بدأت الثورة السورية قبل عقد من الزمن، باحتجاجات شعبية نادت بالكرامة، على أمل التحرر من القيود التي لازمت الشعب السوري لأكثر من 40 عاماً من حكم آل الأسد.
أخذت الثورة السورية منحىً آخر بعد أشهر على انطلاقتها، بفعل المجازر على ارتكبت بحق السوريين، من قبل النظام السوري والميليشيات الداعمة له، فبدأت الانشقاقات تعصف بجيش النظام، حيث اتخذ آلاف الضباط والجنود موقفاً داعماً للثورة، ووقفوا إلى جانب الشعب، من خلال تشكيل الجيش السوري الحر، الذي كان يهدف بالدرجة الأولى إلى حماية المتظاهرين من آلة القمع الوحشية.
بعد عشرات سنوات من الثورة السورية، فشلت كل المسارات السياسية لإيجاد حل في البلاد، رغم العديد من المؤتمرات والمسارات السياسية التي أعلنت عنها الدول بهذا الصدد، وباتت سورياً اليوم مسرحاً لعدة جيوش دولية، نصفها دخل بطلب من النظام، لإحكام سيطرته على البلاد، وإخماد الثورة المنادية بإسقاطه.
أبرز المسارات السياسية بشأن سوريا
1 – مؤتمر جنيف
دعا المبعوث الأممي السابق إلى سوريا "كوفي أنان" إلى عقد مؤتمر حول سوريا لإيجاد مخرج للقضية، وتم ذلك بحضور الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية، وممثلين عن روسيا وتركيا والصين وفرنسا وقطر والعراق والكويت والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأيرلندا الشمالية، في مقر الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية في 30 حزيران /يونيو عام 2012.
وحدد البيان الختامي للمؤتمر عدة خطوات وتدابير يتوجب على الأطراف اتخاذها للحل في سوريا، ومنها الالتزام "بوقف دائم للعنف المسّلح بكافة أشكاله"، والتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سوريا، وتعزيز "وقف العنف المسلح بإجراءات فورية وذات مصداقية وبادية للعيان تتخذها حكومة الجمهورية العربية السورية".
وطالب البيان النظام السوري حينها بتكثيف وتيرة الإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفاً، وتوسيع نطاقه، ليشمل على وجه الخصوص الفئات الضعيفة، والأشخاص الذين شاركوا في أنشطة سياسية سلمية، ووضع قائمة بجميع الأماكن التي يُحتجز فيها هؤلاء الأشخاص وتقديمها دون تأخير عن طريق القنوات المناسبة.
2- مسار أستانا
اتفقت كل من تركيا وروسيا وإيران على البدء بمشاورات حول الملف السوري، تحت اسم "أستانا"، وبدأت أولى جلساتها في شهر كانون الثاني / يناير عام 2017، ووصل عدد جولاتها إلى 15 آخرها في منتصف شهر شباط / فبراير 2021.
وحددت الدول الثلاث في اجتماعاتها 4 مناطق لخفض التصعيد في سوريا، وهي محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة لها، ومناطق معينة من شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، ومناطق معينة من محافظتي درعا والقنيطرة، لكن لم يبق منها إلا جزء من منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب)، حيث سيطر النظام السوري بدعم روسي على المناطق الثلاث البقية، دون الأخذ بعين الاعتبار أنها مناطق مشمولة باتفاق أستانا.
وتضمنت مخرجات المسار الإفراج عن المعتقلين، وتشكيل آلية لتبادل الأسرى بين النظام والمعارضة، والتأكيد على الحل السياسي في سوريا، وبدء مفاوضات غير مباشرة بين النظام السوري والمعارضة، فضلاً عن التأكيد على أنه لا يوجد حل عسكري للملف السوري.
3- مؤتمر سوتشي
دعت روسيا إلى مؤتمر حول سوريا، في 30 يناير/كانون الثاني 2018 في منتجع سوتشي، وحمل المؤتمر اسم "سوتشي"، لكنه قوبل بمقاطعة عدة دول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، كما قاطعته المعارضة السورية.
وتضمن البيان الختامي للمؤتمر، إنشاء لجنة لإصلاح الدستور، بما يسهم في التسوية السياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، كما دعا البيان إلى إجراء انتخابات ديمقراطية في سوريا، وهو ما لم يتحقق.
