نداء بوست- ملفات- إسطنبول
أثار حديث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بخصوص إمكانية تقديم بلاده الدعم للنظام السوري ضد “قسد”، ردوداً واسعة من السوريين الذين رفضوا تلك التصريحات، وأكدوا أن “قسد” ونظام الأسد وجهان لعملة واحدة.
وقال جاويش أوغلو: “تركيا أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة”، مضيفاً: “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في هذا الصدد”، وفقاً لما نقلت وكالة الأناضول.
كما اعتبر وزير الخارجية التركي أنه “من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين”.
وأثارت تلك التصريحات الشكوك حول دوافع تركيا والتحول الكبير في موقفها تجاه النظام السوري، كونها جاءت على لسان أحد كبار مسؤوليها، وفيما إذا كانت هذه التصريحات سيتبعها خطوات فعلية على الأرض، خاصة وأنها تزامنت مع “سياسة تصفير المشاكل” التي تتبعها أنقرة حالياً وبدأتها مع الإمارات والسعودية ولاحقاً مع مصر.
ولم تخف تركيا خلال السنوات الماضية وجود قنوات تواصل مع نظام الأسد على مستوى الاستخبارات، وهو ما أعاد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، الحديث عنه في تصريح صحفي أدلى به في السادس والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي.
وأكد قالن حينها عدم وجود أي اتصال سياسي مع النظام السوري رغم وجود اتصالات استخباراتية بين الجانبين، وقال: “وحدات الاستخبارات التركية تجري بشكل دوري مفاوضات مع النظام السوري من أجل مصالحنا الوطنية”.
تركيا تتحدث عن طبيعة العلاقة مع النظام السوري وإمكانية عقد صفقة معه بشأن اللاجئين
وحول إمكانية عقد اتفاق مع النظام أو التوصل إلى صفقة معه لإعادة اللاجئين إلى مناطق سيطرته، قال قالن: “من غير المعقول عقد اتفاق مع النظام السوري وإرسال هؤلاء الناس الذين فروا من الحرب وعانوا آلاماً وأوجاعاً شديدة، وتسليمهم له”.
وفي كانون الثاني/ يناير 2020، كشف مصدر تركي رسمي أن رئيس جهاز المخابرات التركي حقان فيدان عقد لقاء مع رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام علي مملوك في العاصمة الروسية موسكو، وذلك في أول اجتماع رسمي بين جهازَي المخابرات منذ سنوات، وجاء حينها في ظل التطورات التي شهدتها محافظة إدلب والهجوم الواسع الذي شنته قوات النظام وروسيا عليها.
التطبيع بين تركيا والنظام السوري يعود إلى الواجهة من جديد.. هل تفعلها أنقرة؟
وقطعت تركيا علاقاتها مع النظام السوري في آب/ أغسطس من عام 2011 وذلك بعد رفضه للمقترحات التي قدمتها لحل القضية السورية، وارتكابه المجازر والجرائم بحق السوريين.
“مناورة سياسية”
يشير الباحث في “مركز جسور للدراسات” فراس فحام، إلى أنه في العمل السياسي هناك تصريحات تعكس قناعات وسياسات الفاعلين، وفي المقابل يتم استخدام التصريحات أحياناً للمناورة، أو إيصال رسائل لجهات محددة، مشددة على أهمية “قراءة السياق بالكامل، والمعطيات، والنظر إلى المصالح، لتمييز ما يعبر عن المواقف الحقيقة، وما هو تكتيكي، وما هو مناورة”.
وعن الموقف التركي في سورية، قال فحام في تغريدة على تويتر: “الحقيقة التي يجب أن ندركها جيداً أن الموقف التركي في سورية بما في ذلك مستقبل النظام كان ولا يزال مرتبطاً بالموقف الأمريكي، إطلاق مسار التعاون بين تركيا وروسيا أتى بعد انسحاب أمريكا من غرب الفرات، وتصريحات تركيا الأخيرة نتيجة رفض أمريكا لإيقاف دعم قسد”.
من جانبه، يشير الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، إلى أن تصريحات وزير الخارجية التركي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط التركية وقلقاً لدى شريحة كبيرة من السوريين المقيمين في تركيا خشية أن يكون التصريح بداية للتطبيع بين النظام السوري وتركيا.
كذلك لفت عودة أوغلو في حديث لـ “نداء بوست” إلى أن تصريح الوزير التركي جاء بعد أيام قليلة من القمة الثلاثية لرؤساء الدول الضامنة لمسار أستانا حول سورية (روسيا وتركيا وإيران) والتي عقدت في طهران، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن زيارة وزير خارجية النظام فيصل المقداد لطهران أثناء انعقاد القمة طرحت تساؤلات حول أسباب الموقف التركي الجديد.
