روت عائلة الباحث السوري "مجدي نعمة" تفاصيل اعتقاله من قبل السلطات الفرنسية وتعرضه للضرب والتعذيب داخل سجونها، واستمرارها في احتجازه رغم عدم وجود ما يدينه.
وأوضح الدكتور "محمد نعمة" شقيق "مجدي" في حديث لموقع "نداء بوست" أن "شقيقه تعرض لاعتداء جسدي ومعاملة وحشية تشابه ما يواجهه المعتقلون في سجون النظام السوري"، إضافة إلى اختفائه قسرياً لمدة 10 أشهر وحرمانه من التواصل مع ذويه.
يضيف "نعمة" أن الانتهاكات بدأت منذ اللحظة الأولى لاعتقال شقيقه، حيث أقدم 40 عنصراً من قوات الأمن الفرنسي يرتدون ملابس مدنية على ضربه وسحبه إلى مكان الاحتجاز، مؤكداً أن "مجدي كاد أن يفارق الحياة لشدة التعذيب الذي تعرض له وتناوب العناصر على ضربه".
وأشار إلى أن قاضية التحقيق رفضت عدة دعوات لإعطاء فريق الدفاع عن "مجدي" تسجيلات كاميرات المراقبة التي وثقت لحظة اعتقاله، متهماً إياها بـ"الانحياز والتعامل مع القضية دون موضوعية والعمل على إطالة عمر الملف بشكل ممنهج".
ووجهت القاضية تهماً إلى "نعمة" تتعلق باختطاف الناشطة "رزان زيتونة"، إلا أن شقيقه يؤكد أنه بريء من هذه التهمة، ولم يكن في الغوطة الشرقية وقت حدوثها.
وبحسب محدثنا فإن القاضية حققت مع "مجدي" أكثر من 10 مرات حول أسباب انشقاقه عن قوات النظام السوري، الأمر الذي دفع محامي الدفاع للدخول في سجال ونقاش حاد معها كون القضية الأساسية المتهم بها لا علاقة لها بالموضوع الذي تحقق به.
وشدد "نعمة" على وجود تجاوزات في القضاء والتحقيقات التي يخضع لها شقيقه، كاعتماد أخبار وكالة "سانا" أدله ضده، وقبول القاضية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وعدداً من الأدلة الموجودة على بطاقات الذاكرة العادية ورفضها لذات الطريقة عند تقدم فريق الدفاع بها.
واعتبر أن الدعوى المرفوعة ضد شقيقه "كيدية" وهدفها "التشفي والانتقام"، منتقداً المنظمات التي تقف خلفها وساهمت في اعتقاله، كما حمل الحكومة الفرنسية وجهات الإدعاء المسؤولية عن الاعتداءات التي تعرض لها "مجدي".
من هو "مجدي نعمة"؟
"مجدي نعمة" الملقب بـ"إسلام علوش" هو ضابط سابق برتبة نقيب في جيش النظام السوري، انشق بعد اندلاع الثورة السورية احتجاجاً على الانتهاكات التي وقعت بحق المدنيين، ومن ثم عمل كناطق رسمي باسم "جيش الإسلام"، وفي عام 2017 أعلن استقالته وترك جميع مكاتب الفصيل.
وبعد استقالته من "جيش الإسلام" اتجه "نعمة" لمتابعة تحصيله العلمي، حيث حصل في عام 2019 على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة "إسطنبول آيدن" وحاز على المركز الثاني في كليته بمعدل 97.25%، بالتزامن مع عمله كباحث في مركز "طوران" للدراسات الذي أصبح فيما بعد نائباً لرئيسه.
كيف وصل إلى فرنسا؟
تقول عائلة "نعمة" إنه بعد تفوق ابنها في جامعة "إسطنبول" سافر إلى فرنسا في نهاية العام 2019 بعد حصوله على منحة دراسية من برنامج "إيراسموس" لإجراء بحث حول "الحراك المسلح في سوريا"، موضحة أن هذه الورقة البحثية كان من المفترض أن يساهم من خلالها في مؤتمر بالعاصمة القطرية "الدوحة" عن الجماعات المسلحة.
