نداء بوست-التحقيقات والمتابعات-كندة الأحمد
تتصاعد وتيرة الأحداث يوماً بعد يوم، ومع نهاية عام 2022 الذي اختتم في موسكو على طاولة خيبت آمال السوريين، جمعت رؤساء الوزراء ورؤساء الاستخبارات الثلاثة الروسي والتركي ونظيرهم الآخر وزير الدفاع في حكومة الأسد، ويعتبر هذا اللقاء الأول منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 التي تسببت بتوتر كبير في العلاقات بين أنقرة ودمشق، وأصبح محوراً مثيراً للجدل في الأوساط السياسية والميدانية.
تركيا الدولة الأكثر استضافةً للاجئين السوريين الذين بلغ عددهم 5 ملايين لاجئ سوري على أراضيها وعُرفت بمواقفها الداعمة للثورة السورية والمُطالب الأول بحقوق الشعب السوري على مدى أعوام طوال حيث لم يتهاون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال إلقاء خطاباته الرسمية السابقة واصفاً الأسد بـ”القاتل والوحشي”، لكن الخطاب الأخير كان مغايراً إلى حد كبير بالنسبة للبعض عندما صرح الرئيس التركي في خطابه الأخير قائلاً: “في السياسة لا يوجد خصومة ولا يوجد عداء ” على إثرها بدأت الأحداث والخطابات الرسمية التركية تتسارع بشكلٍ متزايد.
يدور الحديث حول رئيس وُصفَ بفاقد للشرعية من كل أطياف العالم، وهو الذي شرد أمةً بالكامل وقتل مليون شخص واعتقل الآلاف وابتدع طرقاً وحشية للتعذيب والتي لا تزال تمارس إلى الآن في المعتقلات، ناهيك عن الأعداد الكبيرة للمختفين قسراً منهم الأطفال والنساء دون أن يحرك المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ساكناً.
وبعد أن تسابقت عدة دول عربية للجلوس مع بشار الأسد اختلف الأمر بعض الشيء هنا، تَجمع تركيا مع سورية روابط مشتركة وحدود مشتركة وقدمت تركيا العديد من التنازلات والمقترحات لحل الأزمة السورية العالقة فضلاً عن العمليات العسكرية التركية التي أطلقتها قبل أعوام للقضاء على الإرهاب في مناطق أشعلت غضب السوريين ودفعتهم للخروج بمظاهرات منددة بالتقارب مع نظام الأسد، حاملين لافتات وشعارات تعبر عن رفضهم مصالحة الشخص الذي قتلهم وأبدع في قتلهم وتهجيرهم، وكان ذلك ابتداءً من منطقة غصن الزيتون إلى درع الفرات ومن ثَم إلى نبع السلام.
يقول الباحث السياسي التركي “بكير أتاجان” لـ “نداء بوست”: “تركيا ستبقى الضامن الوحيد للشعب السوري وللمعارضة السورية وكل مكونات المجتمع السوري بكافة أطيافه، تحملت تركيا مشاكل كبيرة وأعباء سياسية واقتصادية، كان من الضروري على تركيا اتخاذ خطوة جدّية لكي تحل مشكلة إنسانية متفاقمة، ألا وهي نقص المعونات الإغاثية دون التخلي عن الشعب السوري في داخل وخارج سورية”.
وأضاف “أتاجان” قائلاً: “تخلّي تركيا عن الشعب السوري هو تخليها عن جميع مصالحها في المنطقة وستعود بخسائر وهزيمة كبيرة للعاصمة أنقرة، تربطنا بسورية علاقة أخوية ومصيرية مشتركة وهي بوابة الشرق الأوسط وهذا ليس بالأمر السهل ونريد أن نكون صلة الوصل بين الشعب السوري بكل أطيافه لحل المشاكل التي نواجهها معاً”.
كما أشار الباحث التركي في حديثه معلقاً على الدور التركي لإنعاش نظام الأسد قائلاً: “لا أحد على وجه الكرة الأرضية يستطيع أن ينعش هذا النظام الهش، هذا نظام منتهٍ لا تركيا وروسيا ولا حتى الولايات المتحدة قادرة أن تحيي هذا النظام المتهالك”.
ويرى “أتاجان” أن الرغبة التركية تمثلت بإحياء اللقاءات على كافة المستويات لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لصياغة دستور جديد للبلاد، أرادت تركيا من خلالها البحث عن حل لمشكلة اللاجئين المتواجدين في الخيام في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية”.
شروط تركيا صعبة للغاية
ذكر “أتاجان” خلال حديثه أن الشروط التي وضعتها أنقرة في موسكو صعبة للغاية أمام نظام الأسد فلن يقبل بها ولن يطبقها على الإطلاق كـ “رجوع اللاجئين السورين وَفْق “ضمانات دولية” والإفراج عن المعتقلين ضِمن معايير دولية أيضاً تغيير الدستور وكتابة دستور جديد للبلاد”.
“من المرجح أيضاً أن يلتقي وزراء الخارجية قريباً لكن النظام لن يفوت فرصة إلا ويعرقل كل المفاوضات التي جرت في موسكو ولن تقبل تركيا أيضاً التخلي عن مطالبها لكن ليس على حساب الشعب السوري”.
