نداء بوست – تحقيقات – محمد الشيخ
أصدرت اللجنة القضائية التي شكلتها غرفة القيادة الموحَّدة "عزم"، قرارها بخصوص التهم الموجَّهة إلى قيادة فرقة "السلطان سليمان شاه"، بعد أكثر من شهرين من العمل المتواصل، تم خلالها عقد عشرات الجلسات والاستماع لقرابة المئة شاهد ومُدَّعٍ.
وقررت اللجنة عزل قائد فرقة "السلطان سليمان شاه"، محمد الجاسم أبو عمشة من منصبه، وعدم تسليمه شيئاً من مناصب الثورة لاحقاً، بسبب تورُّطه بانتهاكات كبيرة وتجنُّباً لاحتمال اندلاع اقتتالات داخلية بين الفصائل.
وهنا لا بُدَّ من التذكير بأن اللجنة تشكلت في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بتوافُق بين قائد غرفة "عزم" أبو أحمد نور، وقائد حركة "ثائرون" المنضوية ضِمن "عزم" فهيم عيسى، وقائد "فرقة السلطان سليمان شاه" المنضوية ضِمن حركة "ثائرون" محمد الجاسم.
وجاءت اللجنة بالتزامن مع توتُّرات كبيرة شهدتها مناطق ريف حلب، بعد تسريبات تتحدث عن نية "عزم" بَدْء حملة أمنية ضد "فرقة السلطان سليمان شاه" بسبب انتهاكاتها الكبيرة، وقيام الأخيرة برفع الجاهزية استعداداً لمواجهة قوات "عزم".
وضمت اللجنة الشيخ موفق العمر والشيخ أحمد علوان والشيخ عبد العليم عبد الله، وتم منحها صلاحيات مطلقة، ووقَّع على تشكيلها كل من أبي أحمد نور، وفهيم عيسى وأبي عمشة وتعهَّدت قيادة "عزم" بتنفيذ كل المقررات التي ستخرج عن اللجنة.
وجاء في بيان اللجنة الصادر مساء أول أمس الأربعاء: "انعقدت اللجنة المفوَّضة من الفصائل ذات الشأن؛ للنظر في المظالم والتجاوزات الواقعة من قِبل بعض قادة فصيل سليمان شاه، وبعد قُرابة شهرين من بذل كل الجهود المتاحة للاستماع إلى ما أمكن من الشكاوى والدعاوی ومطالعة البينات والأدلة، مع كثرة العراقيل، فقد توصلت اللجنة إلى عدة قرارات".
وأوضحت أن "التهديد والوعيد الذي مُورس على كثير ممن شهدوا الوقائع جعلهم يمتنعون عن الشهادة، خوفاً من بعض قادة هذا الفصيل، ودفع آخرين إلى التراجع عن شهادتهم، مما عرقل عمل اللجنة وأخَّر صدور شيء عنها".
وقالت: "أمام هذا الواقع وما وصل إلى اللجنة من دعاوی وشهادات، ونصرة لأهلنا وثورتنا، فقد اتفقت اللجنة على أن البينات والوقائع والمصلحة تقتضي عزل قائد فصيل سليمان شاه المدعو محمد الجاسم أبو عمشة، عن جميع مهامه الموكلة إليه، وعدم تسليمه شيئا من مناصب الثورة لاحقاً، لما ثبت عليه من الدعاوی، تجنيباً للمنطقة من احتمالات الاقتتال والدماء والفتنة".
كما قررت اللجنة أيضاً، عزل كل من: وليد حسين الجاسم "سيف عمشة"، ومالك حسين الجاسم أبو سراج، وأحمد محمد خوجة، وعامر عذاب المحمد، وحسان خالد الصطوف أبو صخر، لما ثبت عليهم من التهم الموجهة إليهم.
وختمت بالقول: "إن إحلال العدل وإنصاف المظلومين وتعويض المتضررين، وإعطاء صورة مشرفة تحقق أهداف الثورة التي خرج السوريون لأجلها، هو مسؤولية أصحاب القرار والنفوذ على الأرض في هذه المنطقة، وعليهم منع الساحة من الانزلاق إلى الاحتكام للسلاح، ونُوصي الجميع بحقن الدماء وحفظ الأنفس".
