ينبثق التصعيد البحريّ الأخير بين البلدين بشكل أساسيّ من الجهود الإيرانية لتمويل حزب الله، مما يؤكد الترابط المالي بين الميليشيات اللبنانية وطهران والنظام السوري.
مع تصدّر أخبار الهجمات الانتقامية ضد مصالح الشحن الخاصة بكل منهما عناوين الصحف مؤخرًا، يبدو أنّ إسرائيل وإيران في خضم نزاعٍ بحريّ في المنطقة الرمادية.
ومع ذلك، فإنّ عملية تهريب النفط في لبّ الأزمة لا تتعلق بالتّهربِ من العقوبات الإيرانية على نطاق واسع، بل تتعلق بتأمين الأموال للحرس الثوريّ ووكلائه الأجانب، وخاصة حزب الله.
عندما كشفت الإجراءات الأمريكية عن خطط تمويلٍ سابقة مقرها العراق، لجأ الحرس الثوري الإيراني إلى تهريب النفط إلى أماكن أبعد باعتباره مخطط تمويل غير مشروع قائم على التجارة، مما يسمح للتنظيم بتمويل وتسليح حزب الله مع الاستفادة أيضًا من نظام الأسد في سوريا.
يُحلل الجزء الأوّل من سلسلة (رصد السياسة) هذه كيفية عمل هذه المخططات وكيف سعت الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهتها؛ الجزء الثاني سيقيّم الجوانب العسكرية للحرب الجارية غير المُعلَنة في البحر.
الحاجة إلى طرق تمويلٍ جديدة
لسنوات، اعترضت البحرية الإسرائيلية سفن شحن تحمل أسلحة لجماعات مسلحة تدعمها إيران مثل حماس وحزب الله.
في عام 2017، زادت إسرائيل بشكل كبير من وتيرة هذا النشاط كجزء من "حملتها بين الحربين" الأوسع نطاقاً، وهو جهد عسكري في المنطقة الرمادية سعى إلى تعطيل الحشد العسكريّ الإيراني في سوريا دون إشعال حرب إقليمية.
من عام 2017 حتى صيف 2020، ورد أنّ القوات الإسرائيلية نفذت حوالي 1000 غارة جوية هناك، واستمرت هذه العمليات منذ ذلك الحين، مما يعقّد جهود الحرس الثوري الإيراني لإرسال الأموال والأسلحة إلى حزب الله عبر الرحلات الجوية من طهران إلى دمشق.
كما طوّرت إيران خططًا لتمويل مليشيا حزب الله من خلال البنوك والشركات العاملة في العراق.
في أيار/ مايو 2018، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية خطوة كبيرة نحو تعطيل هذه الخطط من خلال تصنيف محافظ البنك المركزي الإيراني "ولي الله سيف" ومسؤول آخر داخل المؤسسة بالإضافة للرئيس التنفيذي لبنك البلاد الإسلاميّ العراقي، إلى جانب "محمد قصير" المسؤول البارز في حزب الله على قوائم الخزانة للحظر.
وفقًا لمسؤولي وزارة الخزانة، عمل القصير "كقناة حاسمة" لمدفوعات الحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.
بمجرد انكشاف خط الأنابيب المصرفي العراقي، تحولوا إلى مخطط تمويل قائم على التجارة يشمل النفط الإيراني.
دور حزب الله في شبكة تهريب النفط
في سبتمبر 2019 ، أشار تقرير لوزارة الخزانة إلى أنّ إيران نقلت نفطًا "بقيمة مئات الملايين من الدولارات أو أكثر" عبر شبكة شحن غير مشروعة خلال العام السابق و قام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني- وحزب الله بتوجيه الشبكة، مما يعود بالفائدة على كلا التنظيمين ونظام الأسد. يُقال إنّ هذه الشبكة هي التي حفزت حملة الإعاقة البحرية الإسرائيلية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بعد ستة أشهر من اتخاذ إجراءات ضد البنك المركزي الإيراني وبنك البلاد الإسلامي العراقي، كشفت وزارة الخزانة عن مخطط تمويل إيراني معقد يشمل القصير وأعضاء آخرين في حزب الله.
من خلال العمل مع عملاء إيرانيين وشركات روسية ومصرف سوريا المركزي، سهّل مسؤولو حزب الله شحن ملايين البراميل من النفط الإيراني إلى نظام الأسد، ثم سهّل النظام تحويل مئات الملايين من الدولارات إلى فيلق القدس في الحرس الثوري، والذي بدوره أرسل الأموال إلى حزب الله وحماس.
وفي رسالةٍ إلى مسؤول كبير في البنك المركزي الإيراني، أكد قصير -يُعرف باسم "السيد فادي" في الوثيقة- وشريك سوري استلام 63 مليون دولار.
