“نداء بوست” -تحقيقات اقتصادية- خاص
معرفة واقع الحال الاقتصادي في سورية، ستقود بلا شكٍ إلى ضرورة إضاءة حقيقة هذه الحال، والتي يظهر فيها تقسيم البلاد كنتيجة لواقع مفروض، أنتجته التدخلات الأجنبية في هذا البلد، إضافة إلى شن النظام الأسدي الحرب على الشعب السوري بكل مكوناته بطريقة أو أخرى.
“نداء بوست” أراد تسليط الضوء على الوضع الاقتصادي في مناطق الشمال السوري، فكان هذا الحوار مع الاقتصادي السوري الدكتور “أسامة القاضي”.
مناطق بلا سيادة
لا أحد يحتاج إلى تلسكوب ليرى واقع حال المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام الأسدي، فكما هي الحال في سورية المحكومة من الاحتلال الروسي والإيراني والنظام الأسدي، والتي تتصف بالفوضى والدمار الاقتصادي وغياب الاستثمار الرشيد، نجد صورة مشابهة لهذه الحالة في مناطق نفوذ الفصائل المسلحة في الشمال السوري بأجمعه. في هذا الأمر يقول الدكتور في الاقتصاد أسامة القاضي: “بالنسبة لكل المناطق خارج سيطرة النظام يمكن القول إنها تفتقر إلى السيادة الحقيقية والمرجعية القضائية والأمن الحقيقي لمواطنيها”.
ويرى القاضي أن هذه الحالة تتعلق بأسباب داخلية يقف خلفها “صراعات الميليشيات بين بعضها، وكذلك القصف والضغوطات العسكرية من النظام وميليشياته”. معتقداً بأنه “لا يمكن قيام أي استثمار حقيقي، متوسط أو طويل الأمد في تلك المناطق، ما لم يكن هناك حدود جغرافية واضحة، وسيادة واضحة، وقانون واضح، وجهة تنفيذية واضحة بأوامر قضائية واضحة”.
ويوضح القاضي فكرته أكثر فيقول: “يجب أن تكون هناك سلطة واحدة، (قضائية وعسكرية وأمنية) ضمن أجواء حكم رشيد حقيقي، مع توفّر تمكين حقيقي للسلطة التي تُسيّر أمور الناس هناك”.
مستطرداً القول: “للأسف في الشمال الغربي هناك حكومتان (المؤقتة والإنقاذ) وهما تفتقران إلى أي نوع من أنواع التمكين، إلى درجة أنه لا يوجد لديها موازنات حقيقية، ولا يوجد تحت تصرفها أموال، تستطيع من خلالها القيام بمشاريع، وتفتقر هاتان الحكومتان إلى سلطة قضائية وسياسية حقيقية”.
لكن القاضي يضع يده على وجع الوضع هناك، فيقول: “هناك ميليشيات موجودة بطريقة مؤسفة هي من تُسيّر الأمور، إلى درجة أن وزارة الدفاع لا قيمة لها مع وجود تلك الفصائل، حتى أن تركيبة الائتلاف عندما يكون هناك ممثلون عن الفصائل العسكرية فيه ستكون عوراء في مجلس الهيئة السياسية التابعة له، فالفصائل الأربعة عشر هي التي تعيّن وتقيل وتحاسب وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، وهذا خلل”.
ويرى القاضي أن هذا الأمر يُشرعن للميليشيات ولروح الفصائل، ويضيف: “في حكومة الإنقاذ الوضع أسوأ، إنها حكومة يعاديها كل العالم، حتى تركيا تصنفها أنها منظمات إرهابية إضافة إلى تصنيف الغرب لها بهذه الصفة، لذلك يصعب التعامل معها، وهي تضع الناس في وضع سيئ”.
ألقاب خارج العصر والزمان
ويوضح القاضي فكرة تخصّ قيادات هذه المنطقة (إدلب)، فيقول: “ألقاب أبو فلان يحكم، وأبو فلان يقضي، وأبو فلان يأمر، إنها طريقة ميليشياوية تجاوزها الزمان بقرون، وهذا يشكّل عامل ضغط على شعبنا”.