لماذا فرقة "السلطان سليمان شاه"؟
يقول الشيخ عبد المعز هلال، عضو رابطة العلماء السوريين، وعضو الهيئة العامة للمجلس الإسلامي السوري: إن أسباب بَدْء مكافحة الفساد بفرقة "السلطان سليمان شاه"، يعود إلى "الشهادات التي تواردت على لسان مجموعة من مشايخ الثورة ودعاتها بعد استماعهم لها وتأكُّدهم، واستفاضة شر هذا الفصيل بين العامة والخاصة وخطورته على الثورة بأكملها وتشويه صورتها الناصعة".
وأشار هلال في حديثه لموقع "نداء بوست" إلى أن أولئك المشايخ "قاموا بتحميل بعض الشرفاء من القادة العسكريين مسؤولية تحييد هذه الشرذمة المجرمة في حق شعبنا وثورتنا".
وأضاف أن جموعاً كثيرة من حَمَلَة السلاح استجابت لنداء المظلومين والمستضعَفين، وعند حصار منطقة الشيخ حديد من قِبل "عزم" واقتراب لحظة الحسم، تداعت بعض القيادات ومنها غرفة "عزم" ودعت المشايخ ومَن معهم من العسكريين للتريث وإحالة ملفات هذا الفصيل إلى لجنة قضائية تبتّ فيهم، وهو ما حدث فعلاً.
عمل اللجنة
عقدت اللجنة أُولى جلساتها في 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، واستمرت مدة شهرين، تم خلالهما عقد 45 جلسة، تضمنت استجواب وسماع الشهود والمدَّعِينَ ومُداوَلات بين أعضائها، واستمعت إلى 85 شخصاً من جميع الأطراف (مُدَّعِين، مُدَّعَى عليهم، شهود).
وأوضح الشيخ أحمد علوان عضو اللجنة، في حديث لموقع "نداء بوست" أنه في بادئ الأمر، تلقوا كتاباً رسمياً موقَّعاً من قِبل قائد الفيلق الثالث وقائد غرفة "عزم" أبو أحمد نور، ونائبه فهيم عيسى قائد حركة "ثائرون"، ومن محمد الجاسم أبو عمشة قائد "فرقة السلطان سليمان شاه"، بالقبول باللجنة الثلاثية.
ونص الكتاب على أن اللجنة مُطلَقة الصلاحيات ومفوَّضة بإصدار الأحكام التي تراها مناسبة وعلى غرفة "عزم" تنفيذ مُخرَجات هذه اللجنة. وفي البداية امتنع أعضاء اللجنة ورفضوا الدخول بها، ولكن بعد المناشدات والرغبة في حقن الدم ولتجنُّب حدوث صدام عسكري تم الدخول بها والموافقة عليها مُكرَهين، وفقاً لعلوان.
وأشار علوان إلى أن اللجنة بدأت عملها بغض النظر عن كلام الشارع، وشرعت بالسماع للشهود والمدَّعِين، وعقدت أكثر من 45 جلسة استمعت فيها للأطراف جميعها (المدعِين، والشهود، والمدعَى عليهم)، وخلال التحقيق تم إيقاف عدد من المدعَى عليهم.
وكان الضغط النفسي ومراعاة الحساسية الفصائلية من أكبر العوائق التي واجهت اللجنة، كما أن هذا الأمر أخَّر إصدار الحكم كون هذه المراعاة تسبَّبت بخروقات كبيرة، كما كانت هناك ضغوطات من الشارع ومُطالَبات بإسراع إصدار القرار.
وثبت للجنة ارتكاب الفصيل المدعَى عليه "فرقة السلطان سليمان شاه"، خروقات ومضايقات لعدد من الشهود والضغط عليهم وتهديدهم، ما أثَّر على شهادات بعضهم، وحَالَ دون حضور آخرين ممن كانوا يرغبون بالمثول أمام اللجنة للإدلاء بشهادتهم.
ورغم وجود الخوف، يقول علوان: "تواردت للجنة عشرات الادّعاءات والشهود وتم إثباتها، وخلال العمل تم تثبيت مبدأين، أولهما: لا نُبرِّئ مجرماً، ولا نُجرِّم بريئاً، وثانيهما: ليس كل ما يُشاع عَبْر شبكات التواصل حقاً، وليس كل ما يُشاع باطلاً، وكان واجبنا إخراج الحقيقة من بين ركام الأكاذيب ونفض الغبار عنها".