وفقًا لوزارة الخزانة، يرأس قصير أيضًا الوحدة 108، "وحدة حزب الله المسؤولة عن تسهيل نقل الأسلحة والتكنولوجيا وأنواع الدعم الأخرى من سوريا إلى لبنان"، في شباط/ فبراير 2019، ظهر كمدّون في صور ومقاطع فيديو عن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد السرية لطهران لعقد اجتماعات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي.
وبحسب ما ورد، تم اختيار قصير بعناية لتلك الزيارة من قبل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذي كان دوره في جهود التهريب مكثفًا قبل وفاته العام الماضي.
وفقًا لتصريحات وسائل الإعلام الإيرانية التي أدلى بها نائب الرئيس إسحاق جهان جيري، كان سليماني مسؤولًا شخصيًا عن بيع كمية غير معلنة من النفط الخام تحت إشراف مجلس الأمن القومي الأعلى، وغالبًا ما يستخدم أساليب "مبتكرة" و"عالية المخاطر". زعم جهان جيري أنّ سليماني كان في مرحلة ما القناة الوحيدة لبيع النفط الإيراني.
أدار سليماني هذا المخطط بمساعدة قصير، الذي اعتمد بدوره على زمرة من عناصر حزب الله، كان أحد هؤلاء الناشطين هو محمد قاسم البزال، الذي استخدم شبكة من الشركات، بما في ذلك مجموعة تلاقي، شركة حقول "ش.م.ل" في الخارج، نغم الحياة، توافق، وألميكس، من أجل "تمويل وتنسيق وإخفاء" شحنات النفط غير المشروعة.
في أيلول / سبتمبر2019، استهدفت وزارة الخزانة عدة مكونات لشبكة تهريب النفط، بما في ذلك مجموعة تلاقي، برز قصير وبزال وشركاتهما بشكل بارز في الشبكة المكشوفة، جنبًا إلى جنب مع علي قصير، ابن شقيق محمد.
شغل علي قصير ومقره في طهران، منصب ممثل حزب الله في إيران والعضو المنتدب لمجموعة تلاقي، وبهذه الصفة، كلّف السفن "بتسليم الشحنات للشبكة الإرهابية بناءً على توجيهات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني"، وفقًا لوثائق الحكومة الأمريكية.
على سبيل المثال، لعب دورًا مركزيًا في ملف الناقلة "أدريان داريا1" (Adrian Darya 1) لعام 2019، حيث عمل مع آخرين لتمويل وتسهيل شحنة النفط الإيرانية غير المشروعة إلى سوريا وسط اعتراضات غربية.
كما مثّل شركة حقول س.أ.ل. (Hokoul S.A.L) ومقرها لبنان، في الخارج في مفاوضات بشأن إمداداتها من الخام الإيراني إلى سوريا.
في نهاية المطاف، أشرف وزير النفط الإيراني السابق والمسؤول في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني رستم قاسمي، على هذه الشبكة المترامية الأطراف من عملاء حزب الله وشركات الواجهة، الذي يرأس أيضًا لجنة تطوير العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية.
بالإضافة إلى العناصر المذكورة أعلاه، اعتمد قاسمي أيضًا على ابنه مرتضى لإنهاء عقود النفط غير المشروعة، بما في ذلك بعض تلك العقود التي حاولوا اعتبارها قادمة من العراق بدلاً من إيران.
خاتمة
في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، نشر برنامج المكافآت من أجل العدالة الأمريكي مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للحصول على معلومات عن الشبكة.
لسنوات، شارك حزب الله بنشاط في مساعدة فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني وشبكته الدولية من التجار على الالتفاف على العقوبات وشحن المنتجات النّفطية مباشرة من إيران إلى سوريا.
وبالتالي، لا ينبغي أن تكون جهود إسرائيل لتعطيل مثل هذه الشحنات مفاجئة، خاصة بعد منتصف عام 2018، عندما أصبحت هذه الشحنات وسيلة طهران الأساسية لتمويل حزب الله، وفي بعض الحالات شملت الأسلحة أيضًا.
من المؤكد أنّ الجهود البحرية الإسرائيلية ليست واسعة النطاق مثل حملتها الجوية في سوريا، والتي قللت بشكل كبير من قدرة إيران على إرسال أسلحة حزب الله براً عبر البوكمال.
يبدو أنّ الجهد البحري يهدف إلى إعاقة، وليس شل شحنات النفط الإيراني، ربما بسبب ضعف ممرات الشحن الإسرائيلية عبر بحر العرب.
مع ذلك، تسببت تحركاتها البحرية في تأخيرات حرمت النّظام السوري من واردات البنزين ومنع وصول الأموال النقدية والأسلحة ومعدات إنتاج الصواريخ إلى حزب الله.
أكثر من أي شيء آخر، تؤكد هذه الحوادث على الترابط المالي المتزايد بين إيران وسوريا وحزب الله.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى / ترجمة: نداء بوست