نداء بوست – محمد الشيخ
شكّل يوم الثامن عشر من تموز/ يوليو عام 2012 يوماً فارقاً في تاريخ القضية السورية، ففيه قتلت مجموعة من رموز النظام السوري، وكبار ضباطه، بعملية تصفية ما زال الغموض يلفها إلى يومنا هذا.
وفي صباح ذلك اليوم، ضرب انفجار مجهول مبنى “الأمن القومي” بدمشق، المعروف بأنه شديد التحصين والحراسة الأمنية، والمحظور على السوريين الاقتراب منه حتى ما قبل عام 2011، ما أدى إلى مقتل كبار أعضاء “خلية الأزمة”، التي شكلها النظام لمواجهة الثورة.
وأسفر الانفجار عن مقتل كل من وزير الدفاع في ذلك الوقت العماد “داود راجحة”، ونائبه “آصف شوكت”، ورئيس مكتب الأمن القومي “هشام بختيار”، ورئيس خلية الأزمة العماد “حسن تركماني”، إضافة إلى إصابة وزير الداخلية اللواء “محمد الشعار”.
و”حسن تركماني” ينحدر من محافظة حلب، وشغل منصب معاون نائب رئيس النظام، ورئيس خلية الأزمة، ومناصب أخرى في وزارة الدفاع، منها رئاسة الأركان، فيما ولد “داود راجحة” في مدينة “عربين” بريف دمشق، وتم تعيينه في آب/ أغسطس 2011 وزيراً للدفاع.
وينحدر “آصف شوكت” من محافظة طرطوس، وهو زوج “بشرى” شقيقة “بشار الأسد”، وكان نائباً لوزير الدفاع، ورئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية، كما شغل في عام 2009 منصب نائب رئيس هيئة الأركان، وأما “بختيار” فشغل منصب رئيس مكتب الأمن القومي، ومدير إدارة المخابرات العامة.
وبالرغم من تبني فصائل في الجيش الحر العملية، إلا أن هناك من شكك بذلك، كون موقع الحادثة منطقة أمنية مغلقة، ومن المستحيل الوصول إليها، فضلاً عن بعض التقارير التي نفت وقوع الانفجار، وقالت إن نوافذ المبنى لم يصبها ضرر، مرجحة أن تكون عملية التصفية تمت بطريقة أخرى.
وفي 24 تموز/ يوليو من العام ذاته، أي بعد 6 أيام فقط من الحادثة، أعلن النظام السوري إلقاء القبض على منفذ التفجير، وزعم أن الشخص المعتقل كان أحد العاملين في مبنى الأمن القومي، وأن “أعداء سوريا استأجروه لتنفيذ هذه المهمة”.
وعقب الحادثة، تغيرت طريقة تعامل النظام السوري مع المدن والبلدات الثائرة، وصعد من وتيرة العنف والقصف، وأدخل سلاح الجو إلى خط المواجهة، حيث يرى بعض المتابعين للشأن السوري أن العملية استهدفت الضباط الذين يفضلون الحل السياسي على العسكري والأمني، وفتحت الباب نحو مواجهات مفتوحة بين النظام والشعب.
وتشير التحقيقات وتصريحات الضباط المنشقين عن النظام الذين كانوا مقربين من الخلية بحكم طبيعة عملهم، إلى أن عملية التصفية كانت مدبرة، ويعزز ذلك سرعة وصول وسائل إعلام النظام إلى المكان وبدؤها بالتغطية الإعلامية والبث المباشر في حدث يعتبر نادراً بسوريا التي تحكمها المؤسسات الأمنية.
ويدعم هذه الرواية غياب عدد من كبار الشخصيات التي كان من المفترض حضورها، كاللواء “علي مملوك”، الذي كان يشغل منصب رئيس شعبة أمن الدولة، واللواء “جميل الحسن” رئيس شعبة الاستخبارات الجوية، واللواء “عبدالفتاح قدسية” رئيس شعبة المخابرات العسكرية، وجميعهم يعتبرون من الأعضاء الأصليين في الخلية ومن صناع القرار في النظام.
وتؤكد مصادر متقاطعة أن الخلية كانت تجتمع عادة في مكتب “تركماني”، إلا أنها تبلغت في ذلك اليوم بأن الظروف غير مناسبة للاجتماع فيه، ويجب التوجه إلى مبنى الأمن القومي، وقيام “الشعار” بترك الاجتماع والذهاب لغسل يديه، لتنفجر حقيبته التي كانت موضوعه على الطاولة.
ومن المحتمل أن تكون الشخصيات التي قتلت كانت تخطط للانقلاب على “الأسد” بالتنسيق مع عدد من الدول الإقليمية والعربية الفاعلة في الملف السوري، بحكم علاقاتهم الدولية الكبيرة، وقدرتهم على تحقيق أمر كهذا.
ويرى الباحث في مركز “جسور” للدراسات “وائل علوان” أن الملف السوري تأثر بعد مقتل خلية الأزمة تأثراً كبيراً نحو زيادة العنف من قبل النظام، الذي تذرع بأن جهات متطرفة نفذتها، وتعد تهديداً خطيراً له ويجب التعامل معها بحزم وصرامة.
وأكد “علوان” في حديثه لموقع “نداء بوست” أن المعلومات المتقاطعة تقول إنه لا يمكن لأي جهة خارج النظام أن ترتب هذه العملية، كونها جرت في أكثر القلاع الأمنية حصانة، وهي غير قابلة للاختراق نهائياً، ولا يمكن أن تكون إلا تصفية حسابات داخل أذرع النظام المختلفة التي لم تكن على توافق.
ويعتقد محدثنا أن تكون إيران على علاقة بهذه العملية، كونها استهدفت المعارضين لها، وتلاها تسلم الشخصيات الموالية لها مناصب قيادية في الأفرع الأمنية، ولخشية طهران من المراجعة التي كان يجريها “بختيار” ومن معه لمبادرة تركية عربية، تتضمن إجراء تعديلات على بنية السلطة في سوريا.
وتبقى حقيقة ما جرى في ذلك اليوم، حبيسة بين رئيس النظام السوري “بشار الأسد” وشقيقه “ماهر”، ورئيس مكتب أمنه الوطني “علي مملوك”، إضافة إلى إيران وربما روسيا، خاصة وأن الشخصيات التي قتلت لا تقل دموية وعنفاً عن الضباط الذين خلفوهم.