وبعد عمل استمر 3 أشهر في مركز بحثي يتبع لإحدى الجامعات الفرنسية، وقبل موعد عودته إلى تركيا تعرض للاعتقال في مدينة "مرسيليا" في كانون الثاني/ يناير من عام 2020، وتم اتهامه بـ"ارتكاب جرائم حرب" و"التواطؤ في حالات اختفاء قسري".
أسباب اعتقاله
جاء اعتقال "نعمة" على خلفية قيام كل من "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير"، و"الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان"، و"الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان"، برفع دعوى ضد فصيل "جيش الإسلام" في حزيران/ يونيو من عام 2019 بتهمة ارتكاب جرائم ضد المدنيين خلال فترة سيطرته على الغوطة الشرقية بين عامي 2013 و2018.
ومهد قيام المنظمات المذكورة آنفاً برفع لائحة الاتهام إلى النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب في باريس ووصول "نعمة" إلى فرنسا الطريق أمام اعتقاله والبدء بمحاكمته، واتهامه بـ"ارتكاب جرائم حرب"، وتعذيب معتقلين، وتجنيد أطفال، والتورط بخطف كل من "رزان زيتونة" و"سمير الخليل" و"ناظم الحمادي" و"وائل حمادة".
وفي بيان نشره "مازن درويش" مدير ومؤسس "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" اعتبر أن اعتقال "نعمة" هو جزء من "مكافحة الإفلات من العقاب التي يجب أن تستهدف جميع الأطراف المتورطة بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في سوريا".
وأضاف "درويش": "خلال تسع سنوات، تسبب الصراع في خسارة مئات الآلاف من الأرواح والملايين من الضحايا، بالنسبة لجميع هؤلاء لا يمكن أن يكون هناك عدالة مجتزأة وانتقائية وذات دوافع سياسية، أو مبنية على أساس إنتماء مرتكبي الجرائم إلى هذه المجموعة أو غيرها".
عائلة "نعمة" تتحرك.. والجهات المدعية تهاجمها!
أطلقت عائلة "نعمة" حملة على مواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس السبت تحت شعار "الحرية لمجدي"، سلطت خلالها الضوء على تفاصيل اعتقال ابنها وظروف اعتقاله، وتنتقد المنظمات التي رفعت الدعوى ضده دون أدلة تثبت إدانته.
وذكرت العائلة في بيان أنها آثرت الصمت طيلة الفترة الماضية لثقتها ببراءة "مجدي"، واعتقادها أن سبب الاعتقال هو الوصول إلى حقيقة اختطاف "رزان زيتونة" ورفاقها، مضيفة أنها تعرضت للصدمة بعد اكتشاف كمية التعذيب والعنف الذي تعرض لها ابنها وقبول جهات الادعاء بذلك.
وانتقد بيان العائلة "الجهات التي ترفع شعار الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته وساهمت في اختفاء مجدي قسرياً، والصمت عن تعذيبه"، مؤكدة في الوقت ذاته دعمها لـ"مسار عدالة حقيقي يتحمل فيه الجميع مسؤولياته، ولا يمكن أن يتحقق من خلال انتهاك حقوق مجدي".
من جانبه، هاجم "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" على لسان مدير "مشروع التقاضي الاستراتيجي" في المركز "المعتصم الكيلاني" تلك الحملة معتبراً أن هدفها "كسب تعاطف الشارع وتضليل الرأي العام".
وقال "الكيلاني" في تغريدة على موقع تويتر إن الأجهزة القضائية المسؤولة عن ملف "نعمة" تحصر الإدانة بتوفر الأدلة القطعية على ارتكاب أو المساهمة في ارتكاب جرائم حرب، وأن "هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم أو بتغير الأحوال".
وأضاف: "تلك الانتهاكات التي وقعت على المدنيين الأبرياء إذا مرت مرور الكرام هنا قد نكون وقعنا بالكارثة"، إلا أنه لم يحدد التهم الموجهة إلى "نعمة" أو الجرائم والانتهاكات التي يتهمه المركز بالتورط بها.
جدير بالذكر أن إعادة فتح ملف "مجدي نعمة" يتزامن مع إصدار القضاء الفرنسي قراراً بوقف ملاحقة الضابط المنشق عن النظام السوري "سامي كردي" المنحدر من مدينة "الرستن" شمال حمص ورد الدعوى المرفوعة بحقه والتي تقدم بها "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين" عام 2017 على أساس الاشتباه به بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.