مع إعلان المفوضية العليا للانتخابات العراقية النتائج شبه النهائية لعملية التصويت التي جرت قبل أيام، وحيث أن ما حمله هذا الإعلان لم يغير كثيراً في عدد المقاعد التي حصلت عليها القوى السياسية المتنافسة، فإن الأصوات التي تعالت من قبل (تيار الفتح) وهو التيار السياسي للحشد الشعبي، أي "جماعة إيران" طيلة الأيام الماضية، مهددة الآخرين بالنبر الصوتي العالي وبالأسلحة النارية، وبالقول الصريح؛ إن أردتم السلطة، فلن تأخذوها إلا بالسلاح! لابد ستظهر أفعالها، بعد أن أفصحت عن نواياها!.
الفكرة واضحة، لا تحتاج لشرح مستفيض، وصار القاصي والداني، والكبير والصغير، يدركونها في واقع المشهد السياسي والميداني في عموم البلدان التي تدخلت فيها إيران؛ لا فكاك لشعوب هذه البلدان من الخراب، والمجازر، والحروب، طالما أن عملاء (الحرس الثوري)، يمتلكون سلاحاً، يستطيعون أن يحيلوا به حياة الناس جهنماً أرضية!.
الخوف من هؤلاء، بات المرء يلمحه في وجوه كل من يظهرون على الشاشات ليشرحوا ما يحدث.
فقبل أيام، وحينما اندلعت اشتباكات بالأسلحة النارية في لبنان بين مؤيدي حزب الله وحركة أمل، من جهة، وبين عناصر ينتمون لحزب القوات اللبنانية، من جهة أخرى، كان جل من تمت استضافتهم على الفضائيات، يدورون، ويداورون، في كلامهم، خشية أن تفلت من ألسنتهم كلمات تؤشر إلى حقيقة ما جرى، لكن الصور التي نقلتها كاميرات المراسلين، كانت تنقذ المتحدثين، من التورط في اتهام الفصيلين الشيعيين، بالسعي إلى تفجير المشهد اللبناني، من خلال جر جموع مؤيديهما إلى مواجهة سلطة الدولة، أو بالأحرى البقية الباقية منها، وممارسة الضغط، عبر التهديد، بحرق بيروت، إن لم تتم الاستجابة لمطلبهما، أي تغيير قاضي التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت!.
ربما لم يتوقع أصحاب الدعوة للتظاهر ما جرى، إذ أن ما فعلوه كان سيناريو مجرب سابقاً، فمن أجل بث الرعب، في نفوس الآخرين، ما على المؤيدين سوى حمل السلاح، والهتاف بأشد عبارات الفجور الطائفي.
ولأن الأطراف المقابلة، لا تملك أدوات تمنحها القدرة على المواجهة، وخاصة التغطية السياسية، ظن حلفاء الأسد والخامنئي (عملاء على وجه الدقة)، أن أحداً لن يرفع وجهه أمام قطعان شبيحتهم الهائجة، لكن رصاصات أُطلقت، وتحت مرأى الجميع، كانت كافية لهروب هؤلاء، ومدخلاً لمحاولة الاستئساد مرة أخرى على الشارع والجيش، وقبلهما الحكومة اللبنانية، غير أن مواجهة نيران عناصر "المقاومة" بنيران مقابلة، ربما، خلق واقعاً جديداً، فالخشية من عودة الحرب الأهلية، لم تعد كافية لجعل اللبنانيين يخضعون! إذ حين يمتلك طرف السلاح، مهدداً به، أمام من لا يمتلكونه، يكون من المتوقع أن يستمر في فرض شروطه، لكن حين يرتفع سلاح آخر في وجهه، فإنه على الأقل سيحسب حساباً إلى وجود من يعارضه.
كما أن رفاه السلم، أو بالأحرى، حصول الناس على مقومات الحياة الطبيعية، بعد الانهيار الاقتصادي، الحاصل في لبنان، لم يعد موجوداً أو حاضراً ليجعل الجمهور صامتاً، أو متردداً أمام الخوض في طريق بات مجبراً عليهاً أمام انسداد آفاق العيش بشكل كامل.
ملامح المعادلتين الجديدتين، في العراق وفي لبنان، قد تفرضان ومن خلال البراغماتية أو التفكير المنطقي على عملاء إيران، مسايرة خسارتهما لبعض بؤر القوة، خاصة وأن ما جرى، في كلا البلدين، كان يحدث تحت العدسات المركزة، للقوى الإقليمية والدولية، المعنية بكبح جماح قطعان الخامنئي، ورغبتهم في السيطرة على الشرق الأوسط كله.
وبالنظر إلى الظرف الإيراني، أو التموضع السياسي المتبدل، في العلاقة مع الإدارة الأمريكية التي باتت تمارس السياسة من خلال التقية الشيعية ذاتها، أي مخالفة الظاهر للباطن، فإن حدوث بعض التغيرات المخالفة، قد تمرره اضطراراً سياسة طهران، مرحلياً، وذلك لخلق أجواء تخفف عنها الضغط العام، وربما يكون الحديث عن سحبها لآلاف من عناصر ميليشياتها من سوريا جزء من هذا المسار.
ولكن، من يستطيع أن يلجم قطعان الضباع، بعد أدمنت رائحة الدم؟
هذا ما يسأله المرء، حينما يرى أزلام إيران، يمارسون خطابهم أمام مواطنيهم بأشد أنوع الفجور، أي ذلك المستند إلى رسوخ السيطرة، وامتلاك القوة، وقهر المختلفين، فيصبح محتوى الخطاب مليئاً بالتهديد والوعيد، لا يرى من يعارضه سوى قتلى محتملين، أو أحياء راضخين!.
هؤلاء لا يملكون عقلاً سياسياً، أو على الأقل فقدوا ما تبقى منه، لقد تم حقن سيالاتهم العصبية بفيروس القتل، وشهوة السلطة، وتملك الحاضر والمستقبل، بهدف الانتقام من الماضي الآثم وتهديداتهم بحرق الآخرين، قاموا بتنفيذها حرفياً في سوريا واليمن، فهل ثمة أمل لهذه الشعوب بالنجاة؟