سوريا مسرح لعدة جيوش دولية
بعد مضي عدة أشهر على اندلاع الثورة السورية، استعان النظام السوري بإيران وميليشيا حزب الله اللبناني، والعديد من الميليشيات متعددة الجنسيات، وخاصة العراقية والإيرانية والأفغانية، لقمع الثورة وإخماد صوت السوريين.
ووفقاً لدراسة صادرة عن مركز "جسور" للدراسات في 6 كانون الثاني / يناير 2021، فإن إيران تملك في سوريا 131 موقعاً عسكرياً، بين قاعدة ونقطة تواجد، 38 منها في درعا، و27 في دمشق وريفها، و15 في حلب، و13 في دير الزور، و12 في حمص، و6 في حماة، و6 في اللاذقية، و5 في السويداء، و5 في القنيطرة، و4 في إدلب.
وينتشر "حزب الله" اللبناني في سوريا عبر 116 موقعاً عسكرياً، 38 منها في حلب، و13 في إدلب، و11 في حمص، و12 في دمشق وريفها، و21 في درعا، و7 في دير الزور، و7 في القنيطرة، و3 في السويداء، و4 في حماة.
وأما روسيا، فقد تدخلت في سوريا بشكل رسمي دعماً للنظام في 30 من أيلول/سبتمبر عام 2015، وفي السنوات الخمس الأولى لتدخلها، قتلت روسيا 6589 مدنياً، بينهم 2005 أطفال و969 سيدة.
وتمتلك روسيا 83 موقعاً عسكرياً بين قاعدة ونقطة تواجد في سوريا، منها 23 في حماة، و11 في الحسكة، و10 في حلب، و7 في دير الزور، و6 في الرقة، و5 في السويداء، و5 في إدلب، و5 في حمص، و4 في دمشق، و3 في اللاذقية، و2 في القنيطرة، و1 في طرطوس.
وتدخلت الولايات المتحدة في سوريا عام 2014، حيث نشرت آنذاك 2000 جندي معظمهم من القوات الخاصة، بهدف محاربة تنظيم الدولة.
وسرعان ما توسع انتشار الجيش الأمريكي في سوريا، وبات يتركز حالياً في شمال شرقي البلاد، وتحديداً في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وتتركز أهداف واشنطن على إبقاء السيطرة على حقول النفط، ومنع ظهور تنظيم الدولة مجدداً.
وللتحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية 33 موقعاً عسكرياً بين قاعدة ونقطة تواجد في سوريا، 19 منها في الحسكة، و10 في دير الزور، و2 في الرقة، و2 في ريف دمشق، وبحسب مركز "جسور" فإن انتشار التحالف الدولي في شرق سوريا يشكل عائقاً أمام انتشار روسيا وإيران.
من جانبها تدخلت تركيا عسكرياً في سوريا بشكل رسمي عام 2016، وذلك بعد توسع سيطرة تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية على حدودها الجنوبية.
وشنت تركيا 4 عمليات عسكرية منذ تدخلها، الأولى في عام 2016 ضد تنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي والشرقي، وحملت اسم "درع الفرات"، والثانية في عام 2018 ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مدينة عفرين، وحملت اسم "غصن الزيتون"، والثالثة في عام 2019 ضد "قسد"، في ريفي الرقة والحسكة الشماليين شرق الفرات، وحملت اسم "نبع السلام"، والرابعة في عام 2020، ضد قوات النظام السوري في إدلب، وحملت اسم "درع الربيع".
وتمتلك تركيا 113 موقعاً عسكرياً في سوريا، 55 منها في حلب، و43 في إدلب، و9 في الرقة، و4 في الحسكة و2 في اللاذقية، وقد شكّل انتشار الجيش التركي شمالي البلاد عائقاً أمام انتشار روسيا وإيران.
انتهاكات حقوق الإنسان
قُتل 227413 مدنياً بينهم 14506 أطفال، و16104 سيدات في سوريا، منذ اندلاع الثورة، أكثر من 88 بالمئة منهم قضوا على يد النظام السوري، في حين لا يزال 149361 شخصاً قيد الاعتقال، فضلاً عن تشريد وتهجير 13 مليون شخص وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ويوم أمس نشر فريق منسقو الاستجابة في سوريا إحصائية عن الأوضاع الإنسانية في سوريا، ذكر فيها أن عدد النازحين السوريين داخلياً بلغ 6.9 مليون نازح، وأما عدد اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء فقد تجاوز 6.5 مليون لاجئ.
