إذا كنتَ تشاهد الأخبار التلفزيونية فقط لمواكبة الأزمة الأوكرانية، فأنت تفتقد بُعْداً مهماً، وربما حاسماً: إنه الشرق الأوسط.
يتعلق هذا الجانب بشكل أساسي بالطاقة -تقويض هيمنة روسيا على إمدادات النفط والغاز- لذا فهو يتعلق بالأرقام، والتي عادة لا تخضع للتقييم الاعتيادي. على المدى القصير، تنشغل القنوات بالحديث عن تقدُّم الطوابير المُدرّعة أو التحدي البطولي للصعوبات، ممزوجة بالتقارير المروعة عن الضحايا واللاجئين، ولكن على المدى الطويل، يتعلق الأمر كله تقريباً بالطاقة.
وردت أنباء يوم الأحد تفيد بأن ألمانيا -التي تعتمد حالياً بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي الروسي- وافقت على صفقة طويلة الأمد لتوريد الغاز مع دولة قطر الخليجية، التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات في العالم.
وقال وزير الاقتصاد روبرت هابيك في الدوحة: “ربما لا نزال بحاجة للغاز الروسي هذا العام لكن ليس في المستقبل”.
وتتعقب ألمانيا بشكل سريع بناء محطتين للغاز الطبيعي المسال (LNG) حتى تتمكن من استيراد حمولات السفن التي ستوفرها قطر.
يمكن القول: إن السعودية كانت أقلَّ فائدة، حيث أعلنت، بعد ثلاث هجمات بطائرات بدون طيار على منشآت نفطية من قِبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، أنها لن تتحمل مسؤولية النقص في سوق الطاقة العالمية.
لكن، على الأقل كما ورد، لم تضر هجمات الحوثيين بالقدرة الإنتاجية أو التصديرية للمملكة. لذلك، تم تفسير البيان على أن الرياض تقف مرة أخرى إلى جانب روسيا في أوبك، استمر هذا العناد في رفع الأسعار، فبعد التراجُع عن مستوياتها القياسية الأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار النفط يوم الإثنين مرة أخرى بنحو 7%.
بالإضافة إلى ذلك، فإن علاقات الرياض مع واشنطن متوترة بسبب العداء الشخصي بين الرئيس بايدن وولي العهد محمد بن سلمان، الذي يدير البلاد بينما يعاني والده الملك سلمان من اعتلال صحته، ففي الأسبوع الماضي، تم تركيب بطارية جديدة في جهاز تنظيم ضربات القلب للملك.
ومن حيث الضغط الدبلوماسي على الطاقة، لا تزال موسكو غير مُهتمّة. فلقد تراجعت الصادرات لأن الشركات تعتبر استيراد الطاقة الروسية أمراً مُدمّراً للسمعة، لكن الإيرادات الإجمالية ربما ارتفعت بسبب ارتفاع الأسعار.
ويبدو أن الحكومات الغربية تأمل في أن تؤدي النكسات العسكرية إلى تقييد روسيا وحل الأزمة بسرعة؛ لأن البديل غير مستساغ وهو مطالبة السكان (الذين يخاف السياسيون من امتناعهم عن التصويت لهم) بقبول الزيادات في أسعار البنزين وربما مجموعة من قيود الطاقة لتخفيف حدة التشدد الروسي.
اقترحت وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس، وهي مجموعة الدول الصناعية التي تعد الولايات المتحدة عضواً فيها، الأسبوع الماضي خطة من 10 نقاط لخفض استهلاك النفط، بما في ذلك حدود السرعة المنخفضة، واستخدام السيارات، وتقليص السفر الجوي التجاري، وعدم استخدام السيارات في يوم الأحد. يبدو الأمر معقولاً بما فيه الكفاية من الناحية النظرية، ولكن من الصعب إقناع الناس به من الناحية العملية.
وقد لقي ملف الشرق الأوسط اهتماماً في القمة الثلاثية في مصر بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
يأتي ذلك بعد ثلاثة أيام فقط من استقبال محمد بن زايد -كما أُعلن- لرئيس النظام السوري بشار الأسد في أبو ظبي، وهو الحدث الذي دفع وزارة الخارجية الأمريكية إلى القول إنها “محبطة للغاية ومضطربة”.
بالنسبة لأولئك الذين يجدون أنه من المربك أن يرحب حليف للولايات المتحدة (الإمارات) بحرارة بالدكتاتورية المدعومة من إيران (سورية) بينما يشتكي بصوت عالٍ من عدم وجود دعم أمريكي لمواجهة تهديد إيران، يرحبون بالالتفات إلى الشرق الأوسط ويقولون: إن الأمر قابل للتفسير، لكن المنطق ليس بالضرورة مقنعاً للبشر العاديين. فمن المفترض أن مصر وإسرائيل والإمارات تريد إبعاد الأسد عن طهران.
ومن غير المعروف ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يوافق على تكتيكات محمد بن زايد، لكن لم يصدر أي إزعاج من طرف بينيت لوقف الاجتماع في أبو ظبي.
يبدو أن الهدف من دبلوماسية الشرق الأوسط هو إدارة بايدن، التي تبدو قريبة من الموافقة على اتفاقية نووية إيرانية متجددة (والتي انسحب منها الرئيس السابق ترامب).
هذه الإستراتيجية الدبلوماسية، في أحسن الأحوال، عالية المخاطر ويمكن أن تشتت الانتباه عن حل الأزمة الأوكرانية. لقد قرر حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط ما هي أولوياتهم. ولسوء الحظ، يبدو أنهم على خلاف إلى حد كبير مع تلك الموجودة في واشنطن.