مترجم – ذا هيل الأمريكية
كتب الخبيران الاستراتيجيان "كينيث بولاك" و"دنيس روس" مقالاً في صحيفة "ذا هيل" الأمريكية الصادرة من واشنطن، تحدثا خلاله عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وضرورة إيجاد الإدارة الحالية استراتيجية جديدة لتجنب الأزمات.
و"بولاك" هو خبير في الأمن القومي والشؤون العسكرية والخليج العربي، وهو المدير السابق لشؤون الخليج العربي في مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة، فيما يشغل "روس" منصب مستشار في معهد واشنطن، وزميل في برنامج الزمالة "زيغلر"، وسبق أن لعب دور الرجل الأول لعملية السلام في الشرق الأوسط.
وجاء في مُستهل المقال تقييم لسياسة الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن، حيث قال الكاتبان: على الرغم من ضرورة التركيز على الشؤون الداخلية أولاً، وعلاقات القوى العظمى ثانياً، تمكنت إدارة بايدن حتى الآن من منع خروج قضايا الشرق الأوسط عن السيطرة.
فلقد التزمت بشدّة بالاتفاق النووي الإيراني، رافضة قبول مطالب طهران الأكثر غرابة حيث إنه وفي وقت لم يكن فيه الكونغرس الأمريكي جاهزاً، وجد فريق بايدن طرقاً مبتكرة لإظهار الالتزام الأمريكي المتجدد تجاه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي يحتاج بشدة إلى دعم واشنطن، في محاربة الفساد المتصاعد والتسلل والهيمنة الإيرانية.
ويضيف المقال تعليقاً على النهج المتوازن الذي اتّبعته الإدارة حتى الآن في أكبر دول الشرق الأوسط (السعودية) بأن مسؤولي الإدارة ساروا على حبل مشدود لمعاقبة الرياض على مقتل "خاشقجي" مع الاعتراف بمصالح الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية وتوضيح أن واشنطن لن تتخلى عن السعوديين.
وبالمثل، خلال الهجوم الأخير على غزة، منحت الإدارة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس حتى عندما عملت على تعزيز وقف سريع لإطلاق النار ومساعدة إنسانية للفلسطينيين.. هذا ليس سيئاً في ظل الظروف الحالية.
وعن التقييم العام لسياسة "بايدن" في المنطقة، يقول كاتبا المقال إنه ولسوء الحظ، لدى الشرق الأوسط طريقة لفرض نفسه، وبينما كان رد فعل فريق بايدن جيداً على التحديات الإقليمية التي تعرّض لها، فإنه لا يزال يفتقر إلى استراتيجية واضحة على مستوى المنطقة يفهمها أصدقاء الولايات المتحدة وشركاؤها.
فخلال الشهرين الماضيين، سافرنا إلى العراق وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والتقينا ببعض كبار القادة في البلدان الثلاثة، وقد واجهنا الأمل والشكوك حول نهج الإدارة في المنطقة في كل بلد من البلدان التي قمنا بزيارتها.
لكن الثابت الوحيد الذي واجهناه هو الارتباك حول ما تسعى الإدارة إلى تحقيقه في المنطقة، مع الشعور بأن سياساتها تفاعلية وموجّهة فقط لكل دولة على حدة، وإذا أرادت واشنطن التغلّب على هذا الارتباك، فسيتعين عليها صياغة مفهوم شامل يدمج جميع الاستراتيجيات الخاصة بكل بلد لتحقيق مجموعة أكبر من الأهداف.
ويقرّ كل من السيد "كينيث" والسيد "روس" بأنه ليس من السهل أبداً صياغة الاستراتيجيات الشاملة ولا يمكن اختزالها في مجرد شعارات، ومع ذلك، فهي مهمّة لطمأنة أصدقاء الولايات المتحدة وردع خصومها ومنافسيها، خاصة الآن، بالنظر إلى إرث السنوات الـ 12 الماضية في عهد "أوباما" و"ترامب"، حيث انسحبت الولايات المتحدة بشكل مطّرد من الشرق الأوسط.
ولقد ساهم الفراغ الناتج بشكل كبير في تدهور الوضع بشكل مطّرد، حيث شهدنا حروباً في ليبيا وسوريا واليمن، الصراع الداخلي في مصر والعراق وتركيا وصعود وسقوط داعش، عودة ظهور الاستبداد بعد أمل الربيع العربي إضافة إلى مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين.