ويعتبر القاضي أن ذلك مرتبط بترتيبات ذات سمة يمكن وصفها بالهشاشة، وهي عرضة لكل أنواع المحاصرة والمقاطعة والقصف، فضلاً عن تكميم الأفواه، عدا عن عدم وجود سيادة قضائية حقيقية. معتبراً “أي القاضي” أن على الأتراك أن يحلوا هذه المشكلة، فكلما زادت أزمات الناس زادت الفوضى.
ويرى القاضي: “أن إدارة الميليشيات ليست غير مبررة فحسب، بل هي لا تنبئ بحلٍ حقيقي، ففي الشمال الشرقي كما يقول هناك ما يسمى (الإدارة الذاتية)، وهي إدارة أمر واقع، هذه الإدارة متهمة بالتعامل مع حزب العمال الكردستاني، هذا الحزب مصنّف على لائحة المنظمات الإرهابية لدى اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا، وهذه الإدارة تحكم بقوة السلاح، وهذا ليس حلا لأهلنا في منطقة الشمال الشرقي من البلاد”.
وحول وجود فوضى اقتصادية وأمنية وعسكرية يقول الدكتور أسامة القاضي: “لا غرابة من وجود فوضى أسعار وتخلف اقتصادي، وهناك بطء في إنجاز أي مشروع، إضافة إلى أن جغرافية المنطقة غير معروفة، حيث تتداخل فيها مناطق نفوذ أمريكية وروسية وإيرانية وللنظام وتركيا، لهذا يمكن القول لا يوجد منطقة جغرافية واضحة، ولا يوجد مجلس أو برلمان يحاسب هذه الميليشيات، التي لا تتخذ قرارها وطنياً”.
ويعتبر القاضي أن هذه المنطقة (الشمال السوري برمته) هي منطقة حروب مشتعلة، وهي منطقة غير مستقرة، ولا يمكن رسم أي بيئة اقتصادية فيها بدون وضوح اقتصادي وسياسي حقيقي، لذا من الضروري معرفة الأبعاد الاقتصادية والسياسية والجغرافية لمنطقة الشمال كلها”.
حول استثناء بايدن
وحول ما أشيع من تسريبات حول استثناء مناطق الشمال من عقوبات قانون قيصر، يقول القاضي: “للحقيقة لم يخرج للآن قانون حقيقي واضح في هذا الاستثناء، كلها تسريبات إعلامية، ما يمكن الاستفادة منه هو فقط في عقود لشركات سورية أو غير سورية للاستثمار في الحد الأدنى في تلك المناطق، ولا أعتقد أنه ستدخل في تلك المنطقة شركات محترمة أو عالمية”.
ويعتبر القاضي: “أنه لو وضع كثير من الاستثناءات فهي غير واضحة، ولا تفيد في أي شيء على الأمد الطويل. فترامب، يقول القاضي: “وقّع اتفاقية مع شركة نفطية أمريكية متوسطة، من أجل إصلاح آبار النفط، وبمجرد دخول بايدن البيت الأبيض، وبعد أسبوع ألغى ذلك العقد، وإن إلغاء العقود يمكن أن يتم حين يخرج بايدن ويحلّ محله رئيس جمهوري”.
ويعتقد القاضي أن ما يستخرج من النفط في مناطق نفوذ “قسد” لا يتعدى سدّ حاجتها منه، وإذا زاد قليلاً فهو يباع بأبخس الأسعار تهريباً لمناطق شمال العراق أو تركيا.
وحول الوضع في سورية عموماً، يقول القاضي: “منذ خمس سنوات ونحن مقسمون في سورية إلى ثلاث مناطق نفوذ (أمريكية، وروسية إيرانية ونظام، وتركية)، وإن كثيرين من السوريين لم يستوعبوا بعد أن سورية لم تعد سورية”.
ويعتقد القاضي: “أنه في ظلّ أجواء الانغلاق السياسي والتعثر السياسي فلن تستطيع اللجنة الدستورية التي تحدث عنها لافروف الوصول إلى أي شيء”.