انقطعت سلسلة الرسائل الإيجابية "الأمريكية – الإيرانية"، والتي تحدثت عن احتمالية التوصل إلى اتفاق جديد خلال مفاوضات "فينيا"، وذلك عن طريق غارات نفذها سلاح الجو الأمريكي على مستودعات طائرات مسيرة إيرانية بمنطقة "البوكمال" السورية المجاورة لمحافظة القائمة العراقية.
المسؤولون الأمريكيون أكدوا أن الغارات هي "انتقامية" لما تتعرض له القواعد الأمريكية في العراق من هجمات، لكن يبدو أنها تحمل رسالة أساسية للرئيس الإيراني الجديد "إبراهيم رئيسي" الذي يشوش على مسار "فيينا"، في محاولة لدفعه باتجاه الإذعان ووقف التحريض.
في الأشهر الأخيرة في سوريا، وخاصة بعد الضربة الجوية -التي يُعتقد أنها إسرائيلية- والتي تم فيها استهداف عدة مواقع للحرس الثوري الإيراني في الساحل السوري مطلع شهر أيار/ مايو، وما تلاه من توصُّل (مجموعة الدول 5+1) لبوادر اتفاق نووي مع نظام الملالي في طهران حاول المتشدد "رئيسي" إعاقة هذا التفاهم، فجاء صباح اليوم الاثنين استهداف الضربات على مواقع إيرانية في سوريا والعراق.
ويمكن أن نشهد تراجعاً ملحوظاً للنشاط الإيراني في سوريا عموماً، أو ما يمكن أن نسميه بخفوت الصوت الإيراني في سوريا، الذي بالكاد يتم سماعه، هذا التراجع لدور طهران في سوريا لا يمكن اعتباره إلا انكفاء لدور الحرس الثوري الإيراني في سوريا نتيجة الهزائم التي يتلقاها في الاشتباكات الميدانية، وكذلك نتيجة الضربات الجوية المتلاحقة التي تجعله يعيش حالة استنزاف كبيرة بالقوى والوسائط، ويبدو أن ذلك بداية لانهياره برضا وتنسيق مع روسيا الحليف العدوّ.
النظام الإيراني يحاول القيام بمناورات للتخلص من تلك الضغوطات، لذلك طلب من ميليشياته في سوريا عدم القيام بتحركات جديدة تثير الانتباه، هذه الميليشيات التي ما زالت فعلياً موجودة على مختلف الجبهات التي هدأت بعض الشيء.
هذا التكتيك يتيح للميليشيات الإيرانية التخفي في الجبهات المنتشرة بها، ويعطيها إمكانية خوض حرب استنزاف بالمدفعية والصواريخ والضربات الجوية بالطيران المسير، دون إمكانية تحديد الجهة المسؤولة عن هذه الهجمات بسبب انتشار قوات متعددة الولاءات والتبعيات.
لكن بالمقابل فإن الحرس الثوري لم يوقف نشاطه كلياً في سوريا، إذ إنه يعمل حالياً على إنشاء قاعدة جديدة في الميادين بريف دير الزور، إضافة إلى أنه لم يتوقف عن عمليات التجنيد والتشيُّع القسري للسكان المحليين، ولكنها تتم ببطء ويحاول إحاطتها بنوع من السرية، ولا شك أن الحالة الاقتصادية التي تعاني منها إيران أرخت بظلالها على النشاط الإيراني في سوريا وحجمته بعض الشيء.
إعلان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والتقدم السريع لقوات طالبان وسيطرتها على عدد من المديريات، هو إحراج فعلي للنظام الإيراني، وهو ما جعله يركز نشاطه باتجاه الحدود الإيرانية الأفغانية تحسباً من امتداد نشاط "طالبان" إلى إيران، وهذا بالطبع يُرهق طهران، ويساهم في إرباك تحركاتها في سوريا، باعتبار أن الأولويات ستكون للجبهة الأفغانية كحدود مباشرة مع إيران، وهذا ما سببه سُوء تقدير هذا النظام المتطرف، واعتماده على السياسة العدوانية تجاه دول المنطقة والجوار.
على الأرجح فإن خروج الإصلاحي "حسن روحاني" من الحكم، ووصول المتشدد "رئيسي" للسلطة بدلاً منه سيكون مُربِكاً لمسار المفاوضات حول الاتفاق النووي، وقد نشهد بالفعل انتهاء شهر العسل بين إدارة "بايدن" وإيران.