المصدر: ذا ناشيونال
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: راغدة ضرغام
تدخل حرب أوكرانيا مرحلة خطرة مع اشتداد القتال في مدينة ماريوبول ومنطقة دونباس في شرق البلاد.
يبدو أن الخطوط الحمراء بين موسكو والناتو تتغير باستمرار، مع عدم وجود ضمان بأن بقية أوروبا لن تنجرّ إلى الصراع في وقت ما في المستقبل.
في غضون ذلك، تدور معركة إرادات وذكاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يبدو أن كِلا الزعيمين يُصرّان على مواقفهما.
في الوقت الذي حوّلت فيه روسيا تركيزها إلى منطقة دونباس، حيث يعيش عدد كبير من السكان الناطقين بالروسية، يدلي بايدن بتصريحات موجّهة إلى بوتين. في إحدى المراحل، بدا أنه يدعو إلى تغيير النظام في موسكو، على الرغم من أنه وإدارته تراجعوا في وقت لاحق عن تلك التصريحات.
ولكن الآن، تقوم واشنطن “بإلقاء نظرة فاحصة” على ما إذا كان ينبغي تصنيف روسيا على أنها دولة راعية للإرهاب. إنها عملية لن تؤدي فقط إلى تعقيد العلاقات الأمريكية الروسية ولكن أيضاً العلاقات بين الأوروبيين وموسكو. إذا صدر مثل هذا الإعلان الرسمي، فإن الكرملين سيعتبره “خطاً أحمر”، لأن ذلك سيؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة تماماً.
لم يفاجئ اختبار روسيا لصاروخ سارمات هذا الأسبوع واشنطن التي قالت: إن موسكو أعطت إشعاراً مسبقاً بهذا الشأن. ومع ذلك، فإن التوقيت له آثار مهمّة. عند الإطلاق، قال بوتين: إن الصاروخ الجديد ليس له نظير في العالم ولن يكون له نظير لفترة طويلة في المستقبل. وزعم أن ذلك سيجعل أولئك الذين يحاولون تهديد روسيا “يفكرون مرتين”.
إن إدراج روسيا كدولة راعية للإرهاب ليس العامل الوحيد الذي حفّز إطلاق الصاروخ، ولكن أيضاً تدفق الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا إلى جانب مقاطعة واشنطن الاقتصادية لروسيا. نظراً لأن إدارة بايدن هي الداعم الأساسي لكييف، والمُمَوّل، ومُزوّد العتاد، فإن الرسالة التي سعت موسكو لنقلها من خلال اختبار صاروخها كانت على الأرجح موجهة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو.
إن دعم الناتو بالعتاد وضع موسكو في مأزق. فقد ألمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن شحناته يمكن أن تصبح أهدافاً مشروعة للقوات المسلحة الروسية. لكن هل يُخاطر الكرملين بجرّ الناتو إلى الصراع من خلال تعطيل تسليم الأسلحة الضرورية لبقاء الحكومة الأوكرانية في السلطة؟ بعد كل شيء، من شِبه المؤكد أن تدمير شحنات أسلحة الناتو سوف يوسّع الصراع.
ماذا ستفعل إدارة بايدن إذا حدث ذلك؟ هل سيكون أعضاء الناتو مستعدين لخوض حرب أوسع؟ هذه أسئلة يحتاج الغرب إلى التفكير فيها أيضاً.
في غضون ذلك، تتزايد التحديات العسكرية لموسكو يوماً بعد يوم. تحتاج إلى إنهاء عملياتها في ماريوبول حتى تتمكن من ضخّ الموارد التي تشتد الحاجة إليها في دونباس. ولكن، حتى لو انتصرت في ماريوبول، فسيتعين عليها محاربة 60 ألف جندي أوكراني مُسلّحين جيداً ومُجهّزين جيداً ولديهم دوافع عالية في دونباس. وفقط بعد فوز الروس في دونباس يمكنهم دخول المرحلة الثالثة من الحرب، وهي الاستيلاء على أوديسا وكييف.
قد يفترض المرء في هذه المرحلة أن موسكو من المرجح أن تكون عالقة في صراع طويل الأمد.
ماذا يعني هذا بالنسبة للسيد بايدن؟ إن الإجابة المُختصرة هي إعادة تقييم الأولويات.
لقد مرّ أكثر من عام بقليل على توليه منصبه، لكن يجدر التذكير بأنه حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا، كان الرئيس يُركّز بشكل أساسي على إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 – الذي يُطلق عليه خطة العمل الشاملة المشتركة – الذي كان دونالد ترامب، سلفه، كان قد جعل الولايات المتحدة تنسحب منه قبل أربع سنوات.
يبدو أن هذا لم يعد أولوية، لا سيما وأن روسيا من الدول الموقّعة المشتركة على الاتفاقية الأصلية والتي يعد تعاونها أمراً حيوياً لـ خطة العمل الشاملة المشتركة (2) لترى النور.
كما أدّت أعمال العنف المُستمرة منذ أسابيع في إسرائيل والتي شاركت فيها قواتها الأمنية وكذلك حماس في غزة إلى تقييد تحركات إدارة بايدن المرتبطة بالمحادثات مع إيران. فالولايات المتحدة، بعد كل شيء، حليف رئيسي لإسرائيل.
يدرك الإيرانيون أنه من غير الواقعي توقّع أي اختراق فوري في الملف النووي، على الرغم من الحديث عن أهمية النفط الإيراني في وقت تزايد الحظر على النفط الروسي، إلا أنه وضع النظام الإيراني في مأزق. إن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة يعني رفع العقوبات عن إيران وفتح الأموال التي تشتد الحاجة إليها لطهران وإعادة اندماجها في نهاية المطاف في النظام الاقتصادي العالمي.
وكان من شأن هذا أن يؤدي إلى إلغاء تجميد الأموال لصالح الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) ذي الأهمية القصوى في النظام لمواصلة أنشطته المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما في العراق ولبنان وسورية واليمن.
في ظل المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، تحاول طهران بيع “وعود” بأن الحرس الثوري الإيراني – الذي يُشرف على الميليشيات بالوكالة في البلدان المذكورة أعلاه – لن ينفذ عمليات خارج إيران. لا أحد بالطبع يُصدّق هذا الوعد لأن ذلك سيعني تقويض مبرر وجود ما يسمى بالجمهورية الإسلامية، وهو تصدير أيديولوجيتها إلى العالم العربي.
مع مرور الوقت، ستصبح الآثار المتتالية لحرب أوكرانيا – بما في ذلك مصير خطة العمل الشاملة المشتركة – واضحة بشكل متزايد. في الوقت الحالي، ولسوء الحظ، يتعيّن على بقية العالم ببساطة أن يتعامل مع الافتقار إلى النظام أو القواعد.