وبلغ عدد الأطفال المتسربين من التعليم 2.5 مليون طفل، في حين بلغ عدد النازحين السوريين القاطنين في المخيمات ومراكز الإيواء 1.9 مليون شخص.
وأكد الفريق أن خسائر الاقتصاد السوري بلغت أكثر من 500 مليار دولار أمريكي، مضيفاً أن أسعار المواد الأساسية تضاعفت أكثر من 120 مرة، فضلاً عن تضاعف سعر العملة المحلية أكثر من 91 مرة منذ بداية الثورة.
وقال الفريق إن 41 بالمئة من المدارس مدمرة، و75 بالمئة من المشافي والمستوصفات مدمرة أو خارجة عن الخدمة، في حين أصبح 84.3 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر.
الثورة السورية إلى أين بعد 10 سنوات؟
يرى "محمد سرميني" مدير مركز جسور للدراسات أن الثورة السورية مازالت في منتصف الطريق، وقال لـ "نداء بوست" إن الإشكالية ليست بالثمن الذي دفع من أجل الحرية وهو باهظ وكبير؛ بل الإشكال في تقدير الثمن الكامل الذي يمكن أن يُدفع.
وأشار إلى أن طريق الثورات ذو اتجاه واحد لا يمكن الرجوع عنه، ويحتاج لسنوات طويلة محفوفة بالمخاطر لهدم منظومة الاستبداد، وبعدها سنوات أطول لعلاج المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنهوض بالنموذج المستقل عن أشكال التدخلات الخارجية، ثم المضي نحو البناء السياسي التراكمي المصنوع من الثقافة والوعي بالحقوق والحريات والدولة المدنية الحديثة.
وأوضح "سرميني" أن العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض والمستمر على النظام السوري يرهق الدول الداعمة، له، والتي تستنزفها أساساً مشكلاتها الداخلية الكبيرة فضلاً عن الاستنزاف في الملفات الخارجية في سوريا والعراق ولبنان، وذلك في إطار رده على سؤال حول إمكانية تقديم تنازلات من قبل النظام بسبب العقوبات.
ورجح مدير مركز جسور أن تجبر العقوبات الفاعلين المحليين في المنطقة على تقديم التنازلات السياسية وربما تنازلات أخرى أمنية وعسكرية واقتصادية.
وأفاد بأن نظام الأسد لا يملك خياراً إلا الإذعان، بسبب التآكل الداخلي المستمر الذي تشهده مؤسسات الدولة وشكل الحكومة التي ستواصل عجزها عن تقديم الاستحقاقات والامتيازات للميليشيات الداخلية والخارجية التي تعمل لصالحها.
لماذا تأخر انتصار الثورة؟.. وما الحل؟
ذكر الأكاديمي السوري الدكتور "عبد الكريم بكار" أن الثورات لا تنجح في الغالب، إلا إذا لقيت العون من المحيط الإقليمي أو إحدى الدول الكبرى، وهو ما لم يتوفر للثورة السورية بالقدر الكافي.
وبالمقابل، أشار "بكار" إلى قيام "ثورة مضادة" دُعمت بمليارات الدولارات لإفشال الثورة السورية، واستدرك بالقول: "مع ذلك لا يجوز أن نبرئ أنفسنا، فمؤسسات المعارضة معظمها مصابة بدائين، أولاهما العجز، وثانيهما الارتباك، فضلاً عن وجود الفرقة بين المؤسسات، مع غياب الشخصية المتفق عليها من قبل السوريين".
وعن الخطوات الواجب اتخاذها للمضي قدماً، أشار "بكار" إلى ضرورة دعم الخطوط المشتركة بين جميع السوريين (الحرية – العدالة – الخلاص من الظلم والاستبداد – تحرير سوريا – سيادة القانون)، مع تأخير الحديث عن بقية الأمور (مثل الهوية) إلى وقت آخر، في ظل دولة آمنة مستقرة.
وشدد الدكتور على أهمية إطلاق حركة تحرير وطني، للتنسيق بين كافة الكيانات السورية، في محاولة لإعطاء صورة للعالم أن الثورة قادرة على ملئ الفراغ، في حال رحل النظام، كما دعا إلى توفير وحدة المفاهيم والفكر والحركة، بما يقيم أركان الدولة من جديد، ويخلص الشعب السوري من الاستعمار الخارجي الروسي والإيراني ويحرره من "المستبد الظالم".