المصدر: المجلس الأطلسي (The Atlantic Council)
الكاتب: سيث فرانتزمان
سلّط استخدام روسيا المتزايد للطائرات بدون طيار الإيرانية في الحرب في أوكرانيا الضوء على الخطر الذي تشكله طائرات الـ”درونز” الإيرانية على الصعيدين العالمي والإقليمي. فقد تكون النتيجة برنامجاً إيرانياً موسعاً للطائرات بدون طيار، وزيادة في انتشار هذا النوع من السلاح، وتبادل المعرفة بين موسكو وطهران مما يؤثر سلباً على الشركاء الغربيين في الشرق الأوسط وخارجه.
يمثل استحواذ موسكو على التكنولوجيا العسكرية الإيرانية، وخاصة الطائرات بدون طيار، فصلاً جديداً في العلاقات الإيرانية الروسية. فهو جاء على عكس ما جرت عليه العادة منذ عدة عقود عندما كانت إيران تسعى إلى استيراد التكنولوجيا من روسيا وقوى عسكرية أخرى أكثر تقدُّماً.
منذ بداية غزو روسيا لأوكرانيا في شهر شباط/فبراير، اعتمدت على أسلحة مواجهة مختلفة. ويبدو أن هذا مرتبط برغبة موسكو في عدم المخاطرة باستخدام قوتها الجوية فوق أوكرانيا، وتفضيل الذخائر الأرخص، مثل المدفعية، لتدمير أجزاء من أوكرانيا. كما تمثل الطائرات بدون طيار، وسيلة لموسكو لاستغلال تخصص في التكنولوجيا العسكرية. وقد بدأت روسيا النظر في مسألة الحصول على طائرات إيرانية بدون طيار اعتباراً من شهر حزيران/ يونيو، وفقاً لتقديرات الولايات المتحدة. وبينما كانت الطائرات بدون طيار تستخدم في الأساس للمراقبة أو الضربات الجوية المستهدفة، عادة من قِبل الدول الغربية، أصبحت إيران الآن رائدة في حرب الطائرات بدون طيار.
بالنسبة لروسيا، تمثل الطائرات بدون طيار الإيرانية أسلحة متوفرة بأسعار معقولة يمكن أن تستهلكها في أوكرانيا. وفي نفس الوقت تحقق إيران مكاسب من خلال إيجاد سوق جديد لأنظمتها لاستخدامها بأعداد كبيرة حيث إنه لم تقم أي دولة أخرى باستخدام الطائرات الإيرانية التي بدون طيار بهذه الكمية. ولكن لا يزال هناك جدل داخل إيران حول فعالية الصادرات إلى روسيا.
تُلبّي الطائرات بدون طيار الإيرانية حاجة ضرورية لروسيا في عالم الطائرات بدون طيار الكاميكازية أو ما يسمى أيضاً “الباحثة عن أهدافها- loitering munitions”. حيث يتم إطلاق هذه الأسلحة من علبة أو رف يمكن تثبيته على شاحنة، مع وجود رأس حربي للطائرة بدون طيار داخل جسمها. فعلى عكس الطائرات بدون طيار الأغلى ثمناً، مثل US Reaper، تم تصميم الطائرة الإيرانية شاهد 136 لمهمة تتجه إلى هدفها بلا عودة. وهي أكبر بقليل من الإنسان وتبدو كطائرة دلتا-وينغ. قد يكون لهذه الطائرات الإيرانية شخص يتحكم فيها، لكنها غالباً ما تطير عبر مسار مبرمج مسبقاً بناء على إحداثيات الطريق ثم تصطدم بالهدف.
