المصدر: ذاهيل (رأي)
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: إيريك مانديل (مدير MEPIN، شبكة المعلومات السياسية في الشرق الأوسط)
الحرب الروسية في أوكرانيا لها تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط -تؤثر بشكل خاص على الترسُّخ الإيراني في سورية والأمن الإقليمي لإسرائيل والولايات المتحدة.
في عام 2015، سافر الإيراني قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإسلامي آنذاك، إلى موسكو للقاء مسؤولي الكرملين بعد أسابيع فقط من إبرام الاتفاق النووي الإيراني الأول، خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
وكان الهدف هو تغيير مسار الحرب في سورية، والتي بدت قاتمة بالنسبة لحليفهم، رئيس النظام السوري بشار الأسد. ذلك الاجتماع “صاغ تحالفاً إيرانياً روسياً جديداً لدعم الأسد”، وقلب مسار الحرب لصالحهم.
وقد سمحت النتيجة الناجحة لإيران بالتحرك بثقة نحو هدفها الأساسي: إنشاء دولة تابعة لها في سورية، كما فعلت في لبنان مع حزب الله.
بوجود سورية في قبضتها، شعرت روسيا باليقين من أن قاعدتها الجوية المُوسّعة في حميميم وميناءها البحري في المياه الدافئة في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط سيصبحان وجوداً دائماً لتأسيس القوة الروسية في الفراغ الذي خلّفه انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.
جاءت العلّامة الأكثر وضوحاً على فك الارتباط الأمريكي عندما استعان الرئيس أوباما بمصادر خارجية لبسط نفوذها من خلال تفويض روسيا لتدمير أسلحة الأسد الكيماوية.
وقد كانت القصة بمثابة جعل الذئب مسؤولاً عن بيت الدجاجة!
ثم أصبحت روسيا قلقة من أن المغامرة الإيرانية وترسيخ نفوذها في سورية يمكن أن يُعرّض أصولها العسكرية الثمينة للخطر من خلال استفزاز إسرائيل.
لذلك، سمحت روسيا لإسرائيل بالوصول غير المُقيّد تقريباً لضرب قواعد الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية في سورية، ومكّنت من نقل أسلحة دقيقة التوجيه إلى حزب الله، الذي هو الآن القوة الفعلية في لبنان والمتجذّر في سورية. وقد استمر هذا الوضع حتى الآن.
وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط” العربية، التي تتخذ من لندن مقراً لها، “مع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، تقوم طهران بعملية ملء الفراغ الذي خلفته موسكو في سورية”. مثلما ملأت روسيا الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن إيران تملأ الفراغ الذي تتركه روسيا بالانسحاب من سورية. وقد ينذر هذا بتدهور جوهري في الاستقرار الإقليمي.
على مدى سنوات، كانت إيران تُطهّر عرقياً الأغلبية السُنّية في سورية وتعيد إسكان جنوب سورية بالمقاتلين الأجانب وعائلاتهم من مناطق بعيدة مثل أفغانستان وباكستان. هذه جريمة حرب، وتنتهك المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 -التي تحظر إبعاد السكان المدنيين.
لسوء الحظ، ركّز الغرب على إعادة استئناف اتفاق نووي رهيب مع إيران بدلاً من محاسبة إيران على هذا والعديد من الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي.
روسيا غاضبة من إسرائيل لأن وزير خارجيتها اتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب.
فقد يرغب فلاديمير بوتين في معاقبة إسرائيل من خلال إنهاء التنسيق الأمني في سورية الذي سمح لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية دون تفعيل الدفاعات الجوية الروسية.
ونظراً لأن إيران تشعر بأنها أقل تقييداً من قبل روسيا، فقد تختار أن تكون أكثر استفزازاً وأن تحقق في الدفاعات الإسرائيلية بأسطولها المتنامي والمتطور من الطائرات بدون طيار.
يزيد هذا السيناريو من احتمالية اندلاع حرب في الشرق الأوسط. حتى لو أرادت تهدئة الموقف، فربما فقدت روسيا نفوذها مع إيران -خاصة وأن الإخفاقات العسكرية الروسية في أوكرانيا استحوذت على اهتمام بوتين.
ومن المثير للاهتمام، أنه في عام 2014، زادت روسيا من تدخلها العسكري في سورية لصرف انتباه العالم عن غزوها غير القانوني لشبه جزيرة القرم وضمّها، وهو ما كان سابقاً لحرب اليوم. قد تكون حرب إقليمية جديدة بين وكلاء إيران من شمال إسرائيل جزءاً من استراتيجية روسية لصرف الانتباه عن جرائم الحرب التي ترتكبها في أوكرانيا اليوم.
كيف يؤثر ذلك على مصالح الأمن القومي الأمريكي؟
أي عدم استقرار في الشرق الأوسط هو أنباء سيئة للولايات المتحدة. فعندما تُجبر إسرائيل على خوض الحرب، فإنها تُسبّب اتخاذ مواقف دبلوماسية صعبة بالنسبة لأمريكا.
تماماً كما شجعت إيران على تصعيد مشاركتها في سورية بعد الاتفاق النووي لعام 2015، فقد تشعر بالقوة من انسحاب روسيا من سورية -خاصةً إذا كان اتفاق نووي جديد يوفر مئات المليارات من الدولارات لتخفيف العقوبات وفرص في التجارة الجديدة. حتى بدون هذا الاتفاق، ستحتاج روسيا إلى إيران لحماية مصالحها في سورية، والتي قد تفسرها إيران على أنها إشارة إلى أنها يمكن أن تكون أكثر قوة مع إسرائيل.