"نداء بوست" – متابعة وتحقيقات – محمد السكري
يواصل "لواء الباقر" بسط سيطرته على أحياء حلب الشرقية بعدما نجح النظام السوري بفرض تهجير قسري على سكان تلك الأحياء خلال تسوية عُقدت بين قوات النظام والمعارضة السورية بوساطة روسية تركية، بعدما أطبق النظام السوري حصاره الكامل على المدينة في كانون الأول/ ديسمبر 2016، فلم يتوانَ "اللواء" في تحويل هذه المناطق التي أخرج منها سكانها إلى ثكنات عسكرية تعجُّ وتمتلئ بصور ورموز شيعية ولا سيما أحياء "المرجة" و"باب النيرب" و"الميسر" و"ضهرة عواد"، و"البلورة"، وفي "تل شغيب" في الريف الجنوبي الشرقي، وفي مدينة "سفيرة"، وفي "تل حاصل".
لا شكّ أنَّ اللواء يُعتبر ذراع إيران في حلب، وهو جزء من تحركات طهران في المحافظة وسط المساعي الرامية إلى بسط سيطرة طهران على هذه البقعة الجغرافية الحساسة والمهمة ضِمن مشروعها الأيديولوجي في المنطقة العربية بشكل خاص.
وفي إطار ترسيخ الوجود الإيراني في حلب عملت على افتتاح قنصلية لها، وذلك خلال زيارة أعلن عنها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لدمشق منتصف العام الجاري وذلك بهدف توسيع التعاون الاقتصادي والثقافي والتجاري بين البلدين بحسب تعبير ظريف، هذا عدا الزيارات المتكررة التي تقوم بها شخصيات إيرانية رفيعة إلى حلب وتحديداً حي "البلورة" وتجمع "لواء الباقر" الأساسي شرق المدينة.
حلب مكسب لا تريد إيران التفريط به
في الحقيقة، الاهتمام الإيراني بمحافظة حلب يندرج في سياق الصراع على "ما تبقَّى" من مكاسب بين الأطراف الفاعلة الإقليمية والقطبية في الملف السوري ومع تزايُد الاهتمام الروسي بالجنوب السوري وشمال شرق سورية والشمال الغربي والتركيز الأمريكي على مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، والاهتمام التركي بمنطقة إدلب ومناطق نفوذها وسعيها المتواصل لإبعاد التنظيمات الإرهابية كحزب العمال الكردستاني عن حدودها ترى إيران أنَّ حلب هي الحلقة والخاصرة الأخيرة والأضعف بالنسبة للأطراف الأخرى لذلك تسعى بكل مجهودها وأدواتها للسيطرة على المدينة وترسيخ وجودها هناك.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنَّه من الصعب أن تقوم إيران بفرض سيطرتها على حلب ما دامت لا تمتلك حواضن اجتماعية بها، لذا تعتمد على "لواء الباقر" في عمليات التغيير الثقافي والديني والمذهبي عَبْر مَنْح مكاسب أو امتيازات تتعلق بالخدمات والحماية وغيرها للأهالي، مما دفع الكثير منهم لتغيير مذهبهم السني إلى الشيعي، كذلك يقوم اللواء بتجنيد العشرات من أهالي حلب ضِمن صفوفه مستغلاً الوضع الاقتصادي السيئ في المحافظة، كما عمدت القوات الإيرانية لتحويل حي البلورة إلى منطقة إيرانية تكتظ برموز شيعية وطائفية.
بينما يقوم خالد الحسين زعيم اللواء برفقة أبي العباس شقيقه وحسام الحسين، مسؤول العلاقات بشكل مستمر بزيارات إلى لبنان، في المقابل يقوم حزب الله بتدريب مجموعات من "لواء الباقر" وإرسال مجموعات من حزب الله إلى حلب للعمل معه.
حصة حلب الاقتصادية من نصيب إيران
لا يمكن قراءة السياسة الإيرانية في حلب بمعزل عن ربطها بمخاوف وتوجُّس طهران من إمكانية تركيز الفاعلين في الملف السوري على المحافظة كلما استطاعوا حسم ملفات أخرى ولا سيما ملفَّيْ شمال غرب سورية وشمال شرق سورية وتبلوُر الحل السياسي وَفْق ما تنصّ عليه القرارات الأممية، وتركز إيران على القطاع الاقتصادي المتهالك في المحافظة بعدما وجه النظام السوري أنظاره إلى كل من ريف حمص "حسيا" وريف دمشق "عدرا" لدعم قطاعه الاقتصادي.
بينما إيران ترى في ذلك فرصة جيدة لرفد وجودها عَبْر الاستثمار في القطاع الاقتصادي حيث تقوم بشكل شِبه مستمر وفود إيرانية معنيّة بالشأن الاقتصادي بزيارة حلب ودائماً ما يتم الاجتماع مع شخصيات اقتصادية خاصةً غرفة صناعة حلب على سبيل المثال.
في الواقع لم يخفِ كيوان كاشفي رئيس الغرفة المشتركة السورية الإيرانية وعضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة والمعادن الإيرانية أهمية المحافظة بالنسبة لطهران وعراقتها الصناعية مما يجعلها في أولويات الحسابات الإيرانية.
لا تقتصر الأهداف الإيرانية في حلب على التغيير الديمغرافي والثقافي وإحداث انْزِيَاح في التركيبة السكانية الاجتماعية، بل كذلك تريد بقاءً مُستداماً وطويل الأمد لها، وهذا من الصعب أن يتحقق بإغفال القطاع الحيوي في المحافظة ألَا هو الاقتصادي.
فكلما استطاعت إيران تحقيق تقدُّم في الملفات الاقتصادية والثقافية والعسكرية كلما شعرت بالاطمئنان أكثر حِيال استدامة بقائها في حلب وسط عدم اهتمام الفاعلين الآخرين.