“نداء بوست”- عواد علي- بغداد
أثار قرار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر الأخير، القاضي بالانسحاب من البرلمان العراقي والعملية السياسية، جدلاً في العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، دافعاً إياها إلى التساؤل “هل القرار حركة ذكية أم فشل سياسي؟”.
من بين هذه الوسائل موقع “الأهرام أون لاين” المصري، الذي وصف القرار، حسبما أوردت شبكة “المطلع” الإخبارية، بأنه شكل “صدمة” للعالم، وترك الأحزاب المنافسة للصدر في موقع قوة غير مسبوقة، مع اقترابهم من تحقيق الأغلبية السياسية المطلوبة لتمرير الحكومة المقبلة، دون مشاركة الصدريين هذه المرة، الأمر الذي لم يسبق حصوله في العملية السياسية العراقية منذ تأسيسها عام 2003.
وأضاف الموقع أن الصدر، الذي نجح بتقديم نفسه خلال الفترة الماضية زعيماً شيعياً وطنياً، فشل خلال المرحلة الماضية في تحقيق أغلبية سياسية كافية للقضاء على منافسيه.
وهو أمر عزاه الموقع إلى عدة أسباب، منها ثقة الصدر المفرطة بحلفائه، ورغبتهم في العمل على تنفيذ طموحاته السياسية، وتقليل شأن الأحزاب المنافسة التي نجحت في عرقلة مساعيه حتى دفعه نحو الاستقالة.
ووصف الموقع قرار الصدر بأنه “جنوني وغريب”، وقد يقود البلاد إلى حرب أهلية، في ظل التوقعات بسعي الصدر إلى العمل على الدفع بانهيار النظام السياسي الحالي من خلال خروجه، ثم استغلال الكوادر الصدرية لإسقاط الحكومة المقبلة بالإضافة إلى السخط الشعبي المتنامي.
وأوضح أن الصدر “تخلى عن المكسب السياسي الأعلى الذي حصل عليه منذ عام 2003 وحتى اليوم”. وأنه، بعد فشله في تغيير نظام المحاصصة الذي وضعته الولايات المتحدة في العراق منذ عام 2003 وحتى الآن، أُصيب باليأس الذي تسبب به “تصرفه كالرجل القوي في السياسة العراقية بعد الانتخابات، وعدم أخذه بجدية قدرة خصومه السياسيين الكبيرة على إيقاف مساعيه، إضافةً إلى عدم جدية حلفائه في تحقيق حكومة الأغلبية السياسية التي حاول تمريرها”.
وبيّن أن “الصدر حاول أيضاً إنهاء النفوذ الإيراني على العراق من خلال دعواته المستمرة إلى إيقاف التدخلات الأجنبية كما يراها في العملية السياسية العراقية، الأمر الذي لم يستطع أن يحقق منه شيئاً”، مرجحاً أن يكون ذلك سبباً في “إضافة المزيد من الضغط على الصدر، والذي دفعه إلى قراره الجنوني”، على الرغم من إعلانه الأسبوع الماضي أن قرار الانسحاب الذي اتخذه “لم يأتِ بضغط مورس عليه من إيران”.
وأنهى الموقع تقريره بالتأكيد على أن “الخيارات التي باتت أمام الصدر لا يُتوقع أن تكون كافيةً لكسر الجمود والانسداد السياسي الحالي، خصوصاً مع وجود توقعات باستمرار الخلافات السياسية، وعدم قدرة النخب السياسية المتبقية في السلطة على تشكيل الحكومة المقبلة، أو الدفع بنجاحها، وتفادي انهيارها، ومن ثم انهيار النظام خلال الفترة المقبلة”.
وفي محاولة لتفسير قرار الصدر بالانسحاب، أكدت مجلة “وور أون ذا روكس” الأمريكية أن الصدر “لم يعد يرى في النظام الحالي إمكانيةً لاستمرار السلطة، الأمر الذي دفعه إلى الانسحاب، والعمل على أن يبقى خارجها قبيل انهيارها كلياً، خصوصاً مع تعاظم الأزمات المحلية، وانتشار الفساد، والسخط الشعبي الناتج عن الفشل الإداري، ودخول ما يزيد عن مليون مواطن عراقي سنوياً سوق العمل دون وجود وظائف”.
ورجحت المجلة أن يكون الصدر، الذي لا يزال متحكماً بجزء كبير من السلطة عبر الدرجات الخاصة، والسيطرة المباشر على الوزارات من خلال “الكوادر الصدرية”، يسعى أيضاً إلى “انتظار تشكيل الحكومة المقبلة ليعمل على إسقاطها، ومن ثم إسقاط النظام السياسي الحالي بشكل كلي”، مبينةً أن الصدر سيحاول استغلال طريقين لذلك، أولهما “التظاهرات الشعبية العارمة المتوقع خروجها في العراق قريباً”، إضافةً إلى “امتلاك فصيل مسلح متمثل بسرايا السلام يمكن له أن يحركه تجاه إبعاد القمع المسلح عن التظاهرات لفترة كافية لإسقاط الحكومة، والتسبب بانهيار النظام السياسي الحالي”.
وتابعت “وور أون ذا روكس” بأن الصدر “قد يكون أيضاً ارتكب خطأً غير مسبوق من خلال تسليمه المبادرة بشكل طوعي إلى منافسيه السياسيين”، وأن “تحالف الإطار التنسيقي بات قادراً على تمرير الحكومة المقبلة خلال مدة يُتوقع أنها لا تتجاوز الشهرين بعد انسحاب الصدر”.
وأكدت المجلة وجود احتمال بأن تعمل الحكومة الجديدة، التي ستُشكّل من طرف “الإطار التنسيقي”، على “معالجة الأزمات الحالية في العراق بشكل واقعي، مما سيفقد الصدر ورقة استخدام التظاهرات الشعبية كوسيلة ضغط على النظام للدفع بانهياره”.
ومن السيناريوهات الأخرى، التي رجّحتها المجلة أيضاً، أن يستغل الصدر الخلافات الحالية بين الأحزاب الكردية حول شخصية رئيس الجمهورية المقبلة، خاصةً بعد تغير موقفه من دعم الرئيس الحالي منتهي الولاية برهم صالح إلى معارضة توليته، وذلك لتحشيد أحزاب سياسية لا تزال في السلطة، بهدف تعطيل تمرير الحكومة المقبلة لفترة أطول، مع الأخذ في الاعتبار لتغير متطلبات اختيار الرئيس المقبل، ووجود احتمال كبير أن يتشكل “ثلث معطل آخر” يعارض تمرير رئيس الجمهورية، مدفوعاً بالخلافات بين الأحزاب الكردية.