وأكد علوان أن القرار الصادر يوم الأربعاء هو قرار مبدئيّ وسيتبعه قرار فيه تفصيل أكثر بخصوص المظالم والحقوق، وسيتم تحويله إلى الجهة التي كلَّفت اللجنةَ (غرفة عزم) من أجل متابعة المظالم المتعلقة بالأموال وإيصالها إلى أهلها.
وحول آلية تطبيق القرار، أشار علوان إلى أن اللجنة قضائية وليست تنفيذية، والأمر بات في عهدة غرفة "عزم"، واللجنة تطالب كل أصحاب السلطة في الشمال السوري بدعم القرار والمساهمة في تطبيقه وعدم عرقلته.
وأما عن مستقبل اللجنة فقال علوان: إنها شُكلت لأمر طارئ منعاً للصدام العسكري للنظر في قضايا الانتهاكات المرفوعة على فرقة السلطان سليمان شاه، وغير ذلك هي غير مكلَّفة به.
موقف "عزم" من القرار وتطبيقه
نشر قائد غرفة "عزم" أبو أحمد نور في الثالث من شهر شباط/ فبراير الجاري، سلسلة تغريدات حول قضية الشيخ حديد و"فرقة السلطان سليمان شاه"، قال فيها: إنه "في الفترة الماضية كانت تلك القضية والدعاوى التي أُثيرت ضد الفرقة ضِمن أولويات المنطقة، بادرنا سريعاً في غرفة القيادة الموحدة عزم وحملنا المسؤولية لمنع الصدام ومحاولة حل الأمر بالهدوء والحكمة".
وأضاف: "اتفقنا مع المعنيين على تشكيل لجنة تحكيم ثلاثية تنظر في الدعاوى وتفصل فيها بحيث نصل في نهاية المطاف إلى الحق وتلتزم كل الأطراف بقرارات اللجنة"، وأشار إلى أن غرفة "عزم" تنتظر قرار اللجنة، أملاً منها "بحلِّ المشكلة القائمة بطرق سليمة صحيحة عَبْر لجنة التحكيم المتفَق عليها غير آبِهين بما يثار من دعاوى واتهامات بغير ذلك".
وفي هذا السياق، جدد مسؤول العلاقات العامة في غرفة "عزم" عبد الله الشيباني التزام الغرفة بتعهداتها السابقة، وبالقرارات التي ستصدر عن اللجنة بشكل كامل.
وأضاف الشيباني في حديث لموقع "نداء بوست": "القيادة ما زالت على كلامها السابق، وأصدرت بياناً أكدت فيه التزامها بما صدر عن اللجنة".
واستبعد الشيباني أن لا تلتزم قيادة "فرقة سليمان شاه" بالقرار، مضيفاً: "من المتوقع أنها ستلتزم بتعهُّداتها السابقة، ومن المأمول أن يتجه قائد الفرقة محمد الجاسم أبو عمشة لإعلان قريب بقبول قرارات اللجنة؛ لأنه كان في وقت سابق قد ألزم نفسه بقرارها".
وأوضح أن حركة "ثائرون" ستتولى قيادة منطقة الشيخ حديد وفك العزلة التي كانت موجودة عليها، والطوق الأمني الذي كان يفرضه فصيل "سليمان شاه"، بحيث تعود منطقة مفتوحة مثلها مثل بقية مناطق عفرين، وسيقتصر التواجد فيها على حواجز أمنية على المداخل والمخارج.
وعن مستقبل اللجنة، قال الشيباني: "اللجنة كانت استثنائية ومؤقتة للنظر في هذه القضية والدعاوى المرفوعة على فصيل سليمان شاه، وقرار عملها أو إنهائه والقرار الذي صدر عنها سيفتح أبواباً كبيرةً جداً في محاربة الفساد في المنطقة ومحاسَبة المفسدين مهما عظم شأنهم وكبر فصيلهم ومناصبهم".
القرار خُطوة في الاتجاه الصحيح
رأى عضو المجلس الإسلامي السوري، عبد المعز هلال، أنه "إذا نظرنا إلى الظروف المحيطة والضغوط الداخلية والخارجية يُعتبر القرار مقبولاً لحدٍّ ما، وخُطوة جيدة بالاتجاه الصحيح نحو مشروع الإصلاح ومكافحة الفساد في المحرَّر".
