المصدر: ذا كونفرزايشين
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: جو أديتونجي
إيران هي من بين أكثر المؤيدين لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. هذا ليس له علاقة تذكر بأوكرانيا ولكن كل ما في الأمر هو أن هذه هي إستراتيجية إيران طويلة المدى تجاه الولايات المتحدة.
مع مرور ستة أشهر على حرب روسيا على أوكرانيا مع استمرار تآكُل القوة البشرية والمخازن العسكرية والاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية الروسية، اختار فلاديمير بوتين شريان حياة إيراني غير متوقع ولكنه ضروري لينقذ نفسه في أوكرانيا وكذلك في سورية، حيث إنه منذ عام 2015 ، الجنود الروس يقاتلون لإبقاء حكومة بشار الأسد في السلطة.
وساعدت خطوة بوتين بدورها إيران على إحراز تقدُّم في تعزيز مصالحها الخاصة.
معارضة الولايات المتحدة في كل مكان
منذ الثورة الإسلامية عام 1979، اعتقد القادة الإيرانيون أن الولايات المتحدة تخطط باستمرار للإطاحة بالحكومة الإيرانية. إنهم ينظرون إلى القادة في واشنطن على أنهم أكبر تهديد وعقبة أمام تعزيز المصالح الوطنية الإيرانية المتمثلة في تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، والشرعية الدولية، والأمن الإقليمي، والسلطة، والنفوذ.
مخاوف قادة إيران ليست خيالية- فالتاريخ الطويل للتدخل الأمريكي في الشؤون الإيرانية، والعداء المفتوح المستمر بين البلدين، وعقود من التعزيزات العسكرية الأمريكية على مقربة شديدة من إيران تثير قلق القادة في طهران بشكل كبير.
للولايات المتحدة قوات عسكرية في العديد من دول الشرق الأوسط، بسبب أو بدون سبب. ولتعزيز مصالحها الوطنية، تعمل إيران على إجبار الجيش الأمريكي على الخروج من المنطقة وتقليل النفوذ السياسي الأمريكي هناك.
إيران لديها هدف أكبر: الإطاحة بما تعتبره النظام السياسي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
تقاوم إيران نفوذ الولايات المتحدة من خلال الحفاظ على شراكات مع مجموعة متنوعة من الميليشيات غير الحكومية والحكومات التي يجمعها معهم المناهضة الشرسة للولايات المتحدة. ترعى الدولة شبكة من الجماعات المسلحة الشريكة والجماعات التي تعمل بالوكالة، والتي تتوافق خياراتها السياسية وطموحاتها مع أهداف إيران، من خلال توفير الأسلحة والتدريب والأموال – وفي بعض الحالات، التوجيه. ومن بين المستفيدين حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني والميليشيات العراقية الصديقة وأنصار الله في اليمن المعروفون باسم الحوثيين أو المتمردين الحوثيين.
من خلال هذه الميليشيات وأذرعها السياسية، تمد إيران نفوذها وتعمل على تشكيل حكومة صديقة لإيران في دول مثل لبنان، وسورية، والعراق، واليمن. هذا يهدد القوات الأمريكية ويعادي الحكومات المتحالفة مع الغرب في دول مثل إسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة.
على المستوى الوطني، لا توجد معاهدات دفاع متبادل دائمة لإيران. فأقرب شركائها الإستراتيجيين هم نظام الأسد وفنزويلا، وكوريا الشمالية ،والصين وروسيا. يتعاونون سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لخلق بديل لما يعتبره قادتهم النظام السياسي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
يشمل هذا التعاون تقويض المصالح الوطنية للولايات المتحدة والمساعدة في تخفيف الضغط السياسي الغربي والعقوبات الاقتصادية أو التحايل عليها.
طهران المنقذة
لم تترك الحرب الروسية الحالية في أوكرانيا لموسكو سوى عدد قليل من الأصدقاء المتعاطفين.
قلّة من القادة السياسيين يفهمون العزلة السياسية الجديدة لبوتين وما يرتبط بها من عداوات تجاه الولايات المتحدة ومن أكثر هؤلاء القادة المتفهمين هو الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي. لكن العلاقات الإيرانية الروسية مُعقّدة.
وجد البلدان قضية مشتركة في مساعدة رئيس النظام السوري بشار الأسد ليتمكن من هزيمة المعارضة في بلاده، ولكن من أجل مصالح وطنية مختلفة خاصة بكل بلد.
يساعد إنقاذ الأسد روسيا على إعادة تأكيد نفسها كقوة رئيسية في الشرق الأوسط. بالنسبة لإيران، تُعتبر “سورية الصديقة” حلقة وصل مهمة في التحالف الإيراني المناهض للولايات المتحدة وإسرائيل.
في الوقت الذي حاربت فيه روسيا وإيران للحفاظ على الأسد، تنافستا أيضاً على عقود إعادة الإعمار والبنية التحتية المربحة بعد الحرب في ذلك البلد، وتشكيل البيئة السياسية بعد الحرب لصالحهما.
لكن لم يكن أي من البلدين جريئاً بما يكفي للتأثير على الطريقة التي يعمل بها الآخر في سورية. وبالتالي، تعاونت القوات الروسية والمدعومة من إيران أحياناً، وفي أوقات أخرى تصارعتا. ولكن في الغالب بقي كل منهما يعمل منفرداً بدون تدخل أو تنافس من الطرف الآخر.
