المصدر: ذا هيل- ترجمة: عبد الحميد فحام- بقلم: فيليب ألين لاكوفارا
قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالردّ على الانتكاسات التكتيكية في ساحة المعركة في أوكرانيا من خلال تعيين “جزار سورية” لتولّي مسؤولية جميع قوات الغزو الروسي في أوكرانيا.
هذا التطوّر المشؤوم لا يتطلب فقط من الديمقراطيات الغربية تعزيز إمدادها بالمواد الدفاعية للقوات الأوكرانية المُحاصرة، ولكنه يوفّر أيضاً حافزاً جديداً لبدء الاستعدادات الرسمية لمحاكمات جرائم الحرب الموجّهة ضد بوتين وكبار قادته.
لا يُعفى القادة الغربيون من المسؤولية لمتابعة هذا المسار، ببساطة لأن مثل هذه المحكمة قد لا تكون قادرة على احتجاز بوتين وجنرالاته لمحاكمتهم. فالقانون الدولي يسمح بالمحاكمات الغيابية في حالات النزاع المُسلّح عندما يتهرّب مُجرم الحرب من الاعتقال أو يلجأ للهرب من بلده للجوء إلى بلد آخر. وفي الحقيقة يوجد حجة مقنعة فيما يخصّ مسألة أوكرانيا للتذرّع بهذا المبدأ (أي المحاكمة الغيابية). ولسوء الحظ، كانت إدارة بايدن متناقضة بشأن هذا النوع من المبادرات، ويرجع ذلك جزئياً إلى رفض الولايات المتحدة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو إحجام سبق أن أقرّه الكونغرس.
لكن الزمن تغيّر، وهذه هي القضية النادرة التي يجب أن يكون قادة الكونغرس قادرين على صياغة اتفاق من الحزبين للضغط على الإدارة لقيادة الديمقراطيات الغربية للعمل.
في الأسابيع الأخيرة، شهد العالم مذابح مُتعمّدة للمدنيين المُقيّدين في بوتشا، واستهداف محطة قطار مُكتظّة باللاجئين الفارين في كراماتورسك، وضرب صاروخ على مسرح تم تمييزه بوضوح على أنه مكان لجأ إليه الأطفال في ماريوبول، وعدد لا يُحصى من الفظائع الأخرى التي تحتاج لتطبيق العدالة. ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً مع تعيين الجنرال ألكسندر دفورنيكوف، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية لروسيا، للعمل كقائد للحملة العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا.
حصل دفورنيكوف على الاسم الحركي المروّع “جزار سورية” من خلال السماح بالقصف العشوائي للمناطق المدنية، مما أدى إلى تحويل حلب ومدن سورية أخرى إلى مقابر مليئة بالأنقاض لآلاف النساء والأطفال.
إنه متوحّش يقوم بتطبيق طريقة الحرب التاريخية الروسية، وهي إستراتيجية “محاصرة المدن واستغلال تدمير بنيتها التحتية لترك سكانها في مواجهة ظروف لا تُطاق”.
أعلنت السلطات الأوكرانية أنها جنّدت ما يصل إلى 50000 مسؤول للبدء في توثيق الحوادث الفردية لجرائم الحرب التي ارتكبها جنود روس وقادة محلّيون. ولكن يجب عمل المزيد لمحاسبة بوتين وكبار قادته على هذه الانتهاكات للقانون الدولي للقتال المُسلّح، وهو مبدأ “مسؤولية القيادة”.
في عام 1946، أيدت المحكمة العليا في قضية ياماشيتا حكم الإعدام الصادر بحق الجنرال الياباني الذي يُدعى نمر مالايا لفشله “في السيطرة على القوات الخاضعة لقيادته” لمنع انتهاكات قانون الحرب التي “من المحتمل أن يحضرها احتلال منطقة معادية من قبل جيش خارج عن السيطرة في أوكرانيا”، نرى مثل هذه الأعمال كاستراتيجية روسية محسوبة.
على الرغم من أن الرئيس بايدن كان يتباطأ في تنفيذ هذه المبادرة المُهمّة، يجب على قادة الكونغرس الضغط لجعل الولايات المتحدة تجتمع على الفور مع القوى الغربية لإنشاء محكمة جرائم الحرب لمعالجة مسؤولية كبار المسؤولين الروس عن أعمال النهب التي تحدث في جميع أنحاء أوكرانيا.
وإذا لزم الأمر، يمكن إجراء محاكمات كبار المسؤولين الروس المسؤولين عن جرائم حرب دون حضورهم الفيزيائي.
هناك سابقة لا بأس بها لمثل هذا الإجراء والأهم من ذلك هو محكمة جرائم الحرب الرائدة في نورمبرغ التي أنشأتها القوى الأربع الكبرى في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمحاكمة القادة السياسيين والعسكريين الألمان.