وأضاف: "لن نكتفي بهذه الخطوة ولكننا سنحشد كل المؤثرين من الشخصيات الثورية والفاعلة للمضي في صلاح المحرر وإخراج نموذج يليق بالثورة وتضحيات الشهداء وآلام المعتقلين وآهات المهجَّرين، أما الآنَ فنحن ننتظر من الجهة التي تعهَّدت بتنفيذ مُخرَجات وقرارات اللجنة وهي عزم".
وتابع: "نحن كشخصيات ثورية معنيين بمشروع الإصلاح الشامل في المحرر لن نقبل بشيء دون تنفيذ هذه المقررات ومتابعة خطوات الإصلاح، وفي جعبتنا الكثير مما نستطيع فعله في حال لم تنفذ القرارات، وبالنسبة لبقاء اللجنة الثلاثية فهو مرهون بقرار تشكيلها وهو خصوص ملف قيادات العمشات".
ومضى بالقول: "المعول الأساسي ليس على بقاء اللجنة الثلاثية، وإنما على الشرائح العريضة من شعبنا الثائر والمشايخ والشخصيات الثورية والغيورين من العسكريين على مركب الثورة التي آلت على نفسها ألَّا تسمح لظالم أن ينتهك حقوق الناس في حريتهم وكرامتهم، وأن ترقى بمحرَّرنا ليكون نموذجاً يليق بأعظم ثورة في التاريخ".
من جانبه، وصف الشيخ وسام قسوم عضو المجلس الإسلامي السوري، القرار بأنه عظيم، وقال في تدوينة على قناته في "تلغرام": "هذا القرار هو قرار عظيم ومهمّ جداً ودليل على حيوية الثورة وأبنائها، ورفضها لأي نوع من أنواع الظلم على الناس، من أي جهة كانت حتى لو لبست لبوس الثورة، وهذا مؤشر على أن هذه الثورة لن تستكين لظالم، فالناس التي هتفت ضد بشار الأسد لن تعجز عن غيره ولن تستكين له".
وكشف قسوم أن مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أسامة الرفاعي لم يكن من الموقِّعين على قرار تشكيل اللجنة، وكذلك المجلس الإسلامي السوري، لكن المجلس الإسلامي وسماحة المفتي هم داعمون لقرارات اللجنة بكل تأكيد.
وختم بالقول: "إن عهدة تنفيذ القرار تقع على عاتق قيادة عزم ككل وليس على فصيل بعينه، وإن الوفاء بالشروط والتعهدات والاتفاقات هو من شأن المسلمين، وإن التفريط في تنفيذ مقررات اللجنة هو تضييع للحقوق وخذلان للمظلوم".
حالة استثنائية
قال مركز "جسور للدراسات" في تعليقه على القرار: إنّ اللجنة تُعتبَر حالة استثنائية حالت دون الاحتكام إلى السلطات القضائية المنبثقة عن مؤسسات المعارضة، بما فيها القضاء العسكري، لاعتبارات عديدة أهمها تجنُّب تأثير الفصائل على القضاء بسبب حالة المُحاصَصة التي تحكم المؤسساتِ.
وأضاف أنّ القرار يُعتبر سابقة في منظومة فصائل المعارضة السورية المسلحة، فهي المرّة الأولى التي تتخذ فيها لجنة مدنية صاحبة سلطات قضائية قراراً بعزل قائد فصيل أو إحالته إلى التحقيق، بعدما كان العُرف السائد بين الفصائل استمرار القائد في مهامّه طالما أنّه قادر من الناحية المادية والمعنوية على ممارستها، باستثناء بعض الحالات التي درجت العادة فيها على تنصيب مجلس قيادة يتناوب أعضاؤه على ممارسة صلاحيات القائد.
وأكد أنه في حال تطبيق الحكم الصادر عن اللجنة، فمن المحتمل أن يقود ذلك إلى الانفتاح على خطوات إصلاحية لاحقة، قد تطال الواقع الأمني ومنظومة الإدارة بشكل كامل في منطقتَيْ "غصن الزيتون" و"درع الفرات" شمال حلب.