نداء بوست- عبد الله ديب
بعد ليلة تفيض بالإشاعات والتحليلات التي ترافقت وقيام قوات عسكرية بتنفيذ عملية في إدلب السورية كما أظهرت مقاطع الفيديو القادمة من "أطمة"، انتهت التخمينات اليوم الخميس مع إعلان الرئيس بايدن تنفيذ القوات الأمريكية عمليةً قتلت بموجبها زعيم تنظيم "داعش" أبو إبراهيم القريشي الذي ظل مختفياً منذ تعيينه "خليفة" للتنظيم بعد مقتل البغدادي، لكن ما زالت عملية الأمس تثير العديد من التساؤلات، وهذه محاولة لطرح الأسئلة وإثارة النقاش حولها.
كيف وصل إلى إدلب؟
كان الاعتقاد سائداً بأن القريشي يختبئ إما في العراق أو المناطق الحدودية مع سورية، ولم يكن أحد ليتوقع أن يختبئ في ذات المحافظة التي قُتل فيها سابقاً البغدادي زعيم التنظيم السابق، والخاضعة لسيطرة "الجولاني" أبرز خصوم "داعش".
كيف وصل القريشي إلى "أطمة"؟ خصوصاً أن الطريق إليها يمر عبر مجموعة واسعة ومختلفة من الأطراف العسكرية الفاعلة على الأراضي السورية، من النظام وميليشياته إلى الميليشيات العراقية والإيرانية ومناطق السيطرة الروسية ومناطق تنظيم "قسد"، إلى مناطق الجيش الوطني، وصولاً إلى مناطق سيطرة الجولاني، حيث قتل القريشي.
السؤال هنا، هل تواطأ أحد هذه الأطراف في إدخال القريشي وإيصاله إلى ريف إدلب؟ ولماذا يذهب إلى ذات المنطقة التي قُتل فيها البغدادي؟ هل تواجد الرجلان في ذات الفترة في إدلب، أي أنهما قدما معاً في رحلة الهروب! ليس التواطؤ بمعنى الشراكة فرضية حتمية، ذلك أن شبكات التهريب وفساد العديد من عناصر القوى العسكرية، يعرفها ويستغلها التنظيم جيداً، وربما لم يعلم المهربون والمرتشون مَن هو الشخص الراغب في الوصول إلى إدلب أساساً!.
وإن كان لا بدّ من ترجيح طرف تواطأ بعلم أو بجهل فهم بالتأكيد أحد اثنين إما الميليشيات المرتبطة بالنظام السوري أو ميليشيا "قسد"، لما يعرف عنهم من فساد شديد على مستوى الأفراد والقيادات، وحوادث سابقة ومتكررة في تلقي الرشاوى لإطلاق سراح عناصر "داعش" أو عوائلهم والسماح لهم بالعبور والتنقل.
السؤال الآخر هو مَن وفر له الحماية؟ تقع المنطقة التي تم فيها استهداف القريشي تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" بل إن المنزل الذي قُتل فيه يبعد نحو 200 متر فقط من حاجز كبير للهيئة! لكن لا يمكن القول إن الهيئة التي خاضت معارك دامية ضد التنظيم سابقاً، وعملت على تصفية خلاياه في إدلب منذ فرض سيطرتها بشكل شبه كامل على إدلب هي مَن كانت تحمي القريشي! لكن بالعودة إلى مقتل البغدادي، يمكن القول إن اختيار المنطقة متعلق بطبيعتها ذاتها التي تجتمع بها عدة عوامل تجعلها أفضل الخيارات المطروحة: كثافة سكانية وخليط واسع من السكان المحليين والمهجّرين والنازحين، والسيطرة الأمنية المائعة على الأطراف إلى حد ما.
يرغب أعداء الثورة السورية في وصم إدلب والـ 4 ملايين إنسان المتواجدين فيها بالإرهاب، بذريعة أن 2 من زعماء داعش قُتِلَا فيها، وهذا طرح خطير يُنظر للإبادة ويمهد الطريق أمام استباحة دماء ملايين البشر، لكن وعند التدقيق في هذه الرأي يتبين أنه طرح ساذج ومضلل، ذلك أن إدلب هي المنطقة الوحيدة، في سورية بل وفي كل الدول التي تعرضت لإرهاب "داعش"، هي التي قاتلت التنظيم ودحرته بسواعد أبنائها، لا جيش نظامي ولا طائرات تحالف ولا قوات دولية ولا أسلحة نوعية، أبناء إدلب هم أول مَن دمر خرافة التنظيم مبكراً، وأول مَن قدم نموذجاً حضارياً في دحر التنظيم ومكافحته، دون قتل الأطفال والنساء والأبرياء وتسوية مناطق وأحياء كاملة بالأرض بذريعة محاربة "داعش".
ختاماً، بدأت التوقعات حول "الخليفة القادمة" لزعامة التنظيم، لكن هذا قد لا يعني شيئاً، الأسماء لم تعد ذات قيمة فعلية في التنظيم بعد تغيير إستراتيجيته منذ انهيار "خلافته" بل وقبلها، أعاد "داعش" ترتيب أوراقه وتنظيم نفسه بطريقة لا مركزية، لقد أصبحت كل مجموعة تدير نفسها وَفْق ظروفها الخاصة، وهي من تخطط وتنفذ أو تنسحب أو تجمد نشاطها وتقدر قدراتها العملياتية، وهذا ما تخبرنا به العملية الأخيرة على سجن "غويران".
المؤكد أن التنظيم لن يختفي، وأننا أيضاً لن نشاهد قريباً سيطرة له على بقعة جغرافية كما في السابق، لكن التنظيم مستمر في حرب استنزاف الخصوم، والعمل على تأمين مناطق معزولة تكون نقاط تجمُّع آمنة لعناصره، والتركيز على شراء المزيد من قيادات وعناصر ميليشيا "قسد" لتسهيل تهريب وهروب عناصره وعوائلهم، وعليه فإن قتل زعيم التنظيم هو مسألة رمزية، وأيضاً تعيين "خليفة" جديد هو خطوة رمزية، وحتى تعيين زعيم جديد، يبقى "داعش" تنظيماً "بلا خليفة وبلا خلافة".