أنهى فريق من السوريين إعداد خطة إصلاح لمنطقة "رأس العين" في محافظة الحسكة، والواقعة ضمن نطاق عملية "نبع السلام"، وذلك بعد مشاورات ولقاءات مع الجانب التركي استمرت لعدة أسابيع، انتهت بالحصول على دعم تركي كامل للخطة.
وتركز الخطة على إعادة الحياة إلى المنطقة وتسهيل عودة سكانها، وذلك بعد تذليل العقبات التي تعترضهم، ومنها الانتشار المسلح داخل المدينة.
وانطلقت اللقاءات بين الجانبين السوري والتركي منذ آواخر شهر شباط/ فبراير الماضي، واستمرت إلى مطلع آذار/ مارس الحالي، حيث مثل الفريق السوري القيادي في الجيش الوطني "مصطفى سيجري"، ومن الجانب التركي حضرت قيادات مسؤولة عن منطقة "نبع السلام".
وأكد مصدر مطلع على التفاصيل لموقع "نداء بوست" أن اللقاءات في بدايتها ناقشت حلول لبعض المشاكل التي باتت تؤرق السكان المحليين، وقد لمس الفريق السوري رغبة كبيرة وجدية لدى الجانب التركي لضبط الأمن، وحماية السلم الأهلي وإصلاح المنطقة على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والعسكرية في منطقة عملية "نبع السلام"، وخاصة في مدينة "رأس العين".
وبعد عدة جلسات بين الطرفين تم التوافق على تفويض "مصطفى سيجري" بالإشراف على تنفيذ خطة الإصلاح في منطقة "رأس العين".
ويأتي على قائمة الأولويات التي تضمنتها خطة الإصلاح تسهيل عودة السكان إلى المنطقة ومن مختلف الطوائف والأقليات، وصيانة دور العبادة من مساجد وكنائس، والعمل على تنظيم الانتشار العسكري وتوحيد قيادته، وصولاً إلى ضبط الأمن ووقف الهجمات عن طريق العربات المفخخة والعبوات الناسفة بما يضمن السلامة العامة.
وفي وقت سابق قدمت مدينة "تل أبيض" في ريف الرقة الواقعة ضمن نطاق عملية "نبع السلام" نموذجا يمكن تعميمه، وذلك عندما سمى الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني السوري القيادي "حسام ياسين" قائداً لجميع الفصائل التابعة للفيلق في المنطقة صيف عام 2020، الأمر الذي سهل عملية إعادة الانتشار العسكري، ووضع خطة أمنية لمواجهة الهجمات بالسيارات المفخخة، وقد ساهمت هذه الخطوة بتحسين التنسيق مع الجانب التركي.
خطوات تنفيذية
بدأ الفريق السوري بالخطوات التنفيذية مع مطلع شهر آذار/ مارس الجاري، وذلك من خلال جولات ميدانية في منطقة "رأس العين"، تضمنت اللقاء مع الجهات الفاعلة ميدانياً، بالإضافة إلى الاجتماعات المكثفة مع المكونات الشعبية وممثلين لمختلف المكونات العرقية والدينية.
والتقى الفريق السوري المسؤول عن عملية الإصلاح مع أبناء كنيسة السريان الأرثوذوكس، وأبناء كنيسة السريان الكاثوليك، وأبناء كنيسة الأرمن الأرثوذوكس، ومع ممثلين عن الأقلية الشيشانية، وممثلين عن السكان العرب والأكراد.
واستمع الوفد السوري الذي يرأسه "سيجري" لمقترحات الفعاليات الشعبية التي تهدف لإصلاح المجلس المحلي والوضع الأمني وتنظيم الانتشار العسكري، وتسلم الوفد الشكاوى حول التجاوزات التي حصلت نتيجة استمرار العمليات الأمنية وملاحقة خلايا تنظيم "YPG" التي تنشط بشكل مستمر ومسؤولة عن تنفيذ هجمات بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة.
