“نداء بوست”- عواد علي- بغداد
بعد حياة حافلة بالإبداع والجدل، فارق الحياةَ الشاعرُ والناقدُ والمترجمُ العراقيُّ الكبير سامي مهدي (مواليد بغداد 1940)، إثر مرض عضال عانى من شدته في الفترة الأخيرة.
وشكّل رحيله خسارةً كبيرةً للشعر العربي، تاركاً من الشعر والدراسات النقدية والترجمات الفذة لشعراء فرنسيين وإسبان ما يجعل حياتنا أكثر جمالاً. وبغيابه هدأت الموجة الصاخبة (عنوان كتاب له)، وطُويت صفحة مهمة من صفحات الجيل الستيني في العراق.
درس سامي في كلية الآداب بجامعة بغداد، وتخصص في الاقتصاد. وشغل لاحقاً منصب المدير العام لدائرة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام، ومنصب المدير العام للإذاعة والتلفزيون. كما تولى رئاسة تحرير العديد من الصحف والمجلات منها “المثقف العربي”، و”الأقلام”، و”ألف باء”، و”الجمهورية”.
أصدر أكثر من 15 ديواناً منها: رماد الفجيعة، أسفار الملك العاشق، أسفار جديدة، الأسئلة، سعادة عوليس، بريد القارات، مراثي الألف السابع وقصائد أخرى، مدونات هابيل بن هابيل، لا قمر بعد هذا المساء، ويحدث دائماً. كما صدرت له رواية واحدة بعنوان “صعوداً إلى سيحان”.
وفي مجال الدراسات النقدية والأبحاث والمذكرات نشر: أفق الحداثة وحداثة النمط، الثقافة العربية من الشفاهية إلى الكتابة، وعي التجديد والريادة الشعرية في العراق، الموجة الصاخبة: شعر الستينيات في العراق، المجلات العراقية الريادية ودورها في تحديث الأدب والفن، نهاد التكرلي رائد النقد الأدبي الحديث في العراق، نظرات جديدة في أدب العراق القديم، تجربة توفيق صايغ الشعرية ومرجعياتها الفكرية والفنية، آرتور رامبو، الحقيقة والأسطورة، في الطريق إلى الحداثة، دراسات في الشعر العراقي المعاصر، ذاكرة الشعر، رؤى ومواقف ومراجعات، آفاق نقدية، قراءات في المتون وفي مناهج التحليل، ألف ليلة وليلة… كتاب عراقي أصيل، وشاعر في حياة، ذكريات وأطياف.
أما في حقل الترجمة فقد صدر له: مختارات من الشعر الإسباني المعاصر، جاك بريفير: مختارات مترجمة، هنري ميشو: مختارات مترجمة، وسنابل الليل: مختارات من الشعر العالمي.
يقول سامي، في شهادة له عن تجربته الشعرية: “إن الشعر عندي مزيج من الرؤية والحلم والذاكرة، وكتابة القصيدة مزيج من الوعي واللاوعي، والقصيدة تبدأ عندي بفكرة تلمع في الذهن مثل لمع البرق، بفعل مشهد أراه، أو حادث أشهده، أو تجربة أعيشها، أو حكاية أسمعها، أو قضية أفكر فيها، أو قراءة أقرؤها، أو أيّ شيء من هذا القبيل.
لذا أصبح من الصعب اليوم، وربما من المتعذر، تعريف القصيدة وتحديد شكل معين لها. فنحن في مرحلة مخاض وتحول متسارع، تبدو فيه الأشكال المتداولة قلقةً، والأشكال الجديدة لا تزال في طور التشكل، وهي تتقلب في تشكلها، تحت عنوان التجريب، وتتقلب معها الأذواق.
وقد تطول هذه المرحلة دون أن تنتهي الأشكال القديمة وتستقر الأشكال الجديدة وتستقر معها الأَذواق، وقد تظهر أنواع أدبية وفنية جديدة ومختلفة، تصبح معها الأنواع التي نتداولها نحن اليوم، أو بعضها، تراثاً من الماضي وزخارف من زخارفه.
هذا على مستوى الرؤية النقدية العامة، أما على صعيد الموقف الخاص، الشخصي جداً، فأنا أحرص على أن تكون قصيدتي نسيجاً دلالياً وإيقاعياً متشابكاً، ومنسجماً في تفاصيله، يفضي في نهايته إلى تشكيل كلي قابل للتأويل.
ورغم أنني كتبت الكثير من قصائد النثر، منذ أوائل الثمانينيات حتى اليوم، ما زلت أفضل أن تكون قصيدتي موزونة، لأنني أعتقد أن الوزن يؤدي في كل قصيدة موزونة وظائف ثلاثاً: تنظيمية وإيقاعية ودلالية، ومن دونه يبدو التشكيل الشعري ناقصاً. فالوزن، كما أراه، ليس حلية ولا زينة، بل ضرورة، وهو بالنسبة إليّ ليس قيداً ولا عبئاً على الإطلاق.
إن تجربتي الشعرية سبقت مفهوماتها في ما أظن، فأنا لم ألجأ إلى تطبيق أيّ مفهوم سابق عليها، ولم أخضعها لأيّ منظومة نظرية جاهزة. وما سأقوله عنها هنا ليس إلا وصفاً نظرياً لتجربة شخصية تحكمها حيوية العملية الشعرية، وتطوّرها التجربة، وتغنيها الثقافة”.
وكتب عنه الكاتب والأكاديمي العراقي الدكتور ياس خضير البياتي، قبل أيام، مقالاً قال فيه:
سامي مهدي، الشاعر والناقد والمثقف، لو كان في بلد آخر يُمجّد العالم والأديب والمفكر لكان رمزاً وطنياً يُفتخر به في الكتب المدرسية والمحافل الدولية، ويُصنع له التماثيل والجداريات في المنتزهات والميادين، مثله مثل الآخرين من المبدعين العراقيين الكبار الذين رحلوا بصمت، أو الذين يعيشون اليوم في بلد عدو الشعر والفن والرواية والبحث العلمي والابتكار والحياة، بلد القمامات السياسية!