في أحد الأيام راجعني موكل يمتلك قطعة أرض كبيرة نسبياً يضع أحد المزارعين يده عليها، وقام هذا المزارع ببيع “وضع اليد” على جزء من هذه الأرض لمجموعة من السكان المحليين الذين أنشؤوا بيوتاً عليها واستوطنوا منذ حوالي 25 سنة فيها، وطلب مني دراسة موقفه القانوني وبعد الاطلاع على البيان العقاري أعلمته بأنه لا يحق للمزارع بيع الأرض التي تحت يده، وبالتالي فالقانون يعتبر شاغلي الأرض هؤلاء غاصبين لها.
أقمت دعوى استرداد حيازة، وهي دعوى بسيطة وإجراءاتها سريعة، وفي الجلسة الأولى حضر المدعى عليهم وكما هو متوقع أعلنوا أنهم اشتروا وضع اليد من المزارع وأبرزوا عقداً يُثبت ذلك، فرددت بأن هذا العقد باطل وليس له قيمة قانونية، وقررت المحكمة إجراء الكشف على العقار للتحقق من حيازة المدعى عليهم للعقار وتحديد أوصافه، ومن ثَم صدر الحكم برد الحيازة وَفْق طلباتنا في الدعوى، وصُدِّق من محكمة الاستئناف.
سبب نجاح الدعوى هو قانون النظام العقاري في سورية ولبنان الذي صدر في عهد الانتداب الفرنسي، وهو يقوم على أن الملكية المسجلة في السجل العقاري لا تسقط مهما طال الزمن عليها، وبناء عليه فإن وضع اليد على العقار مهما استمر فليس له قيمة، ولو رافقه إقامة أبنية في العقار.
وحيث إن التجارب الدولية في البوسنة والهرسك ورواندا تشير إلى أن استعادة الملكية العقارية عامل مهم في المساعدة على عودة اللاجئين، فقد خصصت الأمم المتحدة جزءاً من مشاريعها لحماية الملكية العقارية في سورية والتوعية من مخاطر فقدانها، إلا أنه ما تم إغفاله عند اعتماد هذه المشاريع هو اختلاف النظام العقاري في سورية عن مثيله في البوسنة والهرسك ورواندا، حيث تعتبر النظم العقارية هناك الحيازة المادية للعقار لفترة معينة من الزمن سبباً لانتقال ملكيته.
والذي سمعته من خلال سؤالي عن الموضوع أن السبب في اعتماد هذه المشاريع هو الخطأ في فهم المصطلح القانوني، والاعتماد على مترجمين لا يمتلكون ثقافة قانونية كافية، فتم تفسير كلمة الحيازة بأنها وضع اليد، بينما تشير الحيازة في القانون السوري عند الحديث عن العقار إلى الحيازة القانونية وهي الملكية في قيود السجل العقاري.
تعتري مقاربة الأمم المتحدة للحل في سورية الكثير من الأخطاء التي سببها سوء النية، لكن هناك أيضاً أخطاء راجعة لعدم فهم البيئة السورية، ومنها مثلاً ما يتم الحديث عنه حول صياغة دستور جديد، وكأن أحد أسباب الثورة السورية هو نصوص الدستور، بينما الأَوْلَى الحديث عن تعزيز مبدأ سيادة القانون الذي كان أحد أهم مطالب الثورة السورية.