نداء بوست- التحقيقات والمتابعات- كندة الأحمد
يدور الحديث هذه المرة حول “تحقيق الطمأنينة والهدوء وإحلال السلام في المنطقة” لكن بالحوار مع الأسد. كلمات قالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد الاجتماعات الوزارية التي جرت في موسكو بين وزراء الدفاع التركي والروسي ونظيرهم وزير الدفاع في نظام الأسد.
لم يكن الأمر مطروحاً أو مُتعارَفاً عليه خلال السنوات السابقة من الصراع، سعت أنقرة لطمأنة المعارضة السورية مؤكدة دعمها وحرصها لتلبية مطالب الشعب السوري، وبأنها لن تتخذ أي خطوة تضر بمصلحة الشعب السوري الذي يقيم داخل وخارج سورية.
الدوافع التي جعلت تركيا تقدم تنازلاً وُصِفَ بالصعب للجلوس مع نظام الأسد الذي فتح بوابة أسمتها أنقرة “بوابة الإرهاب” ودفع بموجات نزوح كبيرة شكلت عبئاً على الدولة فضلاً عن الخسائر العسكرية والبشرية التي تكبدتها العاصمة بإطلاق العمليات العسكرية شمال سورية ومجابهة قسد التي تشكل الخطر الأكبر على الشريط الحدودي باستهداف القرى والبلدات المحاذية للحدود السورية.
الدفاع التركية: محادثاتنا مع الجانب السوري جرت بـ “نوايا حسنة”
الأسد ليس مُحاوِراً جيداً
لم تجد أنقرة سَبيلاً للحل سوى أن تذهب مع النظام السوري لأبعد نقطة أرادت روسيا أن تحطّ رحالها بها، وبالرغم من معرفة الأتراك الجيدة بمراوغة النظام الذي عثَّر مسار كل المفاوضات السياسية وعرقل عملية الحل السياسي التي طُرحت عليه منذ سنواتٍ عدة ورفض الحوار بكل أشكاله، وافقت على مقترحات لم يُذكر منها شيء سوى أنها شروط صعبة لن يطبقها نظام الأسد، أثار الحرب الأوكرانية التي عصفت بالكرملين من جانب، رغم الضغوط الروسية على أنقرة واختلاف المصالح من جانب آخر تزامناً مع رفض الولايات المتحدة لانهيار جسر الدعم لقسد في منطقة شرق الفرات.
الخريطة السياسية المعقدة
يقول الخبير العسكري العميد “أحمد رحال “لـ “نداء بوست”: لم يتأتَّ القرار التركي بالمصالحة مع الأسد من فراغ، بل ركنت إليه أنقرة عَبْر خطّة عملت عليها وزارة الخارجية الروسية، من خلال جهود مكثفة لوزيرها لافروف الذي مارس كل أشكال الضغط على أنقرة للقبول بالخطّة الروسية.
وأضاف “رحال”: “تعاملت أنقرة بإيجابية مع الطروحات الروسية ووافقت على الخطة، لكن بعد إدخال تعديلاتٍ ومقترحاتٍ” ثم ما لبث الرئيس أردوغان أن طرح دعوته إلى قمة ثلاثية تجمعه مع الأسد، بحضور الرئيس الروسي بوتين الذي رحّب بالمبادرة التركية، واعتبرها خطوة إيجابية من نظيره التركي”.
كما أشار “رحال في حديثه ” كان متوقعاً أن يتلقف نظام الأسد الطرح التركي ويتجاوب معه، على الأقل لتخفيف الحصار السياسي والدبلوماسي المفروض عليه، وباعتبار أنّ الدعوة قادمة من دولةٍ لطالما تحدّثت عن ضرورة إسقاط الأسد ونظامه، بل تحدّثت عن قرب الصلاة في الجامع الأموي في دمشق وزيارة قبر صلاح الدين بعد مساهمتها بإسقاط نظام الأسد”.
ونوَّه “رحال” بأنّ اللقاء مع الأسد ليس مجانياً، وأنّ هناك شروطاً على دمشق التزامها قبل حصول أي لقاء على مستوى الرؤساء، والذي، كما قال، لن يكون على حساب حلفاء تركيا في المعارضة السورية، ومن الشروط التي أكّدها كالن أن تتصرّف القيادة السورية بمسؤولية، وأن تبدد كلّ المخاوف التركية، وأن تتعامل وفود دمشق مع مفاوضات المسار السياسي بإيجابية”.
يرى “رحال” بأن الجميع يعلم بمفاصل الوضع داخل سلطة نظام الأسد وأنّ دمشق غير قادرة على تنفيذ أيٍّ من البنود السابقة؛ لأنّ أيَّ تقدُّم في المسار السياسي يعني الانتقال إلى النقاش بهيئة الحكم الانتقالي وَفْق مدرجات قرار مجلس الأمن 2254، وأي تقدُّم في المفاوضات السياسية يعني اهتزاز كرسي السلطة الذي يصادره بشار الأسد منذ 22 عاماً”.
وختم رحال قائلاً: “لا قدرة لبشار الأسد على تنفيذ قرارات أنقرة بعد الفلتان الأمني الذي تعاني منه مناطق سيطرته، نظراً إلى غياب القيادة الحقيقية القادرة على ضبط عمل أجهزة الاستخبارات، إضافة إلى تنوُّع مصادر القرار لدى أجهزة استخبارات الأسد، فمنها مَن يتبع قصر المهاجرين في دمشق، ومنها مَن يتبع الحرس الثوري الإيراني، ومنها من يعمل بأوامر من قاعدة حميميم الروسية، أما ضمان حدود تركيا، فهذا الأمر من شِبه المستحيل أن يلتزم به بشار الأسد”.
