ولا مرّة، على مدى تاريخ سورية المعاصر، شكّلت الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت البلد الشقيق، أي تهديد، لا حقيقيٍّ ولا مجازيّ، من شأنه أن يقلق وجود دولة الاحتلال الإسرائيليّ.
ولا مرّة كسر نظام حافظ الأسد شوكة العدو الرابض فوق أرض سورية في الجولان المحتل. في المقابل، فإن هذا العدو كسر شوكتنا في مناسبات عديدة ومديدة.
حافظ الأسد كان جاهزاً لغزو الأردن نهايات العام 1970، على أن يطلق رصاصة واحدة نحو العدو الحقيقيّ. حافظ الأسد أعلن سقوط القنيطرة قبل سقوطها بساعات (خائنات).
حافظ الأسد شقّ الصف الفلسطينيّ، مشتتاً دور المنظمات الفدائية الفلسطينية، وقاسماً ظهر ممكنات نضالها ضد العدو المشترك للأمّتيْن: العربية والإسلامية.
لم يخرج الابن عن طوع الأب، ولم يشكّل بشار الأسد ولا مرّة تهديداً حقيقياً لإسرائيل. ولا يعدو ما جرى عام 2006، أكثر من كونه فزاعة في حقلٍ ممتدٍّ للأعداء والنسيان.
في سياق متّصل لا تفكر إيران أن تقاوم خارج إطار الشعار، وحوثيوها في اليمن هم وجه آخر للرئيس المغدور علي عبد الله صالح، يقاومون إسرائيل بالجمل الرنّانة، وأما مسيّراتهم فنحو العمق العربي في واجهتنا السعودية.
ولا مرّة أعلن شيعة العراق على اختلاف أدبياتهم وألوان أحزابهم، عداء ناجزاً وحاسماً لبؤرة الاستعمار الباقية حتى يومنا هذا في فلسطين، التي لطالما دافع عنها (عن فلسطين) الجيش العراقي ببسالة لا ينكرها أحد.
ولا مرّة كانت روسيا الاتحادية وريثاً فكرياً سياسياً للاتحاد السوفييتي. وكل ما تحاوله، بنسختها البوتينية، أن يكون لها فرادتها في عالم القطب الواحد. وهي المحاولات التي قادتها لغير مستنقع عفن، كما، على سبيل المثال، ما فعلته ضد حلب مدينةً وذاكرةً وخصوصيةً ساطعة. وكما تفعل الآن ضد أوكرانيا.
ولكن، وأرجو وضع الخطوط اللازمة تحت هذه اللاكن، هذا لا يعني أن نظل متحجرين داخل قوقعات ثنائياتنا القاتلة: إذا كنت أكره طغاة سورية فعليّ أنْ لا أكره إسرائيل، بوصف الأخيرة عدوّة لهؤلاء الطغاة، وبوصفهم يقاومون هذا الكيان؛ فلا إسرائيل عدوّة للنظام السوري، ولا النظام السوري يفكّر في يوم من الأيام أن يحارب أو يحرر أو (يقاوم). فتلك ثنائية قاصرة موتورة لا تخدم قضية ولا تخلع طاغية.
كما أن عدائي لروسيا بوتين، لا يعني أن أنجرف، دون هوادة ولا تفكير، نحو لا مشروعية ما تفعله أوروبا والغرب على وجه العموم، وما يتبنّوه من ردود فعل، بعد إعلان بوتين الحرب على أوكرانيا. فكثير مما يجري يفوح برائحة القذارة من الأطراف جميعها لا أستثني أحداً.
كل هذا يعيدنا إلى الطامة الكبرى المتعلقة بردود أفعالنا، ولا نية تحقيقنا وجودنا المنقوش على مقاسات تطلعاتنا، وأحلام وجودنا الحر النبيه الواعي المستند إلى إرث وحضارة وعلم وإباء، الرافض كل هذا الضياع والخواء.
أن أكون ضد بشار لا يعني أن أكون مع إسرائيل، وأن أكون ضد بوتين لا يعني أن أكون مع أسوأ تمخضات الليبيرالية الجديدة المتوحشة الحاكمة بأمر القوة الغاشمة، السامحة لنفسها التحرك وفق عناوين عنصرية فوقية مقيتة لا تحترم قيمة، ولا تراعي معنى، ولا تخجل أن تقول نعم نحن نميّز بين لاجئين ولاجئين، ونحن نعشق العيون الزرقاء والملوّنة، ونحن عديمو الأخلاق، منزوعو الإنسانية، نسمح لأنفسنا وضع اليد على أرصدة، وسرقة أموال، ونهب شعوب، وقتل مطالب عادلة بالحرية والكرامة والعدالة والاستقلال، في حال كانت مطالب طالعة من شعوب أقل منّا شأناً وأدنى منّا رتبة وأغمق منّا بشرة!!
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية