المصدر: هآرتس
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: غادي توب و مايكل دوران (مايكل دوران هو زميل أقدم ومدير مركز السلام والأمن في معهد هدسون)
من الناحية العملية، سيكون من الصعب على الحلفاء الأمريكيين ردع إيران بأنفسهم. إسرائيل في وضع أفضل إلى حد ما في هذا الصدد وهي مُجهّزة بشكل أفضل لاتخاذ الإجراءات من الحلفاء الآخرين، وتحتفظ بالحق في القيام بعمليات مستقلة. وقد صرّح رئيس الوزراء نفتالي بينيت مؤخراً: “لقد قلت من قبل وأكرر هذا الآن”. “هذا الاتفاق لا يلزمنا، ومدة السنتين ونصف السنة التي تسمح لإيران بالبدء في بناء عدد لا حصر له من أجهزة الطرد المركزي بالتأكيد نحن بغنى عنها”. وقال بينيت هذا لمسؤولي الموساد أثناء زيارته لمنشأة الموساد. وأضاف أنه “بالطريقة التي تبدو عليها الآن، لن تعاني إيران من مُعوّقات في العمل”.
هذا نهج جدير بالثناء. السؤال الوحيد هو ما إذا كان بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد والحكومة التي يرأسونها مستعدين للتعامل مع الصراع مع إدارة بايدن الذي ستولده مثل هذه السياسة بالضرورة. من الواضح أنه مع احتدام المواجهة بين إسرائيل وإيران، فإن الإيرانيين سيفعلون كل ما في وسعهم لجر الأمريكيين إليها.
سوف يزعمون أن إسرائيل مبعوث للولايات المتحدة وسيستخدمون وكلاءهم لمهاجمة الأهداف الأمريكية كما فعلوا عدة مرات حتى الآن، كل ذلك لغرض جرّ الولايات المتحدة إلى المواجهة. لا يحتاج المرء إلى التخمين لفهم الهدف: إقناع إدارة بايدن بأن إسرائيل العزيزة على قلب الإدارة تهدد الاتفاق النووي، وإقناع الجمهور الأمريكي بأن إسرائيل تجرّ الولايات المتحدة إلى الحرب.
في مثل هذا السيناريو، هل يمكن للمرء أن يتوقع من إدارة بايدن دعم إسرائيل؟ أي شخص يعتقد أن هذا قد يحدث فهو لم يتابع الأحداث مؤخراً. الغريزة الأولى لإدارة بايدن، والفريق الذي ورثته عن باراك أوباما، هو تحميل إسرائيل مسؤولية أي تصعيد وتطالبها بضبط نفسها.
حان الوقت للبدء في التحضير للرد الإسرائيلي على هذا التحدي الوشيك. يجب أن يشمل الحل اتخاذ موقف مفتوح ضد السياسة الكارثية لإدارة بايدن في المنطقة. وحتى الآن، بذلت حكومة بينيت لابيد قصارى جهدها لتجنب الاحتكاك العلني مع الإدارة، متجنبة أي أعمال تحدّ مثل تلك التي اتخذها بنيامين نتنياهو خلال ولاية أوباما، في عام 2015. ويعترض كبار المسؤولين الإسرائيليين بشدة على سياسة بايدن في الخفاء، ويوصون بالعودة إلى سياسة إدارة ترامب المتمثلة في “الضغط الأقصى”.
لكن علناً، تبنّت إسرائيل رواية الإدارة الحالية، والتي تفيد بأن خروج ترامب من الاتفاق النووي كان العامل المُحفّز لتسريع برنامج إيران النووي العسكري. هذه الرواية خاطئة بشكل واضح. حتى لو افترضنا أن إيران لم تنتهك الاتفاق خلسةً -وهو افتراض نعلم أنه ليس صحيحاً- فإن حقيقة أنها قامت بتخصيب اليورانيوم إلى تركيزات من الدرجة العسكرية بمجرد انسحاب ترامب من الاتفاقية تشير إلى أن الاتفاق ترك لإيران كل الحق في امتلاك أدوات لتنفيذ خططها، وبسرعة كبيرة.
إذا تظاهر كبار المسؤولين في “تل أبيب” علانية بأنهم يقبلون هذا الادعاء الذي لا أساس له، فلن ينجحوا في تجنيد أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة ضد الاتفاقية. لأنه إذا كان الانسحاب من الصفقة خطأ، فكيف يمكن للمرء أن يجادل – كما يفعل الإسرائيليون خلف الأبواب المغلقة – بأن العودة إليها أمر خاطئ أيضاً؟
الرغبة المفرطة في الحفاظ على ما يشبه التعاون مع الإدارة دفعت إسرائيل إلى تبنّي الحديث الفارغ عن اتفاقية “أطول وأقوى”. الافتراض السائد هو أنه إذا تم الحفاظ على مظهر الحميمية، فستكون إسرائيل قادرة في المستقبل على استخدام الدبلوماسية الهادئة في جهودها لإقناع واشنطن، مما يؤدي في النهاية إلى الاعتراف بخطئها والتحول من الاسترضاء إلى الردع – إما بشكل مباشر، عن طريق الوسائل العسكرية الأمريكية (أو التهديد باستخدامها)، أو بشكل غير مباشر، من خلال دعم العمليات الإسرائيلية.
لا توجد فرصة لنجاح مثل هذه الخطة. فبعد كل شيء، يؤمن بايدن بالاتفاق النووي. إنه حجر الزاوية في سياسته الإقليمية. ويعتقد أن المصالحة ستخلق فرصة تاريخية لإعادة العلاقات الأمريكية الإيرانية وتوجيهها نحو مستقبل تعاوني. لماذا يتنحى ويسمح لإسرائيل بتخريب سياسة كان يعمل على الترويج لها؟
الاستنتاج من كل هذا أن إسرائيل لا تستطيع أن تتصرف بفاعلية ضد التسلّح النووي لإيران إذا رفضت منذ البداية الدخول في نقاش مفتوح وصادق مع حليفها. يجب عليها تطوير إستراتيجية الاحتجاج العلني على سياسة الاسترضاء الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار الاحتمال المعقول بأن إيران ستحاول جرّ الولايات المتحدة إلى الصراع. وبعبارة أخرى، عليها أن تتبنى سياسة لا تسمح للإدارة الأمريكية بتحريك الرأي العام الأمريكي ضد العمليات الإسرائيلية المستقلة.
هل يمكن تحقيق ذلك؟ لحسن الحظ، لدينا مثال على مثل هذه السياسة الناجحة. كانت هذه سياسة ونستون تشرشل في بداية الحرب العالمية الثانية. كانت المشكلة التي تواجه تشرشل مماثلة. فعندما اندلعت الحرب في أوروبا عام 1939، كان للمشاعر الانعزالية وزن كبير في الرأي العام الأمريكي. رغب العديد من الأمريكيين في تجنّب انجرار بلادهم إلى ما اعتبروه حرباً أوروبية. وسعى تشرشل إلى تعبئة الولايات المتحدة دون أن يبدو وكأنه يطلب من الولايات المتحدة خوض حروب بريطانيا من أجلها. وجد التوازن الصحيح في خطاب ألقاه في شهر شباط/ فبراير عام 1941. “ضع ثقتك بنا. قدّم لنا الأدوات وسننهي المهمة، “قال مخاطباً الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت مباشرة.
على إسرائيل أن تتبنى موقفاً مماثلاً، فالدعوة المباشرة للحصول على الأدوات التي ستمكّنها من هزيمة إيران، دون طلب مساعدة عسكرية أمريكية مباشرة، ستجبر الإدارة على تبرير توجهها المؤيد لإيران للجمهور الأمريكي، الذي كانت تحاول إخفاءه وراء الخطاب الكاذب بشأنه. اتفاق “أطول وأقوى”. صورة إيران في الولايات المتحدة سلبية بما يكفي لضمان هزيمة بايدن في أي منافسة على قلوب الناخبين إذا اضطر إلى الاعتراف صراحةً بأنه يفضل إيران على إسرائيل.
لا جدوى من انتظار استيقاظ إدارة بايدن من حلمها بأن التهدئة ستؤدي إلى اعتدال إيراني. السبيل الوحيد المتاح لإسرائيل هو إجبار الإدارة على تحمّل المسؤولية عن التناقضات التي تخلّقها سياستها، بما في ذلك إخفاء استرضائها وراء ستار من الخطاب حول عرقلة أو إبطاء برنامج إيران النووي العسكري. من المشكوك فيه أن يكون لدى إسرائيل العديد من الخيارات الأخرى إذا كانت تنوي رعاية مصالحها الحيوية.