ويعتقد محدثنا أن “استياء أنقرة من مماطلة واشنطن وموسكو من دعمها في عمليتها العسكرية في سورية، هو أحد الأسباب التي دفعها للإدلاء بهذه التصريحات الجديدة التي تأتي مغايرة للتصريحات التركية السابقة التي كانت تتحدث عن التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين واستبعاد تطبيع العلاقات مع النظام سياسياً”.
النقطة الأخرى، يبدو أن أنقرة -بحسب طه عودة- تريد قطع الطريق على أي محاولات روسية للتقارب بين النظام السوري وقسد وهذه بالمفهوم التركي ضربة لمحاولات قسد للالتفاف على الخطوات التي تقوم بها تركيا لتوجيه ضربة لها.
والجدير بالذكر أن تصريحات جاويش أوغلو جاءت أثناء انتقاده للولايات المتحدة وروسيا لعدم التزامهما بالوعود المقدمة لبلاده بخصوص تأمين الحدود الجنوبية مع سورية، حيث أكد أنهما “لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”.
ضعوطات على تركيا
يؤكد المحلل السياسي الدكتور محمود الحمزة أن تركيا واجهت ضغوطات دولية وإقليمية كبيرة أبعدتها عن الموقف الصلب الذي اتخذته تجاه الملف السوري بعد اندلاع الثورة في آذار/ مارس 2011.
وأوضح الحمزة في حديث لـ”نداء بوست” أن “الموقف التركي سار خلال السنوات الماضية باتجاه العد التنازلي والتراجع، وذلك لعدة أسباب أبرزها محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو 2016، والتأثير المدمر على الاقتصاد التركي، والتصعيد الكبير مع أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من المشاكل”.
ومن وجهة نظر محدثنا فإن كل تلك المشاكل تقف وراءها دول كبرى وإقليمية هددت النظام السياسي في تركيا، وأجبرته على التوجه إلى روسيا بحثاً عن أمنه القومي، في حين في الطرف المقابل “قسد” المدعومة من النظام السوري والولايات المتحدة وروسيا وإيران.
وأضاف: “كل تلك الجهات ساهمت في خلق مشكلة أمن قومي لتركيا، لإبعادها عن الموقف الداعم بقوة للثورة السورية، مثلما خلقت (تلك الجهات) مشاكل لدول الخليج كالحرب في اليمن وحصار قطر، ما أدى لإبعاد دول الخليج عن دعم الثورة السورية”.
وهكذا -يضيف حمزة- اتجهت تركيا إلى روسيا وبدأت تتعاون معها في الملف السوري وفي كافة المجالات الأخرى، وانخرطت تركيا بمفاوضات أستانا “سيئة الصيت”، وحققت روسيا وإيران والنظام مكاسب كبرى من خلالها وخاصة السيطرة على حلب نهاية 2016، والسيطرة على مناطق “خفض التصعيد” وإرجاع أراضي كبيرة إلى هيمنة الأسد.
وشدد على أن تصريحات جاويش أوغلو هي موقف خطير جداً قد يكون بداية لتطبيع مع نظام الأسد مقابل وعود وهمية بالتخلص من خطر “قسد” وحزب العمال الكردستاني.
ومضى بالقول: “السؤال هنا كيف يثق الأتراك بنظام الأسد الذي يمارس إرهاب الدولة، وهو الذي أوجد وحدات حماية الشعب YPG ودعمها بالسلاح ومعه إيران والولايات المتحدة؟”.
قسد تكشف عن موافقة قوات الأسد على تسليمها أسلحة ثقيلة ونوعية لمواجهة تركيا
كما يرى الحمزة أن تركيا اليوم تعود إلى المربع الأول بقبولها إعطاء دور للنظام في حل مشكلة الإرهاب شمال شرقي سورية، مشدداً على أن “من خلق الإرهاب وهو بؤرة الإرهاب وقتل وهجر الملايين، لا يمكنه أن يضمن حماية تركيا من الإرهاب”.
انتقاد من السوريين
لاقت تصريحات وزير الخارجية التركي انتقاداً كبيراً من السوريين، كونها جاءت من دولة لطالما اعتبروها حليفاً لهم، وتزامنت مع تهافت مع بعض الدول لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، والتي كان آخرها إجراء وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة زيارة إلى دمشق، وإعلان حركة حماس إعادة العلاقات مع النظام.
وتعبيراً عن خيبة الأمل هذه، دعا المجلس الإسلامي السوريّ المشايخ من الخطباء والوعّاظ والمفتين أن يكون محور خطبهم اليوم الجمعة حول إرهاب النظام السوري والتذكير بأن قسد وحزب العمال الكردستاني ذراع من أذرعه.
