نداء بوست- تقارير وتحقيقات- آلاء عوض
يعيش “أبو سعيد” 50 عاماً منذ 14 شهراً في أحد “كامبات” هولندا على هوامش الانتظار، فبعد قدومه إلى هولندا قبل أكثر من عام، اعتقد أنه وصل إلى راحته ومبتغاه، لكن طول مدة مكوثه في الكامب قبل حصوله على تصريح الإقامة ولمّ شمل عائلته جعلاه يدخل في دوامة جديدة من الترقب والخوف والتساؤل إن كان قد أخذ قراراً صائباً في مجيئه إلى أوروبا فعلاً أم لا.
يتحدث بنبره تملؤها الخيبة والاستسلام “لماذا علينا أن نعيش كل هذه النكسات؟ هل كُتب على السوريين البقاء معلقين في الهواء، نحن لا نريد أن نبحث عن الرفاهية الأوروبية ولا حتى عن الحريات وحقوق الإنسان التي أترعوا رؤوسنا بها، نحن فقط نبحث عن النجاة”.
ويضيف لـ “نداء بوست”: بعد نجاتي من الموت غرقاً في رحلة خطيرة من تركيا إلى اليونان، ووصولي إلى هولندا، كنت سعيداً جداً، شعرت في الأيام الأولى أنني أستطيع بدء حياة جديدة هنا.. سأتمكن من إنقاذ أبنائي من إرهاصات البقاء في تركيا أو الموت جوعاً في سورية سيكملون تعليمهم ويأخذون فرصهم الحقيقية، هكذا أشعر أنني قد فعلت لهم شيئاً وأستطيع أن أغمض عيني وأنا مطمئن.
ينتظر أبو سعيد اللقاء الثاني مع “إدارة الهجرة” للحصول على تصريح الإقامة، ومن ثم لمّ شمل أبنائه الثلاثة وزوجته، لكن كثرة توافد اللاجئين وخاصة في صيف العام الحالي، زادت من فترة انتظار طالبي اللجوء تقول إدارة الهجرة، وتردف إن مدة الانتظار الجديدة لإنهاء معاملة الإقامة ولم الشمل قد أصبحت سنتين ونصفاً بعد أن كانت سنة ونصفاً وهو ما يعده أبو سعيد عمراً آخر من القلق واليأس ربما لم يعد بمقدوره تحمّله.
قرارات الهجرة الهولندية التي تهدف للحد من تدفُّق اللاجئين صدرت في آب 2022 ونصت أن فترة الانتظار القانونية للحصول على الإقامة أصبحت 15 شهراً بعد أن كانت 6 أشهر، وفترة الانتظار القانونية للم الشمل أيضاً ارتفعت من 6 إلى 15 شهراً في حال عدم توفر مسكن/ بيت مناسب لكل أفراد العائلة.
وتعاني هولندا من أزمة سكن كبيرة قد تضع معظم ملفات السوريين الجدد على قوائم انتظار لمدة قد تصل 3 سنوات، وهو ما عده أبو سعيد مأزقاً آخر لم يكن بالحسبان، وعلى الرغم من أنه وصل إلى هولندا قبل دخول هذه القرارات حيّز التنفيذ إلا أن السلطات الهولندية أكدت أنها – القرارات- ذات تأثير رجعي وتطال كل اللاجئين المتواجدين على أراضيها.
يراوح عدد اللاجئين السوريين في هولندا الـ 100 ألف، حيث وصل خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي فقط نحو 15 ألفاً، وفقَ بيانات رسمية.
الحظ أولاً!
في كامب “لوتل خيست” وسط هولندا يتحدث معظم اللاجئين عن الحظّ وبأن “هولندا بلد الحظوظ”، حيث لا تراتبية في دراسة الملفات، فالعديد من اللاجئين حصلوا على الإقامة ولم الشمل قبل انتهاء المدة القانونية ومنهم من أتى مع أبو سعيد في المركب ذاته وآخرون وصلوا بعده يقول أبو سعيد “الحظ يهرب مني”.
ويعتقد “محمد” وهو شاب في العشرين من عمره ويقطن في الكامب ذاته الذي يتواجد فيه “أبو سعيد” ووصل في نفس الفترة تقريباً، إن عدم الوضوح بشأن دراسة الملفات وعدم مراعاة الأقدمية تثير حنق اللاجئين وتستفزهم فهو أتى منذ أكثر من عام ولم يحصل بعد على الإقامة، في حين وصل أصدقاؤه بعده وحصلوا عليها. تعلّل إدارة الهجرة أن لكل ملف خصوصيته.
يعيش محمد حالة من الغضب تدفعه أحياناً لافتعال المشاكل مع موظفي الكامب لمعرفة مستقبل معاملته لكن دون جدوى يقول لـ “نداء بوست”: أشعر أنني أخطأت باختياري هولندا، كان ينبغي أن أكمل طريقي إلى بريطانيا”. ويضيف “بدأت أشعر أنني مريض نفسياً هنا، لا عمل لا حياة اجتماعية، نأكل وننام فقط، هذه ليست حياة”.
طاقات مُهدَرة بانتظار الموافقة
اعتاد “محمد” على العمل والإنتاج، فهو ومنذ خروجه من سورية -مدينة حلب- عام 2015 ولجوئه إلى تركيا مع أهله بدأ رحلة العمل ولم يكمل تعليمه، ومع ذلك تمكن من إتقان اللغة التركية دون أي مدرسة عن طريق الاحتكاك مع الأتراك والعمل معهم.
حالياً لا يستطيع محمد أن يعمل، إذ لا تسمح السلطات للاجئين بالعمل إلا بعد حصولهم على تصريح الإقامة، ومن ثم الرقم الوطني، لذا يعيشون فترة الانتظار بحالة من العطالة الإجبارية، وتقتصر الأنشطة المتاحة على بعض الأعمال التطوعية مع إدارة الكامب ودورات بدائية في تعلم اللغة، يقول محمد: “لماذا لا يستفيدون من طاقاتنا، نحن نريد أن نعمل لماذا لا يمنحوننا تسهيلات للعمل؟”.
أما “فارس” 45 عاماً وهو من مسيحيي حمص، وصل إلى هولندا منذ أشهر، وكان يعمل بصيانة الأدوات الكهربائية، فهو أيضاً يعاني من عدم قدرته على العمل، ويضيف: “نحن معتادون على العمل، البقاء لسنوات هكذا ربما سيخلف أمراضاً جسدية واضطرابات لدينا، ناهيك عن أن عائلاتنا في سورية بحاجة لدعم مادي كي تصمد طيلة مدة الانتظار”.