وفي خضمّ ذلك كله، شهدنا التقدم المطّرد لإيران ووكلائها، الذين رأوا انفتاحاً للاستغلال حتى في الوقت الذي زادوا فيه من بؤس أولئك الموجودين في المنطقة.
النبأ السار هو أن "بايدن" وفريقه أقنعوا شركاء أمريكا في الشرق الأوسط بأن الرجل لن يتخلى عن المنطقة ببساطة، ولن يرضخ لمزيد من العدوان والتوسع الإيراني – على عكس كل من "أوباما" و"ترامب"، لكنه لم يخبرهم كيف سيفعل ذلك، ولا الأدوار التي يتصور أنهم يلعبونها في هذا المخطط.
ويؤكد الكاتبان أنه سيكون من الصعب صياغة استراتيجية، لأن إيران حققت مكاسب كبيرة في جميع أنحاء المنطقة، وتحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إيجاد طرق للرد عليها دون استخدام موارد ضخمة.
وفي الوقت نفسه، ستحتاج مثل هذه الإستراتيجية إلى مبادرات لمساعدة العديد من الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة الذين يكافحون للتعامل مع تأثير الوباء وثورة المعلومات وسوق الطاقة الدولي الجديد وتوازن القوى العالمي المتغير والتحوّل الخاص بهم و بمجتمعاتهم.
ويستدرك مقال الدبلوماسيين المخضرمين بالقول: لكن على الرغم من صعوبة ذلك، فإن الفشل في القيام بذلك سيكون له تكلفة عالية، حيث إنه في غياب مثل هذه الاستراتيجية الشاملة، لن تفهم أي دولة في الشرق الأوسط ما تتوقعه الولايات المتحدة منها، أو ما تنوي الولايات المتحدة تقديمه لها، أو ما هي الحالة النهائية الإقليمية التي تسعى الولايات المتحدة إلى إنشائها، وما إذا كانت هذه هي الحالة النهائية التي ستلبي احتياجات دول المنطقة الخاصة.
ويضيف الكاتبان: لقد أبدى لنا زعيم شرق أوسطي رفيع المستوى قلقه قائلاً، إن الولايات المتحدة ترسل إلى المنطقة تحذيرات كالضائع في عرض البحر مفادها، "لا تتبعوني، لقد ضللت الطريق".
فإذا لم يشعر حلفاء أمريكا بأنهم يعرفون إلى أين تخطط الولايات المتحدة التوجه بهم، أو أنهم لن يفعلوا شيئاً يذكر أو لا يفعلون شيئاً في مواجهة ما يرون أنه تهديدات، فسوف يعتمدون على أنفسهم، وغالباً ما يمنع ذلك من القيام بالبدائل التي تفضّلها الولايات المتحدة، أو أن الخيارات التي سيتخذها الحلفاء وفق ذلك الوضع ربما تخاطر بإثارة كوارث إقليمية جديدة.
هذا بالضبط ما حدث خلال إدارتي "أوباما" و"ترامب" عندما قامت السعودية والإمارات بالتدخل في اليمن وتدخلت كل من تركيا والإمارات ومصر وقطر في ليبيا كما تدخلت تركيا في سوريا وشمالي العراق، وبالطبع، أصبحت القوى الخارجية مثل روسيا أكثر تدخلاً بكثير.
في غضون ذلك، اختارت إسرائيل مواجهة التهديدات من برنامج إيران النووي المتقدم والوجود المتنامي في سوريا بحملة جوية متواصلة على إيران وتمّ شنّ هجمات سريّة مميتة ضد إسرائيل.
وفي ختام المقال يؤكد الخبيران الاستراتيجيان أنه قد لا تكون الولايات المتحدة قادرة دائماً على كبح جماح حلفائها عن العمل المتسرّع حتى لو كان لديها استراتيجية واضحة وشاملة للمنطقة، ولكن من دون ذلك، فمن شبه المؤكد أن دول المنطقة ستتبع مسارات أحادية الجانب نادراً ما تكون فعّالة مثل تلك التي يتم إجراؤها بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوب صراع أوسع بينها وبين "محور المقاومة" الإيراني، وهو ما لا يريدونه.
يبدو أن إدارة بايدن تعلّمت الدرس القائل بأنه في حين أن الولايات المتحدة قد لا ترغب في جعل الشرق الأوسط أولوية، فإنها لا تستطيع تجاهل ذلك أيضاً، ومع ذلك، بدون استراتيجية شاملة للمنطقة، فإن واشنطن تخاطر بأن تنفجر المنطقة بطرق ستجبر الولايات المتحدة على جعلها أولوية، وهذا هو آخر شيء يحتاجه "بايدن".