مُعتبِراً أن كامل الحدود السورية مع الدول المجاورة أصبحت تحت نفوذ إيران أو حزب الله أو ميليشيات عراقية تعمل بالأجندة الإيرانية أو خارجة عن سيطرة الأسد (قسد والجيش الوطني).
يقول الكاتب الصحافي التركي “إسماعيل شوكتان” لنداء بوست: “مضى أكثر من 11 عاماً على انطلاق الثورة السورية وتحمّل كلّ من تركيا وروسيا أعباء هذه الثورة، التي تحولت إلى وسيلة للتدخلات الخارجية، وظهور تنظيمات إرهابية، كما أنها دفعت بموجة نزوح كبيرة، ومن جهة أخرى دفعت بتكلفة مالية وعسكرية كبيرة لروسيا.
وأضاف “شوكتان”: إن من أبرز هذه الأسباب أيضاً عامل الضغط الذي مارسته المعارضة التركية للضغط على حزب العدالة والتنمية، مما اضطر الأخير للبحث عن حلول لهذه المشاكل، وتكون الانتخابات الرئاسية عاملاً لكسب للوقت”.
مشيراً في حديثه قائلاً: الدور الروسي كان وسيطاً في هذه المحادثات تزامناً مع الحرب المشتعلة في شمال البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا وأجبر موسكو على البحث عن طرق للتخلص من أعباء حرب سورية بأقل خسارة”.
كما نوه “شوكتان” بأن أهمية التقارب الذي حصل بين الطرفين، تحمل رسالة من أنقرة وموسكو مفادها أن كِلا الطرفين يحتاج للحل في سورية، ومن أهم انعكاسات هذا التقارب هو إدراك النظام السوري أنه لا حل عسكري لهذه الأزمة ولا بد أن ينخرط لمبادرات الحل السياسي ضِمن قرارات دولية”.
يرى الكاتب الصحافي أن المعارضة السورية دائماً تؤكد على أنها تسعى لحل سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري وأن النظام هو مَن يماطل في الأمر، ولم يحرز أي تقدم سواء في مفاوضات جنيف أو مفاوضات أستانا، ومن جانب آخر كانت هناك مظاهرات شعبية في كل من ريفَي إدلب وحلب شمالاً ودرعا وسويداء جنوباً ضد المصالحة مع النظام، بالنسبة للمعارضة إن التقدم في مسار الحل سياسي في إطار القرارات المذكورة هو أمر مرحَّب به، لكن الانحراف عن هذا المسار غير مقبول وفي حال أخذ التقارب بُعداً آخر لا تملك المعارضة خياراً إلا افتراق طريقها عن تركيا وهذا أمر صعب بالنسبة لها.
وإذا اعتبرنا هيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب جزءاً من المعارضة نرى أنها لم تشارك أساساً في المسار السياسي ضمن إطار القرارات الأممية وأكد زعيم الهيئة “أبو محمد الجولاني” أنهم مستعدون للدفاع عن أنفسهم ومنطقتهم إذا استوجب الأمر وهذا يعني أنه وفي حال اتجه التقارب وأخذ بُعداً آخر من الممكن أن نشهد حرباً جديدة بين الهيئة والنظام المدعوم من روسيا وهذا يشكل خطراً على الأمن القومي التركي “على حد تعبيره.
رسالة إلى روسيا
وختم “شوكتان” قائلاً: إن اللقاء المحتمل “بالضغط الروسي” بين أردوغان وبشار الأسد لا يعني أن تركيا تقبل بهذا النظام، تسعى الحكومة التركية لمنع فقدان القوة المحلية قُبيل الانتخابات الرئاسية والقيام بإرسال رسالة إلى روسيا من أجل قيامها بواجباتها ضد خطر الإرهاب المستجد على حدودها الجنوبية. كما أن المسؤولين الأتراك حددوا إطاراً لهذا اللقاء مؤكدين أن انسحاب تركيا من شمال سورية قبل الوصول إلى حل سياسي هو أمر مستحيل لذلك أعتقد أن الرئيس التركي يسعى لكسب الوقت بلقائه مع رأس النظام السوري “بشار الأسد” وتسعى أنقرة لتشكيل شراكة مع النظام لمحاربة تنظيم PYD/PKK الإرهابي “.
لقاءات مع نظام الأسد مرتقبة قُبيل الانتخابات الرئاسية التركية دفعت أنقرة بجهودها الحثيثة لتلبية الرغبة الروسية بالجلوس مع نظام الأسد في موسكو.
أكثر من 11 عاماً على مرور الثورة السورية أوقعت صدى في نفوس السوريين وأحدثت شرخاً قد يعتبره البعض تخلِّي الجارة الشقيقة تركيا عن مطالب ما وصفتهم يوماً بـ “المهاجرين والأنصار” وكانت تركيا خير مجير للمظلومين السوريين الذين يقيمون على أراضيها منتظرين الإنصاف بحقهم وفيما يتعلق بعودتهم إلى الديار أم مصالحة القاتل الذي هجّرهم من منازلهم لتسمى بدورها “العودة الطوعية”.