تصنع إيران أنواعاً أخرى من الطائرات بدون طيار التي يمكن أيضاً تصديرها إلى روسيا. وتشمل هذه الطائرات شاهد 129، المصممة لتبدو وكأنها طائرة أمريكية بدون طيار من طراز Predator، وطائرة شاهد191، التي تشبه طائرة دلتا-وينغ، على غرار طائرة التجسس الأمريكية بدون طيار Sentinel. ليس من الواضح ما إذا كان أي منهما سيلبي احتياجات روسيا أو ما إذا كانت روسيا ستختار أنواعاً أخرى من الطائرات بدون طيار على غرار الكاميكاز. كانت أوكرانيا قد قالت في وقت سابق من هذا العام: إن إيران نقلت 2400 طائرة مسيرة إلى روسيا، لكن من الصعب تقدير العدد الإجمالي الذي تم نقله بحلول نهاية العام. وأكدت إيران أنها أرسلت الطائرات المسيرة قبل بَدْء الحرب.
استخدمت إيران الطائرات بدون طيار منذ الثمانينيات، جزئياً للتعويض عن نقص الطائرات الحربية الجديدة بعد سقوط نظام محمد رضا شاه بهلوي وخلال حربها التي استمرت ثماني سنوات مع العراق. استهدف العراق المدن الإيرانية خلال ذلك الصراع وأصبحت المسيّرات وسيلة لإيران لمواجهة العراق ولاحقاً لإبراز قوتها في جميع أنحاء المنطقة. على مرّ السنين، قامت طهران ببناء أجيال من الطائرات بدون طيار، وزادت مداها وأضافت الذخائر. لقد كتب الكثير عن جوانب برنامج المُسيّرات الإيراني أثناء انتشاره على مرّ السنين.
لماذا تلبي طائرات “كاميكاز” احتياجات روسيا
بينما حاولت إيران إجراء هندسة عكسية للطائرات الأمريكية بدون طيار التي تمّ إسقاطها، كان نجاحها الحقيقي هو استخدام الذخائر “الباحثة عن أهدافها” التي يتم إطلاقها في مهام كاميكازية باتجاه واحد، مثل صاروخ كروز. واستخدمت أنواعاً مماثلة من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز في الهجوم على منشأة بقيق السعودية في عام 2019، والتي نُسبت إلى إيران أو الميليشيات المدعومة من إيران. كما تم استخدام طائرات بدون طيار من الطراز الإيراني في اليمن من قِبل المتمردين الحوثيين منذ عام 2015. مع مدى يصل إلى أكثر من 1000 كيلومتر ورأس حربي يبلغ وزنه عدة عشرات من الأرطال، يمكن للطائرة “شاهد -136” -النوع المستخدم في أوكرانيا من قِبل روسيا- أن تلحق الدمار بالبنية التحتية والمدنيين.
وقد اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إيران بتدريب “الإرهابيين الروس” على استخدام الطائرات بدون طيار.
إن إيران تهتم بروسيا كزبون أكثر من الميليشيات؛ لأنها دولة وقوة عظمى. وقد قامت طهران بتصدير طائرات مسيرة إلى ميليشيات كما قامت بنقل طائرات مسيرة إلى العراق خلال الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مما زاد من قدرات قوات الحشد الشعبي. وبدءاً من عام 2016 على الأقل، تم استخدامها فوق الخليج العربي لمضايقة السفن البحرية الأمريكية. وفي وقت لاحق، من عام 2018، استهدفت إيران إسرائيل بطائرات مسيرة من سورية والعراق، ولاحقاً من إيران نفسها، وصدّرت تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى قطاع غزة أيضاً. وتوضح هذا الدائرة الآخِذة في الاتساع لقدرات الطائرات بدون طيار الإيرانية. كما تم استخدام الطائرات المُسيّرة من قِبل الوكلاء في لبنان وبشكل منفصل في العراق وسورية، حيث هددوا القوات الأمريكية العاملة ضد “داعش”. وفي شهر تموز/ يوليو من عام 2021، شاركت مُسيّرات إيرانية أيضاً في هجوم على سفينة تجارية، مما أسفر عن مقتل شخصين في خليج عمان. وبالإضافة إلى ذلك قامت إيران بافتتاح مصنع للطائرات بدون طيار في طاجيكستان خلال العام الماضي. ويمثل كل من هذه الامتدادات مستوى جديداً من النجاح أو القدرة.
