المصدر: أوراسيا ريفيو
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: أسامة الشريف
بالنسبة للأردن، البلد الذي خرج سالماً نسبياً من رماد الربيع العربي، كانت الحرب المُستعرة في سورية المجاورة دائماً مصدر قلق قومي وأمني رئيسي له. وعلى مدى عقود، اتّسمت العلاقات بين البلدين بالشكوك المتبادلة والاختلافات الأيديولوجية وتحالفات وأجندات إقليمية وعالمية مُتعارضة. وكانت محاولة بشار الأسد المُبكّرة لجعل بلاده بلداً يتّسم بالليبرالية والخروج من الإرث الاستبدادي لوالده قصيرة العمر. وقد أحرز الملك عبد الله والأسد بعض التقدم في محاولة بناء علاقة شخصية، لكن ذلك أيضاً خرج عن مساره بسبب الأحداث المحلية والإقليمية.
وأدّى اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011، والتي أعقبتها حرب عنيفة، إلى توقُّف العلاقات بين البلدين. وتذبذب موقف الأردن من الأزمة السورية، حيث دعا الملك عبد الله في إحدى المراحل الأسد إلى التنحي. واتهم النظام السوري الأردن بدعم الجماعات الثائرة السورية وتدريبها وتسليحها.
ولكن مع تدخُّل المزيد من الدول الأجنبية والجهات الفاعلة غير الحكومية للانحياز إلى جانب كل فريق في حرب النظام الوحشية، أعاد الأردن تقييم موقفه. ومع ظهور تنظيم “داعش” في سورية والعراق، مهدداً بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها، ومع تغلغل إيران ووكلائها في عمق سورية للدفاع عن النظام، في حين أنشأت القوات التركية جيوباً داخل الأراضي السورية، تغيّر نهج الملك عبد الله تجاه الأزمة.
كان الملك، المُتورّط في الحرب ضد “داعش”، التي كانت تقترب من بلده، أول زعيم يُرحّب بالتدخّل العسكري الروسي في سورية في عام 2015 الذي أنقذ نظام الأسد المُحاصَر.
ومع رسوخ تواجُد القوات الروسية بقوة في معظم أنحاء سورية، توصّل الملك عبد الله والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تفاهُم يُبقي بموجبه الكرملين الميليشيات الموالية لإيران، بما في ذلك حزب الله والمتطرفون الآخرون، بعيداً قدر الإمكان عن حدود الأردن مع سورية. ومع وجود القوات الأمريكية في قاعدة “التنف” وشرق سورية، كان على الملك اجتياز عقبات جيوسياسية صعبة للحفاظ على تفاهُمه مع بوتين مع التأكّد من أن حلفاءه الأمريكيين يُقدّرون حساسية موقفه.
احتضن الأردن محاولة بوتين إيجاد أرضية سياسية مشتركة بين النظام والمعارضة السورية من خلال عمليتَيْ أستانا وسوتشي، مع دعم محادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة.
حتى بعد أن نجحت القوات الحكومية السورية أخيراً في استعادة درعا واستعادة السيطرة على معظم الحدود التي يبلغ طولها 360 كيلومتراً مع الأردن، كانت عمّان تأمل في أن تحترم دمشق تفاهماتها مع موسكو. وكان هذا الترتيب فعّالاً لبعض الوقت.
كان الملك قد فهم بعض الحقائق الأساسية حول الأزمة السورية، بعد أكثر من عَقْد من اندلاعها. عندما سافر إلى واشنطن في تموز/ يوليو 2021، حاملاً معه خارطة طريق لحلّ الأزمة التي تركّزت على إعادة تأهيل النظام بدلاً من استبداله. وحرصاً على إثبات وجهة نظره، أعطى الملك الضوء الأخضر لعملية تطبيع تدريجية بين عمّان ودمشق.
وشهدت تلك العملية إعادة فتح الحدود وتبادُل الزيارات الرسمية واستئناف الاجتماعات الوزارية المشتركة. وبلغت ذروتها بتلقي الملك عبد الله اتصالاً هاتفياً من الأسد في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للمرة الأولى منذ عام 2011.
وحصلت الأردن ومصر أيضاً على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لتزويد لبنان المُتعطش للطاقة بالغاز والكهرباء عَبْر الأراضي السورية.
لكن ربيع عمّان – دمشق انتهى. كان الأسد مُتردداً أو غير قادر على لقاء الملك عبد الله في منتصف الطريق، وكان على رئيس النظام السوري تنسيق تحركاته مع طهران وموسكو أولاً. وتوقفت جهود إعادة تأهيل النظام أيضاً بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير.
وفي أثناء ذلك، كان من أهم ما أثار إحباطَ الأردن، قيامُ المهربين السوريين بتصعيد جهودهم وزيادة أنشطتهم عَبْر الحدود الأردنية، مع زيادة ملحوظة في المحاولات أواخر العام الماضي. وفي كانون الثاني/ يناير اعترض الجيش الأردني وصدَّ عملية ضخمة أسفرت عن مقتل 27 مهرباً ومصادرة مخبأ ضخم من الحشيش وحبوب الكبتاغون.
وفي إحدى العمليات قُتِل ضابط أردني وأصيب ثلاثة من حرس الحدود.
وكان تواطؤ عناصر الجيش السوري في تسهيل ما وصفه الأردن بعملية منظمة واضحاً، ولم تتردد عمّان في إلقاء اللوم على النظام والميليشيات الموالية لإيران.
ويُعتقد أن هذه العمليات أصبحت مصدراً للأموال التي يحتاجها النظام بشدّة. في حين أن الأردن لا يزال بلد عبور لهذه العقاقير، والهدف هو أسواق الخليج، إلا أن هناك مؤشرات مقلقة على أن المزيد من المخدرات تجد طريقها الآن إلى الشوارع الأردنية. وأصبح الوضع مُريعاً لدرجة أن الجيش أمر بتغيير قواعد الاشتباك في شباط/ فبراير، مما أعطى الضباط حرية التصرّف في التعامل مع المُتسللين.
لهذا السبب حذّر الملك عبد الله الأسبوع الماضي، في مقابلة مع معهد “هوفر” بجامعة “ستانفورد”، من أنه بينما كان وجود روسيا في جنوب سورية مصدراً للهدوء، فإن أي “فراغ سوف يملؤه الإيرانيون ووكلاؤهم”، وأضاف أنه “لسوء الحظ، نحن نتوجّس ربما من تصعيد المشاكل على حدودنا”. أكثر بكثير من مُجرّد تحذير من فراغ روسي – والذي من المحتمل أن ينجم عن إعادة انتشار القوات في أوكرانيا، ومن المؤكد تقريباً أن تملأه إيران ووكلاؤها- كانت الرسالة أيضاً موجّهة للأسد، الذي أصبح رهينة لمشغّليه الإيرانيين. أنه غير قادر على إيقاف ما تراه عمّان الآن عدواناً سافراً على حدودها. إن خيارات الأسد الضعيفة تُعرّض جهود التطبيع للخطر، فالتطبيع هو أمر كان سيفيد دمشق أكثر من غيرها.