وحول ما إذا كان الرئيس التركي وبشار الأسد سيلتقيان أجاب “أتاجان”: أستبعد ذلك في الوقت الحالي ستطلب تركيا الكثير من هذا النظام وهناك عراقيل واضحة من كل الأطراف روسيا وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل، وروسيا ذات نفسها لا تريد إحراز أي تقدم فهي المستفيد الأكبر من هذه الجلسة، كل شيء يصب في مصلحة روسيا تريد إثبات وجودها وأنها صاحبة القرار الوحيد لذلك جاءت بنظام الأسد”.
وختم بقوله: “روسيا تستفيد من كل جلسة وكل اجتماع ولو كان بدون نتائج، مفتاح الحل هو روسيا وهي لا تريد الحل لذلك وجود تركيا على طاولة موسكو كان أكبر تنازل تقدمه تركيا حتى الآن لنظام الأسد الفاشل، تنازلت وبشكل كبير لكي تأتي بحل يناسب جميع الأطراف”.
ومن جانبٍ آخر يقول المعارض السياسي والرئيس السابق للأمانة العامة لإعلان دمشق “سمير نشار “: إن الموقف التركي لم يَعُدْ له أولوية بإسقاط نظام الأسد كما في السابق، تغير الموقف التركي بشكل تدريجي للتطبيع مع نظام الأسد وهو موقف في غاية السلبية تجاه القضية السورية، الآن هو عبارة عن أولوية للقضاء على قسد وإقامة حاجز بعمق 30 كم فقط” ولا ينسجم مع كل المتغيرات بما فيها القرار 2254 ويناقض كل القوانين المتفق عليها، وبالتالي الاجتماع الذي جرى في موسكو نسفَ ما ينص عليه هذا القرار.
“كل المسارات كانت غير ناجحة ولا تصب في مصلحة الشعب السوري ابتداءً من مسار أستانا الذي لا يمت بأي صلة للقرار الأممي إلى هيئة التفاوض وضمان انتقال العملية السياسية واللجنة الدستورية التي لم تحقق شيئاً”.
وأضاف “نشار” في حديثه: شهدنا مستويات للقاء بين الأطراف المعنية الأول كان المستوى الأمني الذي استمر لسنوات والثاني “حالياً” في موسكو وهوَ المستوى العسكري ممثلاً بوزراء الدفاع والمستوى السياسي بين وزراء الخارجية سنشهده قريباً وَفْق التصريحات الأخيرة، أما المستوى الأخير فسيكون بين بشار الأسد والرئيس التركي” ربما تكون هذه أجندة قبل الانتخابات التركية المرتقبة وهناك مواقف أولوية لتركيا وهي محاربة قسد للحفاظ على الأمن القومي “وهذه نقطة صعبة بالنسبة للولايات المتحدة بحيث تمنع أي أحد من الاقتراب من منطقة شرق الفرات” وبالتالي لن تتنازل قسد لأحد فهي تفضل البقاء مع حليفتها الولايات المتحدة على أن تكون مع نظام الأسد ” لكن هناك تتويج للتطبيع التركي مع نظام الأسد”.
ونوه “نشار” بأن: “هناك عراقيل دولية بوجه تركيا يعتبرها الغرب أنها “حليف مزعج” وهي عضو في حلف الناتو ولا تطبق العقوبات على روسيا وإيران وتضع العراقيل أمام انضمام فنلندا والسويد وهناك مشاكل اليونان وقبرص أيضاً ستنعكس بنتائجها على القرار التركي المصيري في المنطقة”.
ويرى “نشار” أن روسيا أرادت أن تضغط على نظام بشار الأسد وتأتي به إلى موسكو لأنها بحاجة إلى الوسيط التركي في الأزمة الأوكرانية على عكس الموقف الأمريكي صاحب القرار الأساسي”.
وختم “نشار حديثه قائلاً: “الحلقة المفقودة هي إيران في الاجتماع وهي حليف أول لروسيا وللنظام وتركيا ومن جهة أخرى الولايات المتحدة لو رأت بأن هناك شيئاً يُخالف قانون قيصر لن تقف بوجه أحد شاهدنا ذلك في عدة مرات عندما أرادت الجزائر وروسيا إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية واتفاق خط الغاز بين مصر والأردن ولبنان كان هناك قانون قيصر عائقاً بوجه مصر كلها مؤشرات على موقف الولايات المتحدة”.
تختلف الأسباب والدوافع وراء “لقاء موسكو” لا سيما بعد أن أثارت التصريحات التركية الجدل في الأوساط السياسية بما سيحدث بعد أن تتم اللقاءات الجديدة بين وزراء الخارجية بالتزامن مع تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بأنه ربما يحاور رأس النظام السوري “بشار الأسد”.
دلالات كثيرة ومسوغات كانت على الطاولة ناقشها الجانبان دون الكشف عن التفاصيل سوى أن الأمور تسير بشكل إيجابي دون التطرق إلى الانعكاسات العسكرية والميدانية رغم اختلاف المصالح واختلاف النظرة على الجغرافيا السورية هل تعيد هذه الاجتماعات نظام الأسد إلى الواجهة بعد سنوات من القطيعة أم أنها مجرد ورقة تلعبها روسيا بين الكبار لإثبات وجودها في ظل الخسائر التي تكبدتها في أوكرانيا دون التنازل أمام أي أحد حتى الحلفاء كـ”تركيا وإيران”.