من المرجَّح أن البلدان المتقدمة ستواجه زيادة غير مسبوقة في التجسس الصناعي أو سرقة الملكية الفكرية من قِبل الروس على المستويات المختلفة ابتداءً من الشركات ووصولاً إلى الحكومات.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حدد الأولويات لعمل جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية خلال زيارة لمقره بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الاستخبارات السوفياتية (الروسية) غير القانونية عام 1922 ومن بينها “دعم تنمية القدرات الصناعية ما يعتبر أمراً مهماً بشكل خاص في ظل العقوبات الغربية”. وشدد على أهمية رؤية الصورة العامة لما يحدث في العالم و”التصرف بشكل استباقي” وضرورة تلقي المعلومات في الوقت المناسب حول الخطط “العسكرية والجيوستراتيجية” التي يمكن أن تشكل تهديداً لروسيا.
منذ بداية الغزو الروسي في أوكرانيا وفرض العقوبات الاقتصادية كانت القيادة الروسية تؤمن إيماناً راسخاً بإمكانية استبدال الواردات الصناعية الغربية. لكن في الواقع، لم يكن الأمر هكذا، إذ قال رئيس لجنة مجلس الاتحاد للتشريع الدستوري أندريه كليشاس: إن برنامج استبدال الواردات في روسيا الاتحادية فشل تماماً، بينما صرح نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري تشيرنيشينكو في آذار/ مارس بأن مستوى استبدال الواردات في جميع المجالات الحرجة في روسيا يتراوح من 80% إلى 100%.
بعبارة أخرى، أدركت روسيا فجأة أنه لا يمكنها الاستغناء عن السلع والخدمات والتقنيات الغربية. جعلت الصناعات السوفياتية (الروسية) التي كانت تُدمر خلال العقود واستبدالها بالواردات الغربية روسيا حالياً تعتمد على الدول “غير الصديقة” لها.
أدت أيديولوجيا “التطوير” المبنية على مبدأ “بيع الهيدروكربون وشراء كل ما نحتاجه” إلى حقيقة أن روسيا وجدت نفسها فجأة بدون قطع غيار للطائرات وإنتاج سيارات وأدوات آلية، وقد تُترك بدون المنتجات الأكثر ضرورة وهي الأدوية والمعدات الطبية. وحتى فخر صناعة الطائرات الروسية “سوبرجيت” لن تطير بدون مكونات غربية.
وطريقة ظهور تقارير نجاح استبدال الواردات في روسيا معروفة وهي تتمثل في لصق الملصقات الروسية على المنتجات الصينية لتقديمها كمنتجات متطورة روسية عالية التقنية والتي تقدر على استبدال النظيرة الغربية. وفشلت شركة “روسنانو” الحكومية التي كانت مسؤولة عن تطوير مشاريع التكنولوجيا الفائقة في روسيا لسنوات عديدة تماماً في استبدال الواردات.
كل ذلك يحفّ به كارثة قد تنفجر مع نفاد مخزونات السلع وقطع الغيار في القطاعات الحاسة. وتتجلى الإخفاقات بشكل خاصّ على خلفية إنشاء اقتصاد محلي عالي التقنية في الصين المعاصرة. في أوائل التسعينيات اجتذبت الصين أكثر من مجرد الاستثمار الأجنبي في الصناعة.
كان يُنظم إنشاء المشاريع الأجنبية أو المشتركة بحيث تنشأ في أهمّ الصناعات الصينية وتحمل معها التقنيات الحديثة. وُضعت الأعمال التجارية الأجنبية في الظروف التي اضطرت فيها إلى مشاركة “الخبرة والمعرفة” الحديثة مع الصينيين في سعيها لتحقيق أرباح هائلة على حساب العمالة الصينية الرخيصة.
هكذا بني نظام جذب الاستثمارات الأجنبية. كقاعدة عامة، كان الصينيون يشغلون مناصب نواب المديرين في المشاريع المشتركة، ولم يدرسوا تعقيدات ممارسة الأعمال التجارية فحسب، بل التفاصيل الدقيقة لتقنيات الإنتاج المستخدمة. في الوقت نفسه، الدولة هي التي كانت تدير عملية اكتساب الخبرة المبتكرة وإتقان التقنيات الحديثة. أما روسيا الاتحادية فهي لا تملك قاعدة تكنولوجية لأن الكرملين اعتقد أن الإمدادات ستكون أبدية ومن الممكن بيع كل شيء مقابل المال.
في هذا الصدد، بدلاً من تمتع روسيا بالسيادة التكنولوجية فإنها تستجدي اليوم الصين في مجال التقنيات العالية، على وجه الخصوص، الآلات عالية الأداء والروبوتات ذات التحكم العددي، ومعدات الطيران والفضاء، ومعدات الهندسة البحرية وبناء السفن البحرية، ومعدات السكك الحديدية الحديثة والمركبات الموفرة للطاقة ومركبات الطاقة الجديدة، والمعدات الكهربائية، والآلات الزراعية، والمواد الجديدة والمستحضرات الصيدلانية الحيوية، وكذلك الأجهزة الطبية عالية الأداء.
ولذا، من المتوقع تكثيف التجسس الصناعي بشكل ملحوظ إلى جانب سرقة جماعية للملكية الفكرية في الغرب في أقصر وقت ممكن، وذلك مع أخذ خطاب بوتين أمام موظفي الاستخبارات الخارجية الروسية بعين الاعتبار.