المصدر: فاينانشيال تايمز
ترجمة: عبدالحميد فحّام
بقلم: ديفيد غاردنر (محرر الشؤون الدولية في "فاينانشيال تايمز")
بعد أن تمت معاملة رئيس النظام السوري بشار الأسد على أنه منبوذ لشنّه حرباً شاملة على شعبه على مدى العَقْد الماضي، عاد ببطء إلى المجتمع الدبلوماسي في المنطقة. وعلى الرغم من استمرار طرد النظام من جامعة الدول العربية، إلا أن القادة العرب يعيدون التعامل مع طاغية يعتبره الجميع حتى الآن منبوذاً باستثناء إيران وروسيا والصين.
وقد أجرى في الشهر الماضي الملك عبد الله ملك الأردن اتصالاً هاتفياً بالأسد، وهو الذي دعا الأسد قبل عقد من الزمن للتنحي.
وزاره في دمشق هذا الشهر الأمير عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة شقيق ولي العهد.
وبينما تقوم إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة بإظهار علامات استنكار والأوروبيون يتجاهلون فكرة "تطبيع" العلاقات مع الأسد، يجب أن نتذكر أن الأردن والإمارات هما حليفان قريبان ليس فقط من الولايات المتحدة ولكن أيضاً من إسرائيل.
ولطالما فضّلت الحكومات الإسرائيلية وجود عائلة الأسد في السلطة عبر حدودها المشتركة حتى اندلاع الحرب في سورية في عام 2011، لأنه لم يتم إطلاق رصاصة واحدة منذ الهدنة بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. ويبقى هذا الحال قائماً حتى في الوقت الذي يشن فيه سلاح الجو الإسرائيلي والمحاربون السيبرانيون حربَ ظلٍّ داخل سورية والعراق، ضد إيران ووكلائها شِبه العسكريين مثل "حزب الله" اللبناني.
فالدافع العربي للتمسك بالأسد هو الردّ على "الهلال الشيعي" الذي حذّر منه الملك عبد الله منذ فترة طويلة مثل عام 2004.
فقد قيل: إن إيران تبني شبكة عَبْر الشرق الأوسط بعد أن كان الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق محركاً فعلياً للتكتل للأغلبية الشيعية والسيطرة الإيرانية في بغداد.
وتستخدم الإمارات قوتها في الجذب كسوق متقدمة ومتوسعة في الخليج مع الموارد للمساعدة في إعادة إعمار سورية وشركات البناء للقيام بذلك.
أما المملكة العربية السعودية، التي دعمت مع قطر بشدة الثورة ضد نظام الأسد، فهما تؤجلان في الوقت الحالي هذه المشاعر. فبعد التخلي عن الدبلوماسية مع العراق، فتح السعوديون خطوطاً أمام القادة العراقيين مثل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ومقتدى الصدر، وهو رجل الدين الشيعي الذي تحوّل إلى صانع الملوك الذي جاء في المرتبة الأولى في الانتخابات العامة الأخيرة في العراق، وسَحَقَ وكلاء إيران. كما تقوم دول الخليج بتضييق الخناق على لبنان رداً على سيطرة حزب الله السافرة أكثرَ من أي وقت مضى.
عندما ينظر زعماء دول الخليج العربية إلى بناء طهران لممر عَبْر بلاد الشام إلى البحر الأبيض المتوسط ونزولاً باتجاه اليمن، فإنهم يرون الإمبريالية الفارسية الجديدة، بنبرة شيعية خطيرة، في حين أن الأعمال الهزلية والقيود التي يقوم بها الأمريكان والأوروبيون لم تفعل شيئاً تقريباً للحد من ذلك. فمنذ أيام غزو العراق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش إلى حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران في عهد دونالد ترامب، برزت طهران على أنها المستفيد الرئيسي في الجغرافيا السياسية الإقليمية. لقد فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها منذ فترة طويلة، وتحديداً في سورية، كما فقدتها في جميع أنحاء المنطقة.
وكان فشل ترامب في الرد على هجوم إيران الصاروخي وطائرات بدون طيار الدقيق للغاية في أيلول/ سبتمبر 2019 على منشآت النفط التابعة لشركة "أرامكو" السعودية بمثابة عامل أساسي.
فبعد الكثير من التفجيرات، قرر ترامب أن السعوديين وليس الأمريكيين هم الذين تعرضوا للهجوم. وفي الوقت نفسه، توجَّهت القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة التي تسيطر على ربع البلاد في سورية للتحالف مع الأسد.
ويضغط الاتحاد الأوروبي من أجل حلّ سياسي في سورية عَبْر دستور جديد شامل. روسيا، التي أنقذت نظام الأسد إلى جانب إيران، تؤيد ذلك أيضاً، مما يؤدي إلى آمال في غير محلها في أن تتمكن موسكو من الضغط على الأسد والوجود الإيراني في سورية.
وهناك تكهنات محمومة بأن الأسد قد ينأى بنفسه عن إيران بعد "طرد" الجنرال جواد الغفاري، قائد الحملة الاستكشافية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في سورية منذ عام 2015 ولكن هذا يبدو غير مرجح.
فقد يكون تحالُفاً بلا حب، لكن سورية في عهد والد الأسد وقفت إلى جانب إيران أثناء حربها مع العراق من 1980 إلى 1988 (وشاركت في تأسيس حزب الله).
كما وقفت إيران بدورها إلى جانب بشار بينما كان نظامه يتأرجح في عامَي 2012 و 2015، مما وفّر دعماً للقوات البرية لجيشه المنهك والمفكك ولذلك فإن هذا التحالف لن يتغير.
لكن زعماء دول الخليج العربية يرون أن ذلك ليس سبباً يجعلهم يتوقفون عن العمل. فبعد كل شيء، كانت سورية في خطر هجوم الولايات المتحدة وحلفائها في 2005 و 2006 – بسبب قيامها بنقل الجهاديين إلى العراق لمحاربة الاحتلال الأنجلو أمريكي ودعم حرب "حزب الله" عام 2006 مع إسرائيل وترسيخه في لبنان. ومع ذلك، بحلول عام 2008، كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يُكرّم الأسد في باريس.
تتحوط الإمارات والسعودية في رهاناتهما من خلال محادثات خفض التصعيد الموازية مع إيران. ومع ذلك فهم يعرفون أن سورية، وهي جزء من الوطن العربي، هي بوصلة التوجه السياسي الجغرافي؛ لذلك فهم يقومون بتحديد اتجاهاتهم الآن.