لعل غياب المشروع العربي الرسمي كلياً، هو ما يجعل من إيران ومشروعها الفارسي الطائفي موجوداً ومتغولًا على المنطقة برمتها. ويفسح المجال رحباً لتهديد أمن الدول العربية برمتها، سواء أكان في المملكة العربية السعودية أم في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما جرى منذ أيام، وقد يكون الآتي أكبر وأكثر اتساعاً، فيما لو استمرت السياسات العربية الرسمية فردية الحركة، ولا تنتمي إلى أي مشروع عربي قوي ومتماسك يحميها، ويعرف تماماً كيف يواجه ذاك المشروع الآخر الفارسي الخطر واستطالاته وأدواته في المنطقة من حوثيين، أو حزب الله، أو ميليشيات الحشد الشعبي في العراق والنظم التابعة كنظام الإجرام الأسدي.
وسوف يدرك الجميع عاجلًا أو آجلاً وبعد حين (أنهم أُكلوا جميعاً يوم أُكل الثور الأبيض) في سورية والعراق واليمن ولبنان وقد يكون في غير ذلك مقبل الأيام.
الدور الإيراني خطير وخطير جداً، ويعمل بروية وحنكة ونفعية براغماتية، والسياسات الأمريكية بإداراتها المتعاقبة ليست جدية في عملية لجم التمدد الإيراني في المنطقة والإقليم، بل يبدو أنه بات من ضمن مصالحها ومن جملة غاياتها السماح بازدياد تمدد أخطار الأخطبوط الإيراني لتحقيق المزيد من الارتماء العربي الرسمي في أحضان الأمريكان وربيبتهم في المنطقة إسرائيل.
إن استهداف (أبو ظبي) من قِبل إيران عبر ميليشيات الحوثي التابعة لدولة ولاية الفقيه، له دلالاته ومستقبليته إن لم يتمكن العرب من الإمساك بناصية تكوين المشروع العربي القوي والمطلوب بإلحاح. وقد أصبح ضرورة ماسة، لأن التمدد الإيراني والانفلات الأخطبوطي الفارسي الطائفي يمس أمن المنطقة العربية برمتها، وقريباً سيكتشفون حجم وخطورة المشروع الإيراني على الجميع دون استثناء، الذي تجاوز في خطورته المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وقد يكون هو الأخطر على كل دول الخليج، حتى تلك الدول التي مازالت تقيم علاقات مصلحية مع الدولة الإيرانية بذرائع مختلفة منها التخوف من إرهاب (الذئب الملالي) الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من امتلاك القنبلة النووية.
حيث ما زالت مسألة دعم معركة الحوثيين كأداة من أدوات إيران في المنطقة ورأس حربة يلعب الإيراني بها متى شاء ومتى وجد ضرورة لذلك، وبالوكالة حسب المصلحة الإيرانية، كما ميليشيات حزب الله في سورية ولبنان التي تعبث في الواقع السوري واللبناني وتعيد قيامة النظام السوري الذي كاد أن ينهار عام 2013 إثر الضربات الموجعة التي تلقاها من الثوار في سورية، وخلال عشر سنوات خلت، وكما هو حال ميليشيات الحشد الشعبي في العراق التي تعبث في كينونة الدولة العراقية، وتهدد بوجودها قيام وبناء دولة حقيقية، أو نهضة جديدة للعراق المتهالك والمسيطر عليه من ميليشيات تابعة لإيران وتخدم المصالح الإيرانية وهمها الأساسي هو تخريب قيام عراق قوي، ودولة فيه.
وإذا كان العرب لم يستفيقوا بعد من غفوتهم، ولم يدركوا كُنه المشروع الإيراني الخطر، فإن الكثير من المسائل لا بد أنها ستسهم في استفاقتهم المتأخرة، ليعرفوا كيف يتعاملون مع أخطار إيران في المنطقة ونذكر منها:
– القصف المستمر عبر المسيرات للكثير من المواقع الإستراتيجية في الجغرافيا السعودية، دون الإمكانية لضبط هذا الخطر الحوثي / الإيراني من حيث إنه لولا الوجود الإيراني في اليمن، والسلاح النوعي الذي تملِّكه للحوثيين لَمَا استطاعوا فعل ذلك.
– الاستهداف الأخير لأبو ظبي الذي وسع الدائرة، وحاكى في مساره حركة المفاوضات على الطاولة وبين أوراق المفاوض الإيراني في "فيينا"، حيث يُراد ذلك، أمام تعثُّر المفاوضات وعدم تلبية الطلبات الإيرانية لدى مجموعة دول 5 زائد 1.
