا الثنائية والعالمية. ونظرًا لأن الصين عضو في هذه المنتديات، يمكن لموسكو استخدام نفوذها، حتى لو لم يتم ذلك علنًا، لضمان استمرار كل من بكين ودلهي في التواصل مع بعضهما البعض للحفاظ على السلام على حدودهما المتنازع عليها.
التجارة والدفاع
من المرجح أن يكون أبرز ما في الزيارة هو تسليم نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع S-400 إلى الهند فهو أحد أكثر أنظمة الدفاع "أرض-جو" تطوراً في العالم ويبلغ مداه 400 كيلومتر (248 ميلا) ويمكن لهذا النظام الصاروخي إسقاط ما يصل إلى 80 هدفًا في وقت واحد، وتوجيه صاروخين إلى كل صاروخ.
ويمنح هذا النظام الهند ردعًا إستراتيجيًا حاسمًا ضد الصين وباكستان، وهذا هو السبب في أنها مضت قدمًا في الأمر على الرغم من تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات.
وفرضت واشنطن عقوبات على العديد من الشركات الروسية فقد تم تقديم قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (Caatsa) في عام 2017 لاستهداف روسيا وإيران وكوريا الشمالية بعقوبات اقتصادية وسياسية. كما يحظر على أي دولة توقيع صفقات دفاعية مع هذه الدول في حين أن الصفقة قد تخلق توترات بين الولايات المتحدة والهند، يبدو أن موسكو راضية عن موقف دلهي.
وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف توازن الهند العلاقات مع القوتين العظميين في ظل صفقة S-400. ويشعر الدبلوماسيون الهنود أن قرار شراء S-400 يدعم أيضًا ممارسة الهند الشهيرة "للحكم الذاتي الإستراتيجي"، مضيفين أنه يجب على الولايات المتحدة احترام ذلك. ويضيف تريغونايات أن ميزانية الدفاع الضخمة للهند تمنحها أيضًا ميزة إستراتيجية كما يضيف: "معظم العلاقات العالمية هي علاقات تجارية وهذا صحيح بالنسبة لموسكو ودلهي أيضًا".
إن الهند هي ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث تمثل حوالي 10٪ من تجارة الدفاع العالمية، وفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الدفاع سيبيري. ولا تزال موسكو أكبر مورد للأسلحة للهند على الرغم من انخفاض حصتها إلى 49٪ من 70٪ بسبب قرار الهند تنويع وارداتها الدفاعية وتعزيز التصنيع الدفاعي المحلي.
وكانت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للهند بين عامَيْ 2011 و2015 بعد روسيا، لكنها تراجعت عن فرنسا وإسرائيل في الفترة بين 2016 و2021. وقد ترغب واشنطن في القيام بعمل أفضل ويقول المحللون: إن ذلك يمنح الهند نفوذاً.
ستحاول روسيا أيضًا تعزيز صادراتها الدفاعية إلى الهند وقد يتم الإعلان عن بعض الصفقات الرئيسية يوم الاثنين. ومع ذلك، ظلت العلاقات التجارية بين البلدين أقل بكثير مما هو ممكن. فقد بلغت التجارة الثنائية في عام 2019 (مستويات ما قبل الوباء) 11 مليار دولار وكانت منحرفة لصالح روسيا حيث قامت بتصدير سلع وخدمات بقيمة 7.24 مليار دولار، وفقًا لتقرير صادر عن الحكومة الهندية. وبالمقارنة، بلغت تجارة السلع والخدمات الثنائية بين الهند والولايات المتحدة 146 مليار دولار في نفس الفترة.
لقد حددت روسيا والهند الآن هدفًا للوصول إلى 30 مليار دولار في التجارة الثنائية بحلول نهاية عام 2025. وسوف يتطلعان إلى تنويع محفظتهما وتجاوز الطاقة والمعادن. كما أن التعليم والأمن السيبراني والزراعة والسكك الحديدية والأدوية والطاقة النظيفة هي بعض المجالات الأخرى التي من المحتمل أن يركزوا عليها.
كما أن قرار الهند بمنح حد ائتماني بقيمة مليار دولار للشركات للاستثمار في منطقة الشرق الأقصى لروسيا سيساعد أيضًا في تعزيز التجارة بين الدول. ومن المتوقع أيضا إجراء محادثات بشأن الممر البحري المقترح بين تشيناي وفلاديفوستوك فهذا الطريق سيوسع أفق الأعمال.
ومن المرجح أن تتقدم المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا. وإذا تمّت الصفقة، فستساعد الشركات على نقل البضائع بسهولة بين المنطقتين.
ويضيف كوغلمان: "طالما بقيت الصفقات التجارية والدفاعية قائمة، فإن البلدان سيجدان طريقة لتسوية خلافاتهما الجيوسياسية".