في النهاية، على الرغم من ذلك، أجبرت محنة روسيا في أوكرانيا زعيمها على طلب مساعدة إيران بطريقتين.
أولاً، قدم الحرس الثوري الإسلامي، وهو فرع من الجيش الإيراني، قوة بشرية إضافية لملء الفراغ الذي تركته روسيا عندما أعادت قوات من سورية من أجل حملتها في أوكرانيا.
ثانياً، ستستخدم روسيا المركبات الجوية الإيرانية غير المأهولة منخفضة التكلفة والتي أثبتت جدارتها في المعركة، والمعروفة باسم الطائرات بدون طيار(درون)، لمواجهة ترسانة كييف المدعومة من الغرب ودعم قواتها المتصارعة وقدراتها القتالية غير الكفؤة بشكل مدهش.
في تموز/ يوليو، استضافت إيران العديد من الضباط الروس وأجرت تدريبات على عمليات الطائرات بدون طيار الإيرانية شهيد -129 وشهيد -191. وقد أشارت مصادر استخباراتية مجهولة ومسؤولون أوكرانيون إلى أن روسيا حصلت بالفعل على طائرات إيرانية بدون طيار وتستخدمها في أوكرانيا. على الرغم من عدم تأكيده، إلا أن هذا يتوافق مع تقييم سابق للبيت الأبيض بأن إيران ستزود روسيا بـ “ما يصل إلى عدة مئات” من الطائرات بدون طيار لاستخدامها في أوكرانيا.
حرب أوكرانيا تعزز مصالح إيران
قد لا يساعد هذا التحالف الدافئ روسيا على هزيمة أوكرانيا. بل سيعزز المصالح الوطنية لإيران.
لقد جلب الانسحاب الروسي من سورية جنوداً إيرانيين إضافيين إلى هناك لإثبات قدراتهم القتالية وترسيخ أنفسهم في سورية.
ويسمح ذلك لإيران بالسيطرة على الأراضي المهددة من قبل القوات المناهضة للأسد والحفاظ على ممر مفتوح أو “جسر بري” تقدم إيران من خلاله الدعم لشبكتها من الشركاء والوكلاء المناهضين لأمريكا والمناهضين لإسرائيل.
ثانياً، إن امتلاك روسيا للأسلحة الإيرانية سيعزز بشكل كبير صناعة الأسلحة الإيرانية، وعملاؤها الأساسيون في الوقت الحالي هم ميليشياتها. أسفرت الجهود الإيرانية الأخيرة لتوسيع تصنيع وتصدير الطائرات بدون طيار عن نجاح محدود في الأسواق الصغيرة، ومعظمها هامشية في إثيوبيا، والسودان، وطاجيكستان وفنزويلا.
موسكو هي ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وتحوّلها المفاجئ إلى مستورد للأسلحة الإيرانية يشير إلى جدّية مشاكل روسيا. كما أنه يضفي الشرعية على صناعة الأسلحة في طهران ويوسعها إلى ما هو أبعد من إنتاج الأسلحة لغرض الاكتفاء الذاتي. يدفع هذا التحالف الوحيد إيران نحو دور أكثر بروزاً كمصدر رئيسي للأسلحة.
أخيراً، تضيف الحرب الروسية في أوكرانيا مجالاً جديداً يمكن لإيران من خلاله مواجهة الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة بشكل مباشر، فضلاً عن فرصة لتقويض نفوذ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوراسيا. حيث يمكن للطائرات الإيرانية بدون طيار أن توفر لموسكو الردّ الفعّال والمطلوب بشدة على الأسلحة الأمريكية التي تسبب تشويشاً ضد القوات الروسية في أوكرانيا – نظام صاروخ المدفعية عالي الحركة، وصاروخ جافلين الموجّه المضاد للدبابات، وسويتش-بلايد “كاميكازي” أو الطائرات بدون طيار الانتحارية وغيرها.
قد تجبر الأسلحة الإيرانية المستفيدين الغربيين من أوكرانيا على تخصيص مليارات إضافية لأنظمة مكافحة الطائرات بدون طيار أو الدفاع الجوي، أو المساعدة في استبدال الأصول التي من المحتمل أن تحيدها الأسلحة الإيرانية.
لقد حدث هذا بالفعل في شبه الجزيرة العربية، حيث تجبر حرب الطائرات بدون طيار التي شنتها ميليشيا أنصار الله ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دول الخليج على إنفاق مبالغ غير متناسبة على أنظمة الأسلحة باهظة الثمن وتطوير حلول أخرى باهظة الثمن لمواجهة الطائرات بدون طيار الإيرانية منخفضة التكلفة.
لعبة صفريّة المحصلة
قد تؤدي الانتصارات التكتيكية المحدودة التي حققتها الطائرات الإيرانية بدون طيار إلى إطالة الحرب في أوكرانيا وزيادة زعزعة استقرارها، لكنها لن ترجح موازين الصراع لصالح روسيا.
تتمثل مساهمة هذه النجاحات الكبرى في المصالح الوطنية لإيران: فهي تسمح لإيران باختبار وتقويض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشكل مباشر خارج منطقة العمليات الإقليمية المعتادة لإيران. إنها تعزز مكانة إيران بين الدول التي ترغب أيضاً في تحدي القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وتقوّي التضامن بين تلك الدول.
مع انتشار المقاتلين والمستشارين والأسلحة الإيرانية في مناطق جديدة وتمكين أعداء الولايات المتحدة، تُعزِّز إيران مصالحها الوطنية على حساب المصالح الوطنية الأمريكية.