كانت الطائرات المُسيّرة ذات يوم قضية تهم دول الشرق الأوسط، حيث تعمل إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من دول الخليج بالفعل لمواجهة التهديد المتزايد لهذا النوع من الطائرات. أما الآن فقد أدت صادرات إيران من تلك المركبات إلى روسيا إلى نشوء مخاوف لدى الغرب. فإلى حد ما، حلّت الطائرات المُسيّرة محلّ برنامج إيران النووي المتقدم كمصدر قلق للشركاء الغربيين.
تداعيات استحواذ روسيا على الطائرات الإيرانية المسيرة
هناك العديد من النتائج المحتملة لصادرات إيران من الطائرات بدون طيار إلى روسيا. الأول هو أن ذلك السلاح الإيراني لن يجعل روسيا تكسب الحرب ضد أوكرانيا، مما يوضح حدوده بمرور الوقت. وتقوم الدفاعات الجوية الأوكرانية بالفعل بإسقاط الطائرات المُسيّرة بأعداد كبيرة. فمن المرجح أن تدرس إيران كيفية استجابة الدفاع الجوي الغربي للطائرات بدون طيار وتحاول إعادة معايرتها بناءً على معدل فشلها. قد يؤدي استنزاف تلك المركبات إلى تشجيع روسيا وإيران على العمل بشكل أوثق. فعلى سبيل المثال، تم نشر مقطع فيديو يُزعم أنه يُظهر سيناريو مستقبلياً حيث هاجم سرب من طائرات شاهد 136 بدون طيار منشأة طاقة الشيبة في المملكة العربية السعودية في أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. ويوضح هذا كيف يمكن أن تعود تجربة إيران في أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.
يمكن أن تشكل الطائرات بدون طيار الإيرانية أيضاً تهديداً للدول الأوروبية، خاصةً إذا امتد أي صراع خارج أوكرانيا فالتركيز الرئيسي للدول الأوروبية اليوم هو أن ترى كيف تقاوم أنظمة الأسلحة التي تزودها لأوكرانيا ضد الطائرات بدون طيار. ولقد تمكنت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بالفعل من إلقاء نظرة على أداء الأنظمة المضادة للطائرات وستتعلم المزيد خلال الأشهر المقبلة وستكون قادرة على تحليل النجاحات والإخفاقات.
وفي غضون ذلك، سيوفر تحالف الطائرات بدون طيار بين إيران وروسيا أموالاً تشتد الحاجة إليها أو دفعات نقدية عينية لإيران، التي لا تزال تخضع لعقوبات أمريكية شديدة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تؤدي مشاركة المعرفة بين إيران وروسيا بشأن التكنولوجيا إلى تحسين طائرات شاهد 136 أو الطائرات المُسيّرة المماثلة التي قد تصدّرها إيران. وبالمثل فإن الخبرة المكتسبة في أوكرانيا تشكل تهديداً للولايات المتحدة وإسرائيل والخليج والقوى الشريكة الأخرى في الشرق الأوسط. وبنفس الطريقة تعمل إيران بشكل متزايد على توحيد معايير تجميع الطائرات بدون طيار، وتبسيطها لتصبح أكثر فتكاً وفعالية. أخيراً، من المرجح أن تجد إيران المزيد من الأسواق لمُسيّراتها بين الدول، مع روابط محتملة مع الصين لشراء المكونات الخاصة بصناعة هذه الطائرات.
كان إمداد إيران بطائرات بدون طيار لروسيا إحدى المفاجآت الكبرى في حرب موسكو على أوكرانيا. إن استخدام نوع جديد من التكنولوجيا غير المأهولة، التي تستخدمها موسكو بطريقة فريدة، له تداعيات واسعة على برنامج الطائرات المُسيّرة الإيراني، والطريقة التي يمكن أن يُنظر بها إلى تهديد ذلك النوع من الطائرات في الشرق الأوسط وأوروبا.