بدأت مجموعة فاغنر، التابعة لرجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، عملها عام 2015، عبر الدخول العسكري الروسي للساحة السورية، وبعدها كان لها تأثيرها على الصراع الحاصل في ليبيا، بين اللواء المتقاعد حليفة حفتر، والحكومة الليبية المؤقتة. التحولات التي شهدتها شركة فاغنر وسّعت من خلالها دائرة عمليات الشركة، مع بناء شبكة مالية لدى دول مختلفة، بالإضافة لتلقي تدريب عالي الجودة لقواتها، مما أسهم في بناء صورة خارجية أكسبتها ثقة الكرملين. وبمعنى أدق، مجموعة فاغنر بقيادة يغفيني بريغوجين استطاعت بناء جيش من المرتزقة يمكن أن يستفيد منها الكرملين في الأوقات الصعبة. وما يحدث الآن، مع بدء ما أسماها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، زاد دور فاغنر في المعارك التي تخوضها القوات الروسية المشتركة في أوكرانيا. ووفقاً لبيانات صدرت مؤخراً عن مسؤولين بريطانيين ارتفع عدد مقاتلي فاغنر للمرتزقة الروس في أوكرانيا ما بين 10_20 ألف مقاتل، في علامة على اعتماد روسيا المتزايد على الشركة العسكرية الخاصة في دعم سير العملية العسكرية الروسية الخاصة. وعليه، يتم استخدام سجناء روس، بعد تدريبهم في مراكز تدريب خاصة على حمل السلاح وإدارة المعارك. مع أحاديث تتوارد عن مراكز تدريب لفاغنر في مدينة كراسنودار الروسية، بعد أن ظهرت مؤخراً فيديوهات ليفغيني بريغوجين، وهو يتحدث عن مقبر لجنود فاغنر في المدينة. وهو ما يدعو للسؤال عن أهمية فاغنر في المعارك؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد من التذكير أن فاغنر يمكنها إدارة حروب الشوارع، بطريقة لا تستطيع الجيوش النظامية أو التقليدية إدارتها. كما أن فاغنر يمكن إدخالهم في الخطوط الأمامية للمعارك، وهذا يعطي الأهمية لفاغنر في القتال الحاصل ضد القوات الأوكرانية في باخموت أو في سوليدار.
ومن الساحة العسكرية إلى الساحة السياسية. توارد بعض المواقع الإعلامية الروسية، أحاديث عن تولي يفغيني بريغوجين منصب سياسي في المستقبل القريب، ومناصب أخرى لجنوده. وهي معلومات أكدها الحزب الحاكم “حزب روسيا الموحدة”، من خلال الحديث عن إدخال الجنود الذين كانوا في العملية العسكرية الخاصة في الدوائر السياسية، وفي الانتخابات المحلية، والتي سيتم إجرائها هذا العام في مدينة موسكو ومدن أخرى، سيتم خلالها انتخاب عمد المدن.
وما لفت انتباه بعض الخبراء والمحللين السياسيين، فتح مركز تجاري كبير لشركة فاغنر في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية. ووفقاً لما ذكره يفغيني بريغوجين، سيوفر المركز منصة للمخترعين والمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات الذين سيولّدون أفكاراً جديدة ويخلقون مشاريع في قطاع الدفاع، وسيتلقى الواعدون منهم مزيداً من الدعم. وأكدت الدائرة الصحفية لكونكورد، افتتاح المركز لمجمع من المباني بمثابة أماكن إقامة مجانية تستضيف المخترعين والمصممين ومتخصصي تكنولوجيا المعلومات والإنتاج التجريبي، والهدف من إنشاء المركز هو توفير بيئة مريحة لتوليد أفكار جديدة من أجل زيادة القدرة الدفاعية لروسيا. وعليه، أصبح معروفاً الهدف من إطلاق المشروع التجريبي في سانت بطرسبرغ، وبحسب مكتب الخدمة الصحفية ليفغيني بريغوزين، إن هياكل الشركات العسكرية الخاصة ستنظر في الحاجة إلى فتح فروع أخرى، بعد معاينة مدى نجاح المشروع وأهميته.
ويبدو أن شركة فاغنر، قد تتحول إلى شركة موازية لشركة روستيخ الروسية، والتي هدفها صناعة أجهزة جديدة وتطوير الأسلحة لوزارة الدفاع الروسية، مع أحاديث الداخل الروسي عن نية يفغيني بريغوجين دخول الحياة السياسية في روسيا، لاسيما بعد انتقاده لحاكم مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، ألكسندر بيغلوف، والذي فهمه البعض كنوع من التنافس على السلطة في المدينة.
التحولات السياسية التي تشهدها روسيا حالياً، تعطي المجال لنا بالتفكير أكثر عن أسباب حدوث هذه التغيرات والأسباب الأساسية لحدوث هذه التغيرات التي شهدتها روسيا هذه الأعوام، والتي نتجت عدم قدرة الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسين، في إدارة الأمور السياسية في تسعينات القرن الماضي، ووصول مجموعات سياسية من سانت بطرسبرغ المافيوية إلى هرم السلطة في روسيا، وهو ما أدى إلى شرخ كبير في المجتمع الروسي. وعليه، يمكن القول: إن ظهور مجموعة فاغنر جاءت كتحصيل حاصل للخلل الذي أصاب الجيش الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لذا ظهرت فاغنر، بحالة محاكاة لشركة بلاك وتر في الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا لابد من الإشارة، إلى أن الكثير من الأحداث التي تشهدها روسيا والقوانين التي يتم إقرارها، جميعها يتم استيرادها من الولايات المتحدة الأمريكية، مثل قانون العملاء الأجانب وقانون مراقبة الإنترنت.
وفي الختام يمكن القول: إن جيش فاغنر، يقوم حالياً على الولاء الكامل ليفغيني بريغوجين، صاحب الطموح السياسي. في حالة شبيهة لمجموعة “احمات سيلا” التابعة للرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، والتي تجتمع فيما بينها، على مجموعة من الطقوس الدينية والفكر السياسي الذي بناه قاديروف في الشيشان بعد توليه السلطة. أما فاغنر، يقوم صلبها على الدعم المالي الذي يحصل عليه المقاتل، والحرية التي يطمح لها السجناء بعد إتمام مهامهم على جبهات القتال.