عرّف ميثاق المحكمة الأفعال ذاتها التي تُرتكب في أوكرانيا على أنها جرائم حرب -“عدوان”، واستهداف عشوائي للمدنيين، وغيرها من “الجرائم ضد الإنسانية”.
كما أعلن الميثاق أن المحكمة لها “الحقّ في اتخاذ الإجراءات” ضدّ شخص مُتّهم بهذه الجرائم “في غيابه”، إذا “لم يتم العثور عليه” أو إذا وجدت المحكمة ذلك “ضرورياً، لصالح العدالة، يمكن عقد جلسة الاستماع في غيابه”.
تم القبض على معظم مجرمي الحرب الألمان الرئيسيين من قبل قوات الحلفاء في نهاية الحرب. لقد حوكموا شخصياً، ومع ذلك، فقد أفلت أحد الشخصيات الرئيسية من القبض عليه: مارتن بورمان، نائب الفوهرر سيئ السمعة والذي كان أحد المهندسين الرئيسيين للهولوكوست. بالاعتماد على سلطة محاكمته غيابياً، اتهمته نيابة نورمبرغ بقائمة جرائم حرب ودعت المحكمة إلى تعيين محامي دفاع نيابة عنه.
في حالة كان بورمان لا يزال على قيد الحياة، تم نشر الإخطارات العامة بشأن المحاكمة القادمة في الصحف وعلى الراديو في خريف عام 1945 لإخطاره بالإجراءات.
في تشرين الأول/ أكتوبر 1946، أُدين وحُكم عليه بالإعدام شنقاً، بشرط أنه -إذا تمّ العثور عليه لاحقاً على قيد الحياة- ويمكن أن تؤخذ أي حقائق جديدة يتم الكشف عنها في الاعتبار لتقليل العقوبة أو إلغائها.
منذ نورمبرغ، أنشأت الأمم المتحدة أو المجموعات الإقليمية للدول مجموعة من المحاكم الدولية المتخصصة للتحقيق في جرائم الحرب ومقاضاة مرتكبيها، بما في ذلك محاكم يوغوسلافيا السابقة وسيراليون ورواندا وتيمور الشرقية، إلخ.
وقد أدرج البعض مبدأ نورمبرغ الذي يجيز المحاكمات الغيابية. فعلى سبيل المثال، في عام 2007، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالاتفاق مع الحكومة اللبنانية، المحكمة الخاصة بلبنان للنظر في جرائم الحرب التي ارتُكبت خلال الصراع الطويل بين الأشقاء هناك. وقد سمح ميثاقها للمحكمة الخاصة بمحاكمة المتهم غيابياً، إذا كان من بين أسباب أخرى “عدم تسليمه إلى المحكمة من قبل سلطات الدولة المعنية”.
سيُغطّي هذا النوع من الأحكام بوتين وقادته، في حالة مقاطعتهم الإجراءات على الأرجح.
تضمّن ميثاق المحكمة اللبنانية حماية إجرائية تهدف إلى معالجة أي قلق بشأن محاكمة شخص غيابياً. وقد تطلب الأمر، مثل سابقة بورمان، أصدار أي تبليغ، كما تم السماح لمجرم الحرب المدان بالظهور لاحقاً ليُخضع نفسه لمحاكمة تقليدية جديدة.
يتم استخدام نفس العملية في بلدان أخرى، مثل إيطاليا، التي تسمح بإجراء المحاكمات الجنائية غيابياً. وقررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن مثل هذه المحاكمات تتفق مع ضمانات حقوق الإنسان، إذا تم تزويد المتهم بأكبر قدر ممكن من الإخطار بالحق في المثول والدفاع عن نفسه، وإذا كان المتهم قد يَمثُل، بعد إدانته غيابياً، لطلب محاكمة جديدة من خلال تقديم الأدلة بالبراءة.
يجب على الديمقراطيات الليبرالية الغربية أن تذهب إلى أبعد من مساعدة أوكرانيا على هزيمة القوات الروسية في ساحة المعركة ويجب أن تمضي في محاكمات جرائم الحرب.
القانون الدولي له قيمة معيارية؛ قاعة المحكمة هي المكان المناسب لإثبات أن القانون الدولي للنزاع المُسلح يحظر ما يفعله الروس.
بالإضافة إلى ذلك، فإن صدور مرسوم قضائي رسمي يصف بوتين وجنرالاته بأنهم مجرمو حرب سيتردد أصداءه في أروقة التاريخ بعد فترة طويلة -كما نأمل- من طرد الروس من أوكرانيا.
يجب أن ينضم الكونغرس والإدارة الآن لإظهار قدرتهم في إثبات أن المبادئ الأخلاقية للقانون الإنساني الدولي تقف وراء القوة العسكرية للنظام العالمي الديمقراطي الليبرالي.