ثلاثة قرون من الشغف الغربي بالمدينة السورية القديمة وحتى تدميرها من قبل داعش، تتبعتها آني سارتر فوريا، في كتابها "مغامرون، رحالة، وعلماء".
في نهاية عام 2011، حين كانت الحرب السورية تتخذ من مدينة تدمر هدفاً للتدمير والنهب، غير القابلين للإصلاح، ظهرت المدينة الأثرية في عيون العالم، بمظهر الموقع الشهيد، قد كرست مئات البعثات الدولية، منذ سنوات، عملها من أجل التنقيب فيها، والدفاع عن هذا الإرث المعروف كأثر استثنائي.
ورغم ذلك، تذكر المؤرخة آني سارتر فوريا في كتابها "مغامرون، رحالة، وعلماء" بأن هذا الاهتمام الغربي بأوابد المدينة القديمة، حديث العهد نسبياً، حيث إنه لم يبدأ إلا في نهاية القرن السابع عشر، فالمغامرة في المكان كانت مقتصرة على تجار نادري التواجد، قاصدين بلاد فارس، فقد كان المكان محفوفاً بالمخاطر وبالعقبات (قُطّاع طرق، ونَشّالون).
أما الزمن القديم، زمن الحج، والأكثر منه حداثة، زمن البحث عن المخطوطات، الذي كان يقوم به باحثون في العلوم الإنسانية، ميسورو الحال، فقد ولى!
حيث لم يبقَ إلا بعض المصالح الدبلوماسية، أو الاهتمام بشؤون علم النبات، وهما السببان الرئيسيان للزيارات النادرة إلى المنطقة.
ولكن ما لبثت أن أشعلت مخطوطات البدو المدونة على أنقاض أثرية منتشرة كيفما كان، والمبعثرة هنا وهناك، فضول الإنجليز، الذين ذهبوا حينها لاستكشاف المدن المنسية شمال سورية، حيث ستشكل شهاداتهم التي أتوا بها، بالرغم من ضحالتها، وعدم موثوقيتها، مدرسة، وحينها ستظهر تدمر!
من القس هاليفاكس (1691) إلى الرسام لويس فرانسوا كاساس، والذي ستغذي لوحاته مخيلة الغربيين، كانت هذه الاستكشافات وعرة، وبعضها لم يستطع تكذيب السمعة الملتصقة بالمكان، وهي سيطرة قُطّاع الطرق. عِلاوة على ذلك، وبما أن الفن التدمري كان يقوم أساساً على الأرثوذوكسية الإغريقية الرومانية، فقد سبَّب هذا إحباطاً كبيراً للرحالة، كما هي الحال بالنسبة للرحالتين البريطانيين إيربي ومانغلز في القرن التاسع عشر، حيث كان رأيهما أن تدمر لا تستحق عناء الزيارة، أو تضييع الوقت فيها وبذل الجهد، والتعب، والقلق، الناجمين عن رحلة في الصحراء.
كل ذلك تغير في منتصف القرن التاسع عشر عندما هلَّ وقت العلماء والبعثات الاستكشافية العلمية، من ريتشارد بيرتون (1869-1872) إلى غيرترود بل (1900-1909) واللذانِ قادا باقتدار وانضباط ذلك الزمن الجذّاب للاستكشاف والتنقيب الأثري في أرضٍ مهملة ومنسية.
آني سارتر فوريا كاتبة السيرة الشخصية للملكة زنوبيا، التي حكمت تدمر في القرن الثالث الميلادي، صاحبة كتاب (من تدمر إلى روما، مع موريس سارتر، بيران) في كتابها الجديد هذا، تضع حصيلة قراءة وتحليل مليئة بالشغف للقرن الماضي، منذ بداية الانتداب الفرنسي على سورية عام 1920 وحتى عام 2011.
حيث نستنتج أنه وعلى مدى الأزمان المتعاقبة، والظروف السياسية والدبلوماسية، في المنطقة، لم يتم حث المؤسسات الموجودة في تدمر على حماية الأوابد مما أدى إلى الكارثة التي نشهدها حالياً، والتي ساهمت في تبديد ثلاثة قرون من الفضول والاستكشاف.
عن اللوموند
فيليب جان كاتينشي