وعود تركية بـ "قرارات جريئة"
قدم الوفد السوري إلى الجانب التركي بعد جولته في منطقة "رأس العين" بريف الحسكة تصوراً عن آلية الإصلاح في المنطقة.
وبحسب مصادر "نداء بوست" فإن القيادات التركية المسؤولة عن المنطقة أبدت استعداداً لدعم خطة الإصلاح بالكامل، ووعدت باتخاذ "خطوات جريئة" تتناسب مع الواقع، ابتداءً من إفراغ مدينة "رأس العين" من الانتشار العسكري وتكليف جهاز شرطة بضبط الأمن فيها، وانتهاءً بإبداء الاستعداد لتنفيذ حملات لمكافحة فوضى انتشار السلاح والمجموعات المسلحة التي ترتكب تجاوزات.
وأكد المسؤولين الأتراك أنهم يرغبون بإنهاء حالة التجاوزات التي تتم في مناطق الانتشار التركي، والتي تحصل أحياناً نتيجة بعض العمليات الأمنية أو نتيجة استخدام بعض المجموعات العسكرية بشكل خاطئ لنفوذها وصلاحيتها بذريعة مكافحة الإرهاب، موضحين أن هذا الملف بات أولوية بالنسبة للجانب التركي ويريدون وضع الحلول له بأسرع وقت ممكن بما يضمن استقرار المناطق التي تم إخراج تنظيمي الدولة و "YPG" منها.
ويبدو أن الجانب التركي يريد قطع الطريق على استثمار بعض الجهات في ملف الانتهاكات التي تحصل من قبل فصائل مدعومة من أنقرة في مناطق "درع الفرات" و "غصن الزيتون" و "نبع السلام".
وفي شهر أيلول/ سبتمبر عام 2020 أصدرت الأمم المتحدة تقريراً تحدثت فيه عن انتهاكات تقوم بها فصائل تتبع لـ "الجيش الوطني" في عفرين شمال حلب، تضمنت حجز حرية غير قانوني ونهب ممتلكات خاصة والاستيلاء عليها، مشيرةً إلى تورط فصائل محددة بهذه الانتهاكات مثل "فرقة السلطان مراد" و "فرقة الحمزة".
ومن جهة أخرى فإن التحركات التركية في شمال شرق سوريا والعمل على الاستقرار وحماية السلم الأهلي، خاصة بما يتعلق بمجال الأقليات فإنه يأتي في سياق الرسائل الإيجابية باتجاه الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة "بايدن"، التي تولي أهمية خاصة لتعزيز الديمقراطية وحماية الأقليات.
تحديات
على الرغم من الاتجاه المشترك من الأطراف السورية، والجانب التركي إلى إصلاح المنطقة وبسط الاستقرار فيها، إلا أن ذلك لن يخلو من مواجهة جملة تحديات.
ويكمن التحدي الأول في انتشار فصائل عسكرية عديدة في منطقة "رأس العين" لا تتبع لقيادة موحدة، وهذا قد يحول دون التزامها بقرار مركزي يخص إعادة انتشارها وتمركزها في خطوط التماس فقط، إذ أنه بدون إعادة الانتشار هذه سيبدو من الصعب إقناع السكان المحليين بالعودة إلى مناطقهم.
كما أن قضية هيكلة الأجهزة الأمنية وإنشاء جهاز أمني لا يدين بالولاء لأي فصيل عسكري، تعتبر من التحديات البارزة، يضاف إلى ذلك ضرورة إصلاح جهاز الشرطة العسكرية الذي قدمت الفعاليات الشعبية في "رأس العين" ملاحظات كثيرة حول عمليه وقدرته على ضبط التجاوزات.
يضاف إلى ذلك بأن العائلات التي كان أحد أفرادها مجند بشكل قسري في صفوف تنظيم "YPG" قد غادرت المنطقة خوفاً من ملاحقتها أمنياً، وتبدو عودتها صعبة دون صدور عفو عام يخص المجندين قسرياً في صفوف التنظيم وأقاربهم.