نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
بإلحاحٍ مسعور، تحاول مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، ويحاول المحللون الإسرائيليون وكتّاب الأعمدة، تحميل رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، مسؤولية التردي الذي آلت إليه العلاقات بين الأردن وإسرائيل منذ أواسط شهر رمضان المبارك.
وفي حين يعلن الأردن مراراً وتكراراً أن الأزمة القائمة، والتوتر في العلاقات، سببه الأول والأخير هو محاولة إسرائيل تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، وهو التقسيم المرفوض أردنياً جملةً وتفصيلاً، فإن بعض المسؤولين الإسرائيليين، كما لو أنهم يحلمون بذر الرماد في العيون، والضحك على أنفسهم قبل غيرهم، يشيعون أن هذا التراجع سببه خطاب كراهية تبنّاه رئيس الوزراء الأردني تحت قبّة البرلمان الأردني.
فهل عبارة “العدو الصهيوني” هي زلّة لسان من رئيس الوزراء الأردني؟ وهل تأييده رماة الحجارة هو موقف خاص به منقطعة أواصره مع ملكه وحكومته؟
يوم أمس الأربعاء، وأمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعاد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تأكيد رفضه “التضييق الإسرائيلي” الذي طال أخيراً المصلّين المسلمين والمسيحيين في القدس.
ودعا الملك إلى “العمل بشكل حثيث مع الدول الفاعلة والمجتمع الدولي لاستعادة الهدوء في المدينة المقدّسة، ومنع تكرار ما تتعرض له من اعتداءات على المقدّسات الإسلامية والمسيحية والأهالي فيها”.
ما يعني أن رفض الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة، هو موقف يُجمع عليه الأردنيون جميعهم ملكاً وحكومةً وشعباً.
الكاتب الإسرائيلي إسحق ليفانون في مقال نشرته له قبل أيام صحيفة “معاريف” يقول للملك بالحرف الواحد: “يجب أن لا تتفاجأ المملكة إذا علمت أن في إسرائيل مَن يعتقدون أن الأردن هو فلسطين”، في إشارة لأهمية الموقف الأردني بالتأثير على الموقف الفلسطيني.
ليفانون يصف في المقال نفسه تصريحات الخصاونة بـ “الضارة والكاذبة والمهينة”، متطرقاً لاستخدامه لغة متطرفة “إنه فعلاً أمر لا يُطاق”.
ليفانون يتهم الخصاونة بدغدغة مشاعر مَن أسماهم الكاتب الإسرائيلي “المشاغبين الفلسطينيين”، ويقتبس من خطاب الخصاونة تحت القبّة عبارة: “إن اليهود يدنّسون المسجد الأقصى”. “هذه لغة حادة”، يقول ليفانون، ويستهجن استدعاء الخصاونة نائب السفير الإسرائيلي في عمّان لتوبيخه في أعقاب المواجهات داخل الحرم.
فهل يُعقَل هذا؟ هل يظن هذا الكاتب الإسرائيلي واهماً (وإن بعض الظن إثم)، أن الشارع لا يريد أكثر من ذلك؟ الشارع، ليس الأردني والفلسطيني فقط، ولكن حتى العربي والإسلامي والحر، لا يريد كل (إسرائيل)، ويريد تحرير فلسطين “كل فلسطين”، وعندما يقول قائلهم “كل فلسطين” فهو يقصد فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وهو يقصد مدناً يحسبون أنها انطوت في النسيان، وهيهات أن يطويها النسيان: يافا، حيفا، عكا، القدس، طبريا، الناصرة، الجليل، المثلث، رأس الباقورة، الجولان، اللد، الرملة، وغيرها، وغيرها. فهل يفهم كاتب إسرائيليّ أن ما أغضبه لا يُرضي شعوبنا العربية ولا الإسلامية ولا أي شعب من شعوب الأرض إنْ وصلته الحقيقة غير مزوّرة ولا مطعونة بالأكاذيب؟ وأن تخفيف احتقان الشارع لا يأتي بصرف رئيس وزراء عربي (زور) كلام، ظاناً أن عبارته هذه تشفي غليل قوم مؤمنين هو أمر خاطئ و(لغوصة) لا طائل منها. فكما أسلفنا، إن الظن، في هذه الحالة، إثم، لا بل، وإثم كبير.
على نحو خاص، يمكن القول: إن خصاونة تحدث بما يمثل مرحلياً، القليل من “الضمير الجمعي” للأردنيين ومؤسساتهم، وإن كان تعليقه لا يعجب مسؤولين تحت إمرته بمن فيهم وزير خارجيته، ولا يعجب مجموعة “العلاقة الجيدة مع الدولة العميقة في إسرائيل”، إلا أنه يفرح قلوب الأحرار في العالم، كل العالم، ولهؤلاء سوف تكون الكلمة الفصل في كل بلد تنتظر أوضاعه كلمة فصل لأحراره، حيث تأتي في البال، على الفور، سورية، التي يحب شعبها أشقاءهم الفلسطينيين، وسوف تظل قضية فلسطين هي قضيتهم رغم كل ما شوّهه النظام من الأب إلى الابن حول مسألة الوقوف مع الشعب الفلسطيني، ورغم أنه كاد يجعل الشعب المستباح يكره (القضية) التي جرى وما يزال يجري كل هذا الاتجار الكذّاب الخبيث باسمها، وكل هذا القمع لإرادة الأحرار باسمها. إلا أن شعوبنا تملك من الذكاء الفطريّ النقيّ ما يجعلها غير قابلة للاستغفال.
نعود لموضوعنا أعلاه، ونطرح السؤال المحوريّ (الوجوديّ) الأهم: هل يخضع العاهل الأردني لضغوطات (إسرائيل) ويجعل من بشر الخصاونة كبش فداء عودة “المياه إلى مجاريها”.