الأرقام التي نشرتها صحيفة “ميديا بارت” الفرنسية نقلاً عن اللجنة المستقلة حول زنا المحارم والعنف الجنسي المُمارَس على الأطفال التي أُنشئت العام الماضي لأجل رصد حالات زنا المحارم في فرنسا، كشفت عن أرقام كبيرة وصادمة. جاء ذلك في ملخص لتقرير اللجنة كُشف عنه مؤخراً والذي سيصدر بشكل كامل في نوفمبر 2023.
وبحسب “ميديا بارت”، فإن التقديرات تشير إلى تعرض نحو 160 ألف طفل لاعتداء زنا محارم سنوياً في فرنسا، بينما تحدث تقرير اللجنة عن وجود نحو 5.5 مليون ضحية بالبلاد، في المجمل. وقال التقرير: إن أغلبية الضحايا من الإناث (9 من أصل عشر) فيما متوسط عمر الضحايا الآن 44 عاماً، وواحدة من أصل 4 ضحايا تعرضت للاعتداء الجنسي وعمرها كان لا يتجاوز وقتها 5 سنوات. وتحدث التقرير عن تفاصيل معاناة الضحايا مع التأثيرات السلبية للاعتداءات الجنسية على صحتهم النفسية والبدنية، حيث يعانون من اضطرابات نفسية متعددة، ومن مشاكل صحية كثيرة بينها مشاكل في التغذية، والإدمان، فيما حاول كثيرون الانتحار.
ونقلت الصحيفة عن قاضي الأطفال إدوارد دوران، أحد رئيسَي اللجنة قوله: إن المجتمع بدأ يتعامل بشكل أفضل مع ظاهرة زنا المحارم، وبدأ يفهم أن الأمر لا يتعلق بـشأن شخصي بل ظاهرة كبيرة تؤثر على الأمن العامّ، داعيا في الوقت نفسه إلى عدم التقليل من شأن هذه المشكلة، وإلى فهمها لمواجهتها بصرامة.
في أكتوبر 2021 قال رئيس اللجنة الوطنية الفرنسية التي حققت في الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الكنيسة جان مارك سوفيه في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: إنه كان هناك بين 2900 و3200 من مرتكبي جرائم جنسية ضد الأطفال من كهنة ورجال دين آخرين في الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا منذ 1950. وقال سوفيه: إن هذا هو الحد الأدنى من التقديرات التي تستند إلى إحصاء وفحص وثائق والشهادات التي تلقتها اللجنة. وبحسب اللجنة، فإن الانتهاكات الجنسية على الأطفال ظاهرة منتشرة في الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، موضحة أن أكثر من 216 ألف طفل تعرضوا لانتهاكات أو اعتداءات جنسية ارتكبها رجال دين كاثوليك في فرنسا بين 1950 و2020، وأشار مارك سوفيه لدى عرضه نتائج التقرير، إلى أن هذا العدد يصل إلى 330 ألفاً إذا ما أضفنا المعتدين العلمانيين العاملين في مؤسسات الكنيسة الكاثوليكية. وأكد سوفيه، الذي تولى رئاسة اللجنة في 2018: هذه الأعداد ليست مُقلِقة فحَسْبُ، بل مروعة وتستدعي تحرُّكاً أكيداً.
وفي مسح أجراه مركز بحوث جان جوريه في باريس عام 2018 لتقييم درجة التحرش والعنف الجنسي في فرنسا، جاء فيه أن نحو 4 ملايين امرأة – أي ما يعادل 12% من الفرنسيات- تعرضن للاغتصاب مرة واحدة على الأقل في حياتهن، وأن 43% تعرضن للاستغلال الجنسي الجسدي، و50% تعرضن لشتائم لفظية جنسية، و58% تعرضن لسلوك جنسي غير لائق، مرة واحدة على الأقل. كما تمت الإشارة إلى أن أغلبية هؤلاء النسوة تعرضن للاغتصاب أو الاعتداء أو التحرش من قِبل أشخاص معروفين لهنّ، وأن عدداً محدوداً منهنّ تقدم ببلاغ شكوى إلى السلطات في هذا الإطار. وبحسب المسح، تعرضت معظم النساء لمثل هذه المواقف عدة مرات في حياتهنّ.
أين سيجد الطفل الفرنسي الأمن والأمان الأخلاقي لينشأ إنساناً سويّاً؟ إذا كانت الكنيسة والتي يُفترض أن تعطي القيم الروحية والأخلاقية تشكِّل مصدراً من مصادر الاضطهاد والاستغلال الجنسي، وإذا كان في بيته غير آمِن من اعتداء قد يقع عليه ممن يُفترض فيهم أن يكونوا له حصناً حصيناً وملاذاً أميناً -فيما والدته والتي يفترض أن تكون في حالة سوية وقوية قادرة على العطاء وحماية طفلها- تتعرض للاضطهاد والاعتداء والابتزاز في مكان العمل أو في الأماكن العامة، لتعود إلى بيتها وطفلها وهي مهشمة نفسياً ومُتزَلزِلة أخلاقياً.
بعد كل هذه الأزمات المدمرة والتي تهدد المجتمع الفرنسي بشكل عميق وخطير، يأتي الرئيس الفرنسي ماكرون ليقول إن الإسلام في أزمة، ليذكرنا باللص الذي يتحدث عن الأمانة والنزاهة.
الإسلام وقِيَمه يرقى بالإنسان وبالمجتمع ويؤسس لعلاقات تستند إلى القِيَم السامية والأخلاق الرفيعة. فرنسا والتي تعاني من جرائم الاعتداء الجنسي والاغتصاب، فيما تحارب حقوق المرأة في الاختيار حين يتعلق الأمر بالحجاب والذي من مراميه التعامل مع المرأة كإنسان بفكره ورؤاه، وليس كأنثى تحرك غرائز الرجال بثياب أقرب للتعري منها للتستر.
فرنسا تحارب أئمة المساجد والذي يدعون للفضيلة والالتزام بالعفة والأخلاق والتي هي في أمسّ الحاجة لها لحمايتها من السقوط الأخلاقي المروع.
فرنسا قد تعتبر رفض الشذوذ الجنسي والحديث عن العفّة أمراً محظوراً على المسلمين حفاظاً على الهُوِيَّة وخوفاً مما يسمونه أَسْلَمة فرنسا.
عالمياً تتراجع فرنسا سياسياً وتطرد قواتها من مالي وغيرها، فيما تنحصر خيارات انتخاباتها الرئاسية بين التطرف والأشد تطرفاً، وهي هنا في منزلق لا يقل عن السقوط الأخلاقي فيما يتعلق بالاعتداءات الجنسية.
فرنسا في محاربتها للمسلمين والهُوِيَّة الإسلامية وحرية المسلمات في اختيار لباسهن بحجة الحفاظ على العلمانية في حين تحمل غالبية شوارعها الكبرى أسماء قديسين وقديسات وتعتمد العطل الدينية المسيحية، تقع في قاع التناقُض والنفاق الصارخ. فرنسا الرسمية والتي تحظر مجرد النقاش الأكاديمي للهولوكست، ثم تفتح الباب على مصراعيه للهجوم والسخرية من رسول صلى الله عليه وسلم بحجة حرية التعبير فيما يستاء ماكرون ويضيق ذرعاً بكاريكاتور يسخر منه، تمارس أسوأ وأسود أنواع النفاق والمعايير المزدوجة وبشكل فاضح ومعيب.
إن فرنسا في أشدّ الحاجة لقِيَم الإسلام وأخلاقياته والتي تحاربها بضراوة وشراسة وعنصرية ولُؤْم. تحتاج فرنسا لقِيَم الإسلام ليرتقي بالمجتمع إنسانياً، عوض أن يكون مجتمعاً مسعوراً جنسياً، لا أمان فيه للضعفاء لا في الكنيسة ولا في البيت ولا في أماكن العمل والأماكن العامة.
إن الهجوم على الإسلام هو جزء رئيسي من السقوط الفرنسي الأخلاقي والقِيَمي والسياسي، والذي تكشفه الدراسات والأرقام والوقائع اليومية.