– الحملة الإيرانية المركزة في لبنان عبر أداة وذراع إيران الإرهابي/ حزب الله وبوقه حسن نصر الله، والهجوم الإعلامي الكاسح ضد سياسات المملكة العربية السعودية، والسماح لبعض المعارضة السعودية التابعة لإيران، وكذلك المعارضة البحرينية الشبيهة، بعقد اجتماعاتها في بيروت في ظل غياب وتغييب الدولة والسلطة في لبنان، وهيمنة إيران وحزب الله على كل تحركات الحكومة في الساحة الداخلية اللبنانية.
– يضاف إلى ذلك ما تفعله ميليشيات الحشد الشعبي في العراق من تعدٍّ على الدولة، ومنع قيام حكومة مركزية بعد الانتخابات التي أظهرت تراجع النفوذ الإيراني عبر تراجع ممثل إيران في البرلمان، ولجم الحراك الشعبي العراقي وقمع مظاهراته، وتقويض حركة الثورة التشرينية الشعبية العراقية المناهضة لإيران بالأساس.
– فشل سياسة التطبيع العربي مع النظام المجرم في دمشق من أجل إعادة تأهيله بعد أن ظن بعض النظام العربي أنه بإمكانهم من خلال إعادته إلى الحظيرة العربية أن تنتهي عملية ارتباطه بالمشروع الإيراني، وقد ثبت بالممارسة العملية أن ذلك كان وهماً، لأن ارتباط النظام السوري مع إيران مصيريٌّ، وغير قابل للمساومة وقد كان ذلك.
– علاوة على أن السعوديين قد أدركوا أيضاً أن الاعتماد على السياسات الأمريكية المفترض أنها داعمة لهم، غير كافية، ولعل سحب الكثير من الأسلحة النوعية الأمريكية من الأراضي السعودية يشير إلى ذلك، وأيضاً سحب تصنيف ميليشيات الحوثي على أنها إرهابية، وكانت هذه القضية ضربة أمريكية كبرى، حاولت الإدارة الأمريكية من خلالها مغازلة الإيرانيين.
– كما أن الاشتغال الإيراني الحثيث عبر علاقاته مع بعض الأنظمة العربية من أجل عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية قد جاء ضمن هذه السياقات، حيث لعب النظام الجزائري الصديق القديم للإيرانيين دوراً بائساً في عملية التأهيل والعودة، وما يزال بعد أن تمكن من حشد الكثير من النظم العربية وراءه في هذا الاتجاه بينما أضحى مؤتمر القمة العربية على الأبواب في آذار/ مارس المقبل.
– كما أن الطامة الكبرى هي هرولة بعض الأنظمة العربية إلى إسرائيل لتقيم علاقات تطبيعية معها بذريعة أن إسرائيل يمكن أن تحميهم من تغول وخطر إيران، وهذا خطأ تاريخي سوف يعود عليهم وعلى هذه السياسة بالوبال؛ لأن إسرائيل ومشروعها في المنطقة خطر جداً هو الآخر ولا يمكن أن يحمي أي نظام عربي، وهو بالأساس لا يتناقض البتة مع المشروع الإيراني بل يتلاقيا في كثير من الأحيان، وقد عرفنا جميعاً فضيحة إيران غيت في الثمانينيات والثانية منذ عدة أشهر.
ما يجب أن يعيه النظام العربي الرسمي أن الخطر الإيراني بات يهدد الجميع، وعليهم الإسراع في إنجاز البديل والنقيض عَبْر قيام المشروع العربي الرسمي والقوي الذي يمتلك أدواته ويتمكن من مواجهة تمدد إيران ومشروعها، وهم في ذلك حتى لو لم يواجهوا الإيرانيين عسكرياً فعلى الأقل يمكن أن تكون الحرب الباردة، حيث يمكنها أن تمنع التمدد الإيراني وتوقف تنفيذ المزيد من تحركاته ولجمها كلياً فيما لو أدرك الإيراني استفاقة العرب وقوة مشروعهم الذي لا بد منه، ولن يكون من حل أمام ازدياد الخطر الإيراني إلا بوجود مثل هذا المشروع الجماعي، وليس الفردي. وقد يبدأ فعله المباشر من تصديه للنفوذ والاحتلال الإيراني في سورية حيث الخطورة الأوسع.