استطاع ساري الخروج من تحت الأنقاض مرتين، إحداهما قيَّد الركام حركته لعدة ساعات استرجع خلالها حياته قبل أن يتمكن المسعفون من إخراجه.
في ألمانيا كان ساري حديث السهرات فقصة وصوله إلى ألمانيا نكاد لا نشاهدها إلا في هوليوود وللحق فإن قصص السوريين التي أصبحنا نعتادها تشكل مادة دسمة لآلاف الروايات والسيناريوهات.
منذ 2011 تراجعت صناعة الأفلام والمسلسلات السورية بشكل ملحوظ وقد تداخلت أسباب هذا التراجع بتداخل أسباب تراجع كل شيء في سورية تقريباً، في المقابل شهد الإعلام السوري مستوى غير مسبوق من النشاط المتحرر من القيود حيث شاهدنا ظاهرة المواطن الصحافي وتصاعد عدد الوكالات الإعلامية السورية وولادة قنوات وبرامج تلفزيونية متعددة كما شهد الفيلم الوثائقي السوري طفرة غير مسبوقة.
يغيب عن هذا المشهد قدرتنا على نقل مشاعرنا التي لا نملك وثائق عليها إلى قصص يمكن استثمارها، الاستثمار السياسي والاقتصادي للقصة يعد أحد أهم عناصر النجاح والوصول إلى تحقيق الأهداف المرسومة لهذا الاستثمار. كسوريين نمتلك اليوم كنزاً من الذكريات التي يعد معظمها مؤلماً وعنيفاً ومشوقاً، وهذه التصنيفات بالضبط هي التي تحقق أعلى حصاد في شبابيك التذاكر للأفلام السينمائية، فما الذي يمنع أن نحول قصصنا إلى صور يمكن أن يتم نقلها للعالم؟.
تتنوع جغرافيا الشمال السوري بين سهول وجبال، بيوت مدمرة وأخرى مبنية حديثاً، خيام، سلاح من مختلف العيارات، ومواهب شابة تطمح أن تجد فرصاً للعمل، لدينا مصورون عملوا في ظروف صعبة ومعدات أولية بسيطة لزوم عمليات الإنتاج، وكل هذا إضافة للقصة نفسها قد يشكل لبنة رئيسية لبناء مدينة تصوير قادرة على جذب المخرجين الطموحين للاستفادة من هذه البيئة المتنوعة والغنية بالمواد والأفكار. المدينة السينمائية هي إحدى الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تنجز في الشمال السوري، ولا يمنع أن يكون لدينا معهد للفنون السينمائية أو المسرحية فهو سيشكل عنصراً جاذباً للمواهب فيساعد على تطويرها وصقلها ونقلها من عالم الهواية إلى عالم الاحتراف.
معظم المدن السينمائية تكلف ملايين الدولارات، وهي أرقام كبيرة على بلد مثل سورية، وقد يقول البعض إن هناك قطاعات أكثر أولوية كالقطاع الغذائي مثلاً أو القطاع الطبي، ولكن على جانب آخر إلى متى سنبقى ندفع دون عوائد، لماذا لا يكون لدينا قطاعات استثمارية تعتمد على ما لدينا من مقومات أولية. دعونا نحول محنتنا إلى فرصة ونزيد من قدرتنا على تطوير الفرص في كل مجال بما في ذلك مجال الإعلام ليكون قادراً على تشغيل المئات وتحقيق أرباح للمستثمرين وبالتالي تشجيعهم على صرف المزيد على البنى التحتية في مختلف القطاعات.
الأستديو المفترض في الشمال السوري والذي قد يحمل اسماً كسيريا وود على غرار هوليوود وبوليوود وغيرها سيكون استثماراً تجارياً رابحاً، ومعلماً ثقافياً وحضارياً بارزاً وإثباتاً على أننا قادرون على الاستفادة من الظروف وقلبها لصالحنا، والأهم من كل ذلك هو أن أستديو كهذا يمكن له أن يحول أحلامنا وآمالنا وآلامنا، قصص حبنا وشغفنا، تجاربنا الشخصية واللحظات الطويلة التي عشناها إلى وقائع قابلة للحياة تجسدها شخصيات ذات موهبة تنقل للعالم ما يعانيه ملايين السوريين بشكل يوميّ.