وشدد المجلس على “أن أكبر إرهابٍ يمارس اليوم داخل سورية هو إرهاب العصابة المجرمة الطائفية الحاكمة، فهي عدوّة لله ورسوله، كما هي عدوّة للسوريّين وللأمّة ولشعوب المنطقة برمّتها”.
وأضاف: “إنّ قسد وPKK وPYD عصابات إرهابيّة، وهي من أدوات النظام الإرهابيّ المجرم في حربه على السوريّين وجوارهم التركي، وإنّ محاربة إرهابهم لا تكون بدعم وتقوية إرهابٍ آخر أكبر منه”.
من جانبه، قال رئيس هيئة التفاوض السوري بدر جاموس: “بالنسبة لنا نظام الأسد هو الداعم الرئيسي والمباشر للإرهاب في المنطقة بدءاً من حزب العمال الكردستاني الإرهابي وحزب الله والمليشيات الإيرانية المتطرفة، فالعلاقة بينهم وثيقة ومعلنة منذ سنوات”.
وأضاف في تغريدة على تويتر: “نظام الأسد هو جزء من منظومة الإرهاب في سورية، وهو من قدم لها الدعم والرعاية والسلاح”.
كذلك غرد قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني أبو أحمد نور بالقول: “لا إرهاب في سورية يفوق إرهاب عصابة الأسد المجرمة المارقة.. PKK وPYD عصابات أنتجها نظام بشار المجرم، وحربها لا تكون بدعم أو بالتنسيق أو حتى بالتهاون مع مشغلها وصانعها”.
وأضاف: “حاربوا نظام الأسد تنتهوا من مشكلة الميليشيات الانفصالية والإرهابية والظلامية وعصابات المخدرات فهو محركهم ومديرهم”.
بعد تل رفعت.. “قسد” ترفع أعلام النظام السوري على محاور عين عيسى
الدكتور يحيى العريضي علق على تصريحات جاويش أوغلو بتغريدة أرفقها بتعميم صادر عن شعبة المخابرات العامة التابعة للنظام السوري، تبلغ فيه المفارز الأمنية في الرميلان والمالكية وسيمالكا واليعربية بتسهيل دخول دفعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني من جبل قنديل.
وقال العريضي في تغريدته: ”سيد “جاويش أوغلو” وزير خارجية تركيا؛ في الكتاب التالي تجد طبيعة العلاقة بين منظومة الاستبداد التي تريد مساعدتها سياسياً على مقاومة الإرهاب، والإرهاب الذي تتحدّث عنه. جِد مَن يترجم لك ذلك من العربية إلى لغتك”.
كما توجه الرئيس السابق للائتلاف السوري معاذ الخطيب إلى جاويش أوغلو بالقول: “سعادة وزير الخارجية التركية السيد مولود جاويش أوغلو المحترم: يعتبر النظام كل الخارجين عن سلطته من الإرهابيين، وهم تحديداً نصف سكان سورية على الأقل، وأغلبهم لا علاقة له بالمعارضة المعتدلة ولا غير المعتدلة”.
وتابع: “سلامة وأمن تركيا أمر لا يمكن السماح لأحد بمسه، وهي محور حضاري سابق وأمل حضاري صاعد وقادم، وصمام أمان أساسي في منطقة طالما كان النظام هو الراعي الأول للحركات الفوضوية فيها، تقديم الدعم السياسي للنظام لا يجدي وغير مقبول إلا لتحقيق حل عادل وشامل لكل السوريين”.
“قسد” تستنجد بروسيا ضد تركيا.. وتتحدث عن “تطورات إيجابية” في العلاقة مع النظام السوري
بدوره، اعتبر الباحث عبد الوهاب عاصي أنه “لا يجب التغاضي عن تصريحات تركيا حول تقديم الدعم السياسي للنظام السوري في إطار مكافحة PKK، حتى وإن كان الخطاب غير مطابق لأي فعل حقيقي!”.
وأضاف عاصي في تغريدة على تويتر: “على المعارضة السورية أن تفهم عاجلاً أم آجلاً حاجة وضرورة صياغة سياسة وطنية مستقلة. هذا لا يتعارض مع مراعاة المصالح التركية أو الدولية”.
ويرى عاصي أن “أقل ما يفرضه الواجب الوطني والثوري على المعارضة السورية الرسمية -الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية-توجيه خطاب رسمي يطلب من تركيا تقديم توضيح لتصريحات وزير الخارجية حول استعدادها دعم النظام السوري”.
تجدر الإشارة إلى خروج مظاهرة اليوم الجمعة في مدينة عفرين شمال حلب طالبت وزير الخارجية التركي بالتأكيد على أن نظام الأسد هو الراعي الأول لإرهاب المنظمات الأخرى المتمثلة بالميليشيات الإيرانية و”قسد”.